"بسوت" القرداحة .. الحرائق تفضح غياب الخدمات عن ريف الساحل
تحوّلت القرية المنسيّة إلى عنوان إهتمام السوريين وقد شاهدوا على شاشات التلفزة النيران وهي تحاصرها وتجبر أبناءها على المغادرة.
-
تحوّلت القرية المنسيّة إلى عنوان اهتمام السوريين وقد شاهدوا على التلفزة النيران وهي تحاصرها (الميادين)
رائحة الرماد تملأ الأجواء على أطراف الطرق الجبلية بين القرداحة (جنوبي اللاذقية) وريفها القريب الذي أتت النيران على مئات الدونمات منه. في الأفق بقايا دخان لا يزال ينبعث في منحدرات صخريّة حادة وبين مساحات خضراء نجت من مواجهة النيران التي لامست جدران قرية "بسوت" وحواكيرها المقفرة، كما عشرات القرى في "بللوران" و"الحفة" و"ريف جبلة" و"طرطوس" وغربي حمص.
أصوات مروحيات الجيش السوري تملأ المكان هديراً وهي تحمل المياه عبر خزان ضخم مدلى بحبال عريضة من البحر الذي لا يبعد كخط نظر أكثر من 20 كم، تنقل ثلاث أو أربع مروحيات المياه تحت أنظار القرويين وهم يراقبون حركتها لتفرغها فوق بقايا رماد ينبعث منه الدخان. حركة كثيفة للمروحيات على إمتداد وادي عميق يشرف عليه سفح شديد الوعورة يخترقه في أعلاه طريق ضيق ومتعرج باتجاه "بسوت".
تحوّلت القرية المنسيّة إلى عنوان اهتمام السوريين وقد شاهدوا على التلفزة النيران وهي تحاصرها وتجبر أبناءها على المغادرة. ينعطف الطريق شمالاً تجاه بيوتها المتناثرة وقد ضاق بحدة حتى بالكاد يتيح مرور سيارة واحدة، بضع أشجار من التين تظلل الممر الضيّق وتنتشر إلى جنباتها بيوت بسيطة عاد أهلها إليها بعد ساعات أجبرتهم النيران خلالها على المغادرة.
وتمكنت فرق الأطفاء ووحدات من الجيش السوري من السيطرة على أسوأ موجة من الحرائق اندلعت فجر الجمعة في اللاذقية وطرطوس وحمص، وتمّت السيطرة عليها فجر الأحد.
وقالت وزارة الزراعة السوريّة إن "عدد الحرائق بلغ 156 حريقاً منها 95 في اللاذقية أخمدت بالكامل".
على واجهة ضيقة باتجاه الوادي يتجمع بضعة رجال بينهم مختار القرية، إلى موظفين حكوميين اثنين جاءا لحصر أضرار الحرائق. يدوّن الرجل على أوراق مطبوعة قسمت إلى خانات صغيرة أسماء المتضررين ومساحات الأضرار وأرقام هاتف للتواصل. تراقب نسوة بدا عليهنّ الانهاك والتعب أزواجهنّ الجالسين على بعد أمتار من رماد النيران وهم يحصون مساحات الخسارة وجلّها في بساتين الزيتون.
يقول جميل ديب، مختار القرية، إن "الجميع خسروا مواسمهم من الزيتون".
ويضيف الرجل السبعيني: "أنا شخصياَ خسرت 4 دونمات زيتون تحوّلت رماداً ومثلي كثيرين أكثر أو أقل".
لكن هذا ليس كل شيء، كما يبدو، ثمّة مطالب أساسيّة كشفتها الحرائق. يصرخ رجل آخر فقد ولديه في الحرب المستمرة منذ 9 سنوات، مطالباً بـ"توفير المياه لهذا التجمع الذي لا يزيد عدد سكانه عن 500 شخص!".
يخاطب مسؤولين محليين بنبرة عتاب: "هل يعقل أن المياه لا تأتي الينا إلا كل 3 أسابيع وأحياناً كل شهر؟"، قبل أن يكمل شاب آخر بنبرة غاضبة: "تصّور كل الأمطار التي تزيد عن ألف ملم سنوياً والينابيع والغابات ونعاني من العطش؟".
يقول المختار، مقاطعاً، "تحتاج القرية إلى بئر مياه بصورة عاجلة، إلى مساعدات فوريّة كي يستطيع الأهالي تمضية موسم الشتاء القاسي".
-
أكثر من 65 حريق في اللاذقية نشبت يوم الجمعة فقط ضمن ظروف مناخية مساعدة (الميادين)
على الطريق باتجاه محور أريزة - بيت زنتوت، أشجار صنوبر وسرو أكلتها النيران. مشهد صادم لمساحات تحوّلت رماداً تقابلها أخرى نجت من النيران بتدخل فرق الأطفاء وعوامل جويّة.
بين تعرجات الطريق يظهر أحد خطوط النار، سيارات إطفاء ونحو 10 عمال أطفاء يأخذون قسطاً من الراحة بعد 3 أيام من العمل والاستنفار الكامل.
يقول مدير الحراج باسم دوبا: "مررنا بساعات رهيبة خلال اليومين الماضيين، أكثر من 65 حريق في اللاذقية نشبت يوم الجمعة فقط ضمن ظروف مناخية مساعدة، رطوبة أقل من 20% ورياح شرقية بسرعات عالية. لقد شتتت النيران جهود فرق الدفاع المدني والأطفاء مع إمكانات تعتبر متواضعة نسبياً، ما فاقم من المعضلة قبل النجاح بالسيطرة عليها فجر الأحد".
وقد انتشرت أكثر من 102 سيارة إطفاء وآلية ثقيلة لمواجهة النيران ضمن حرائق المحافظات الثلاث، مع مشاركة الطيران المروحي بالإطفاء ومشاركة لوحدات من الجيش والأهالي في منع إمتداد النيران وإطفائها.
على طريق الإياب باتجاه مدينة القرداحة تضررت أعمدة الكهرباء الخشبيّة بوضوح، ينتشر عمال يدققون في حجم الأضرار فيما تجمعت سيارات إطفاء لتعبئة المياه من أحد المناهل.
لا حركة كثيفة للسيارات على الطريق، ربما بسبب أزمة البنزين الحادة في عموم سوريا، وحدها دراجات نارية تملأ المكان ضجيجاً كوسيلة أجدى إقتصادياً للتنقل. حتى مدخل القرداحة الرئيسي تضرر على بعض جوانبه من جرّاء وصول النيران إلى مساحات خضراء على طرفيه.