كيف ضَمِنَ ترامب استمرار نهجه حتى لو خسر الانتخابات؟
لماذا يعتبر إصرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب على تعيين القاضية أيمي كوني باريت، قضية حساسة ومؤثرة في الانتخابات الأميركية؟
-
بدأ طريق أيمي كوني باريت للترشح للمحكمة العليا منذ ما يقرب من 4 سنوات
قبيل الانتخابات الأميركية بأسبوعين تقريباً، أيّدت اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ (الذي يسيطر عليه الجمهوريون) تعيين القاضية أيمي كوني باريت، مرشّحة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المحافظة، كعضو في المحكمة العليا بينما قاطع "الديموقراطيون" جلسة التصويت احتجاجاً على قرب موعدها من موعد الانتخابات الرئاسية.
التصويت الذي من شأنه أن يرجّح كفة اليمين في شكل كبير في المحكمة العليا، جاء بالإجماع وبغياب "الديمقراطيين".
المحكمة القضائية العليا هي أعلى هيئة قضائية في الولايات المتحدة، وتتكون من 9 أعضاء، رئيس المحكمة و8 قضاة معاونين، يعينهم الرئيس، ويؤكدهم بـ"مشورة وموافقة"مجلس الشيوخ.
بعد تعيينهم، يأخذ القضاة مناصبهم لمدى الحياة، ويبرر القانون الأميركي ذلك من أجل "عزل القضاة عن التغيرات السياسية".
وفاة القاضية روث غينسبيرغ في أيلول/سبتمبر، خلق منصباً شاغراً في المحكمة، ووفقاً لاستطلاعات الرأي المتعددة، أراد أغلب الأميركيين أن يختار الفائز في الانتخابات الرئاسية بديل غينسبيرغ، إلا أن ترامب، والجمهوريين من ورائه أصروا على تسمية باريت قبيل الانتخابات الأميركية بـ3 أسابيع فقط، الأمر الذي اعتبره "الديمقراطيون" اختطافاً للمحكمة العليا، وذكّروا بموقف الجهوريين في حالة مشابهة خلال ولاية الرئيس السابق الديمقراطي باراك أوباما، حيث رفض الجمهوريون حينها النظر في مرشح للمحكمة العليا في عام الانتخابات، والتي كانت مقررة بعد 8 أشهر حينذاك، وتحدث الجمهوريون حول أهمية ترك الشعب الأميركي يقرر في صناديق الاقتراع حول من يجب أن يعين القاضي القادم.
وقال بعض الديمقراطيين إن الكونغرس (الذي يسيطر عليه الديمقراطيون) يجب أن يضيف مقاعد إضافية للمحكمة، أو يفرض حدوداً لمدة ولاية القضاة.
لماذا يحظى تعيين عضو في المحكمة بهذا الكمّ من الجدل؟
أول ما يجب معرفته عن باريت هو أن أكبر مؤيديها يعتقدون أنها ستحكم لصالح لوبي الأعمال، حتى أن غرفة التجارة الأميركية حثت أعضاء مجلس الشيوخ على تسميتها للمنصب. حيث تنتمي باريت إلى أغلبية محافظة، مما يجعل المحكمة العليا الآن الأكثر تحفظاً منذ 70 عاماً، أي منذ منتصف القرن العشرين.
ويقول أستاذ القانون في جامعة "كيس ويسترن ريزيرف"، جوناثان إنتين، إنه "من الواضح أن ترامب والجمهوريين في مجلس الشيوخ يعتبرون باريت رمزاً لشخص يعتقدون أنه سيعمل على ترسيخ المحكمة العليا المحافظة لعقود قادمة"، وكان طريق باريت للترشح للمحكمة العليا بدأ منذ ما يقرب من 4 سنوات.
خلال الفترة الانتقالية لعام 2016، قام فريق مؤيد لترامب، بصياغة قائمة بالمرشحين للمناصب القضائية الاستئنافية، وأضافوا باريت إلى قائمتهم، وتم ترشيحها للدائرة السابعة في العام التالي. وأضافها ترامب إلى القائمة المختصرة للمحكمة العليا في وقت لاحق من ذلك العام، في خريف عام 2017.
كانت باريت مدعومة داخلياً من قبل مستشار البيت الأبيض بات سيبولوني، كما تقول ثلاثة مصادر مطلعة على العملية.
وفي الاستبيان الذي قدمته باريت إلى اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ، كتبت أن ترامب عرض عليها الترشيح عندما التقيا في 21 أيلول/سبتمبر، أي بعد 3 أيام فقط من وفاة سابقتها روث غينسبيرغ وقبل أسبوع تقريباً من إعلانه عن الاختيار علناً.
قبل فترة وجيزة من ترشيح باريت، قال ترامب إنه حريص على تعيين بديل للقاضي الراحلة روث بادر غينسبيرغ قبل 3 تشرين الثاني/نوفمبر لأنه "يتوقع أن تكون الانتخابات محل نزاع"، وهو يريد بذلك عدالة جديدة تحكم لصالحه.
ودعا ترامب المحكمة العليا "للفصل في المسائل المتعلقة بالانتخابات"، مدعياً دون دليل أن "الانتخابات ستشهد تزويراً".
هذه التصريحات اعتبرها أعضاء ديمقراطيون في مجلس الشيوخ، "تكشف عن تضارب واضح في المصالح"، ودعوا القاضي باريت إلى "التعهد بتنحية نفسها من أي قضية تتعلق بالانتخابات الرئاسية".
كيف يستمر نهج ترامب من خلال باريت؟
يمنح تعيين باريت، المحافظين، أغلبية مؤلفة من 6 قضاة في المحكمة المكونة من 9 أعضاء، والتي تفصل في القضايا بأغلبية بسيطة.
مع هذه الأغلبية، يمكن للمحكمة أن تتراجع عن قرارات وتضعف قضايا ذات الأهمية بالنسبة للتقدميين مثل: الرعاية الصحية، حقوق التصويت، حالة الطوارئ المناخية، تدابير مكافحة التمييز، الهجرة... وغيرها.
وفي الموضوع الانتخابي قد يكون لرأي باريت ووجودها في المحكمة، وأغلبية الستة أعضاء تأثير في حال الخلاف بين الديموقراطيين والجمهوريين على النتيجة، ففي حال وجود اتهامات بالتزوير أو التلاعب، وعدم الاتفاق في الكونغرس، قد يصل قرار فضّ النزاع إلى المحكمة التي قد يكون قرارها لصالح ترامب، كما يأمل عندما أصر على تعيين باريت.
وستكون هذه مجرد البداية، مهما كان تأثيرها على القضاة الآخرين، فإن تأثير باريت يمكن أن يستمر لجيل كامل، فإذا عملت القاضية البالغة من العمر 48 عاماً حتى بلوغها سن غينسبيرغ، فستظل في المحكمة حتى عام 2059.
في سياق متصل، حذرت وسائل إعلام أميركية، من أن عملية ترشيح القاضي باريت يمكن أن تزيد من تآكل ثقة الجمهور في المحكمة العليا، باعتبارها فرعاً غير سياسي ومستقل من الحكومة والتي كانت تتراجع بالفعل منذ ما يقرب من عقدين.
وفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة غالوب، تراجعت ثقة الأميركيين في المحكمة العليا بشكل كبير خلال العقدين الماضيين. وأظهر استطلاع أجري عام 2020 قبل وفاة القاضية غينسبيرغ أن 40% فقط من الأميركيين قالوا إن لديهم "قدراً كبيراً" أو "قدراً كبيراً جداً" من الثقة في المحكمة العليا.
الحقيقة هي أن عدداً متزايداً من الأميركيين ينظرون إلى المحكمة على أنها هيئة سياسية علنية، ليست معنية بتحقيق العدالة، ولكن تعنى بحماية المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية لرعاتها المحافظين.
ولطالما كان تأثير القضاة الـ9 في المحكمة العليا عميقاً على الحياة العامة الأميركية. ويشمل الأحكام التي أيدت الفصل العنصري ثم ألغته، وأيدت حماية حقوق التصويت ثم ألغتها جزئياً، وأرست حق المرأة في الاختيار والحصول على أجر متساوٍ مقابل العمل المتساوي، وأثبتت المساواة في الزواج وحظر التمييز الوظيفي على أساس الجنس.
إلا أنه لا يوجد سبب لباريت أو أي قاض آخر في المحكمة العليا للاهتمام بالرأي العام، فبمجرد أن يعيّنوا، يملكون الحصانة مدى الحياة.