وفدان لـ"السلام".. عن ذكرى الحرب والموت في صبرا وشاتيلا
ذكرى مجزرة مخيم صبرا وشاتيلا هذا العام تتزامن مع توقيع دولتين عربيتين اتفاق "سلام" مع "إسرائيل"، وهو "سلام" افتقده ساكنو تلك المخيمات صيف العام 1982 حين قصدوا الاحتلال رافعين أعلامهم البيض.
-
ذكرى صبرا وشاتيلا تصادف توقيع اتفاق "السلام" في البيت الأبيض
عند السادسة من صباح 15 أيلول/سبتمبر، سمع سكان مخيم شاتيلا الواقع على تخوم بيروت هدير الآليات الإسرائيلية تتقدم نحو المدينة الرياضية المجاورة لهم. أدركوا سريعاً أن قوات الاحتلال باتت تحاصرهم، وأن خطراً داهماً يتهددهم، إذ أعلن قبل يوم مقتل الزعيم اليميني ورئيس الجمهورية بشير جميل؛ الرجل الذي التقى وزير الأمن الإسرائيلي آنذاك أرئيل شارون، وحثه على طرد الفلسطينيين من العاصمة بيروت، ومن مخيمات اللجوء التي ارتأى أنها قد تكون "حديقة حيوان حقيقية" بعد طردهم منها، وفق الوثائق الإسرائيلية.
في اليوم التالي، استفاق الأهالي على انقطاع في التيار الكهربائي والخبز، وعلى وقع أخبار تقدّم القوات الإسرائيلية إلى "بيروت الغربية" (شطر من بيروت كان يضم العدد الأكبر من المقاتلين ضد الاحتلال الإسرائيلي)، فيما لا يجدون من يصدها بقوّة بعد مغادرة المقاتلين الفلسطينيين من المخيمات إلى تونس نهاية آب/أغسطس 1982، وتسليم سلاحهم الثقيل إلى منظمات عسكرية أخرى. ظهر ذلك اليوم، بدأت المدفعية الإسرائيلية بقصف المدخل الجنوبي للمخيم، تمهيداً لـ"أفظع عمل إرهابي في تاريخ الشرق الأوسط الحديث"، وفق تعبير الصحافي البريطاني روبرت فيسك.
وفد السلام والعلم الأبيض
كان معظم سكان المخيم من العائلات الفلسطينية واللبنانية والسورية التي لم تجد مفراً من القبضة الإسرائيلية عصر 16 أيلول/سبتمبر سوى الاختباء في المستشفيات وغرف البيوت الخلفية والأماكن المهملة.
وبما أنّ المخيم كان خالياً من الرجال والسلاح النوعي، ارتأت عشرات النسوة في المخيم أن يخرجن مع أولادهن في تظاهرة نحو القوات الإسرائيلية التي تحاصر المخيم، حاملين أعلاماً بيضاء، ليخبروهم بأن المخيم خالٍ من السلاح والمقاتلين، وبالتالي فإن القصف المتواصل لن ينتهي إلى شيء ذي قيمة. عند وصولهن، طلب من المشاركات الوقوف على الحائط، ثم الركض بشكل منتظم وسريع لاجتناب القتل، لكن ذلك لم ينفع تماماً، إذ اعترض عدد من المقاتلين الهاربات، وقاموا بقتلهن أو اغتصابهن، وفق ما تؤكّد الناجيات.
وبالمثل، شكّل الرجال المسنون وفداً عرفه سكان المخيم بـ"وفد السلام"، مؤلفاً من 4 رجال، اتجه إلى مركز القوات الإسرائيلية بالقرب من المدينة الرياضية، ليطلبوا من هذه القوات وقف اعتدائها، ولا سيما أن الضحايا ليسوا إلا نساء وأطفالاً ورجالاً غير منظّمين في قوة عسكرية، وبالتالي "لا خوف" منهم.
انتظر سكان المخيم طويلاً ليعود الوفد، ولم يعد. نساء المخيم تؤكد، وفق شهادات، أن الرجال قتلوا وقطّعت جثثهم: "دبحوهم وحطوهم كل واحد بكيس".
الموت على الطرقات وفي الملاجئ
كان اقتحام المخيم غير متوقّع، إذ انسحبت الفصائل الفلسطينية على ثقة بأن "المخيمات ستكون أكثر أمناً" بعد خروجها منها، لكن الأمر كان مخالفاً، إذ شهد المخيم مجزرة استمرت 43 ساعة متواصلة، راح ضحيتها حوالى 3500 شهيد، معظمهم من الفلسطينيين.
دافع عشرات الشبان وبعض الفتيات عن المخيم بأسلحة خفيفة عصر ذلك اليوم، أمام المئات من جنود الميليشيات اليمينية الموالية الإسرائيلية والغاضبة بعد مقتل الرئيس الجميل، لكن سرعان ما قضي عليهم، لتبدأ رحلة الدم والقتل السريع.
أطلقت الميليشيات المقتحمة النار على سكان المخيم، مستهدفةً الرجال بشكل أساسي، حيث صفّتهم على "حائط الموت"، كما كان يعرف، معصوبي الأعين، مقيدي الأيدي، لتطلق عليهم النار من الخلف.
لم يكن هدف الميليشيات القضاء على "بقايا الفدائيين"، كما صوّروا، فالإسرائيليون الذين كانوا يراقبون من بعيد ما يجري داخل المخيم، يعرفون جيداً أن "الفدائيين" غادروا، وهو ما تعرفه الميليشيات نفسها. الأمر كان أشبه بانتقام دموي فاحش ممن تبقى، حتى لو كانوا أفراداً عزّلاً.
تروي بيان نويهض الحوت في كتابها التوثيقي "صبرا وشاتيلا - أيلول 1982" قصة أمل؛ الفتاة البكماء التي أحبت شاباً فلسطينياً وتزوجته، ثم حملت منه طفلة أتمّت شهر حملها الأخير في أيلول/سبتمبر من ذلك العام. حين اقتحمت الميلشيا ملجأ أمل وزوجها، لم تجد ما تحامي به عن نفسها وعن عائلتها الصغيرة. قُتل زوجها بـ"البلطة"، ثم جرى تقطيعه. أُخرج جنين أمل على مرأى منها.. قبل أن تقتل وتدفن في مكان مجهول.
وفد "السلام" والبيت الأبيض
مرّ 38 عاماً على ذكرى صبرا وشاتيلا، بما تعنيه المجزرة مع عدوانية وعنصرية تجاه فلسطين والفلسطينيين، لكن لم يتغير الكثير.
تصدر حدث تطبيع العلاقات البحرينية والإماراتية مع "إسرائيل"، أمس الثلاثاء، برعاية رئيس البيت الأبيض، عناوين أخبار الشرق الأوسط، وخرجت تصريحات عربية عدّة تبارك الاتفاق، في الوقت الذي صدح صوت نشيد الاحتلال في ساحة برج خليفة في إمارة دبي في دولة الإمارات.
"السلام" كان ذريعة الدول المطبعة، لكنه "سلام من منطلق القوة"، قال نتنياهو. وهو "السلام" الذي لم يكن ممكناً وفق الحسابات الإسرائيلية يوم قصد وفد المخيم ونساؤه مقر القوات الإسرائيلية.