العقول الجميلة المنقذة في زمن كورونا: أوغور شاهين وزوجته
الميادين ضمن برنامج "من الداخل" تلتقي مبتكر لقاح كورونا البروفيسور "أوغور شاهين" وزوجته، ليرويان قصتهما في العمل والحياة.
-
البروفيسور أوغور شاهين وزوجته الدكتورة أوزليم توريتشي
البروفيسور أوغور شاهين هو مبتكر وقيادي في مجال العلاج المناعي للسرطان. إنجازاته النوعية يُفتخر بها عالمياً حتى بات هنالك اعترافٌ متواصل بعمله الرائد في فك رموز الملف الجيني الخاص بورم كل مريض وتطوير العلاجات الشخصية المقابلة.
هو اليوم مع زوجته الدكتورة أوزليم توريتشي وعبر شركتهم "BioNTech" الطبية الألمانية الناشئة وبالتعاون مع "Pfizer" إحدى الشركات العالمية الرائدة في مجال المستحضرات الصيدلانية الحيوية، طورا لقاح لفيروس كورونا حيث أظهر التحليل الأولي من تجارب المرحلة 3 للقاح فيروس كورونا لشركته فعالية بنسبة 90%.
الميادين ضمن برنامج "من الداخل" التقت بهذه القامة العلمية المتواضعة والخلوقة في لقاء حصري بعد نيله جائزة "المصطفى" للعلوم والتكنولوجيا في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2019 في احتفال مهيب في العاصمة الإيرانية طهران، حيث كان واحداً من العلماء الذين كرّموا بهذه الجائزة التي تمنح كل سنتين للرائدين في مجالي العلوم والتكنولوجيا في العالم الإسلامي.
المقابلة التي تلت الحفل التكريمي دفعتنا لاكتشاف أوغور شاهين، هذا العالم المتميز واللامع على نحو أعمق وأقرب. هو الباحث والاختصاصي في علم المناعة والأورام السرطانية الذي ينحدر من أصول تركية. نشأ وترعرع ودرس في ألمانيا حتى أصبح طبيباً، والتقى زوجته الدكتورة أوزليم توريتشي وتزوجا وأنجبا إبنة واحدة و هي في 14 من عمرها.
لعل الزوجان من أغنى الأغنياء في ألمانيا اليوم، حيث تقدر قيمة شركتهم بـ21 مليار دولار لكنهما يسكنان في شقة متواضعة ويستقلان الدراجة للذهاب إلى العمل ولا يملكان سيارة.
قال شاهين: "والديّ كانا عاملين عاديين في شركة لصناعة السيارات في ألمانيا ووالدتي كانت داعمةً جداً لي. كانت تدعوني بطبيبها حتى عندما كُنتُ طفلاً، هي دعمت كُل شكل من أشكال التعليم الضروري. كانت إمرأة تعمل بجد وكانت حريصة جداً لأتلقّى أفضل أنواع التعليم".
عبر شركتهم و أبحاثهم ركّز شاهين على تطوير اللقاحات المُضادة للأورام فيما يتوافق وبشكل فردي مع الملف الوراثي للخلايا السرطانية المُحددة. وبشكل جماعي مع فريقه يعمل شاهين على ترجمة المفاهيم العلمية إلى علاجات سرطانية مُحددة.
أخبرنا في "من الداخل" عن بحثه الرائد في العلاج المناعي لعلاج السرطان، وقال: "كل مريض بالسرطان هو في واقع الأمر يعاني نوعاً مختلفاً من السرطان. يتشكل السرطان من خلايا طبيعية عبر تغيرات جينية تطرأ عليها ونسمي هذه التغيرات الجينية بالتشوهات وهي عشوائية ومختلفة تماماً لدى المرضى المختلفين. هذا يعني أننا إن عالجنا سرطاناً لدى أحدهم وسرطاناً لدى آخر فإننا نعالج مرضين مختلفين واستناداً إلى هذا فإننا أمام تحد مفاده أن قرابة الـ30% من مرضى السرطانات المتقدمة فقط يتجاوبون مع العلاجات. وفكرتنا تستند إلى التالي، إن كان السرطان مرضاً فردياً، فلم لا نعالجه على هذا الأساس".
وأضاف: "يمكن القول إن العلاج المناعي يعد أحد الركائز البحثية الرئيسة للتقنية الحيوية. إننا نطور أيضاً لقاحات للأمراض المعدية كما أننا بدأنا بتطوير علاجات لأمراض نادرة".
وعن التحديات الرئيسية التي يواجهونها في خضم هذه الرحلة الطويلة يرى البروفيسور الألماني-التركي أوغور شاهين أن "السرطان مرض معقد جداً. لذا فإنه ليس مرضاً واحداً إنما هو مستند على مليارات الخلايا الورمية المختلفة كلها عن بعضها البعض والعلم المختص بالسرطان هو علم مختص بجهازنا المناعي. إنه علم متمحور حول تطوير الأدوية إنه متعلق بالتنظيم لأن تطوير علاجات للمرضى يعدّ مسألة تنظيمية صارمة ومكلفةً جداً".
وبحسب شاهين لديهم الآن تحسينات مستمرة دوماً في علاج السرطان وبرأيه الفتح الأهم سيكون من دون شك التشخيص المبكر للسرطان بالتزامن مع العلاج المناعي.
وقال: "أعتقد أن ما يجري فعلياً هو أننا شهدنا عدة ثورات في هذا المجال، أي أن ما أنجزناه كمجتمع علمي هو قدرتنا الآن على فهم الملف الجيني للسرطانات في خلال بضعة أيام. هذا يبدو مدهشاً. لكننا وقبل 10 أعوام احتجنا إلى سنوات لفعل ذلك. لدينا الآن أنواع علاجية جديدة تمكننا من إعداد الأدوية للمريض في خلال أسابيع أدوية مصممة وراثياً وهذا فتح ريادي أيضاً. هذا يعني بأن لدينا التكنولوجيا الآن التي لا تمكننا وحسب من رؤية ما حدث بل وتتيح لنا الفرصة باتخاذ الفعل العلاجي اللازم وفقاً لما حدث. والمذهل أيضاً هو أن بحثنا بالطبع مدعوم من قبل ثورة العلوم الرقمية. لذا فإننا نستخدم الذكاء الاصطناعي وأساليب التعلم الآلي وأساليب التعلم العميقة لفهم البيانات الجينية أي أن الكومبيوتر يدعمنا في اتخاذ القرار حيال طريقة صناعة اللقاح والعلاج المناعي".
المرة الأولى التي يجري فيها الاعتراف بعملنا في العالم الإسلامي
د. شاهين ومنذ 1995 تلقى العديد من الجوائز القيمة في عدة بلدان حول العالم، ويقول عن تلقيه جائزة المصطفى للعلوم والتكنولوجيا المرموقة والإضافة لمسيرته المليئة مسبقاً بالجوائز والمنح والأوسمة: "أنني تشرفت وأشعر بالتميز. إنها المرة الأولى التي يجري فيها الاعتراف بعملنا في العالم الإسلامي. وهو أمرٌ بالطبع مُهم".
لطالما كان شاهين شخصاً فضولياً. ومنذ طفولته كان يقرأ كل أنواع الكتب العلمية والتكنولوجية. أصبح مهتماً بعلم المناعة بعد مشاهدته لتقرير علمي على التلفاز. وأثار هذا الأمر اهتمامه في مرحلة مبكرة لأن الجهاز المناعي يعد أحد أهم الأجهزة في أجسادنا.
العالم المتألق يبدأ يومه باحتساء القهوة الجيدة ولكن على خلاف الأتراك وقهوتهم المشهورة يحبذ شاهين الإسبرسو! ومع القهوة حوار يومي مع زوجته الاستاذة أوزليم لذا فإن من المهم خوض هذا الحوار.
"لدينا 30 دقيقة معاً لمُناقشة ما حدث في اليوم السابق وما سيحدث اليوم ووضع خطة، ثم نبدأ بأول جولة عمل. حتى تستيقظ ابنتنا، من ثمّ نُجهز أنفسنا للذهاب إلى العمل. وطبعاً فإن لديّ الكثير من اللقاءات مع طلابي وزملائي في العمل. إنني أتواجد عادةً في المختبر والمكاتب لأربعة أيام في الأسبوع. أعقد الاجتماعات مع زملائي في العمل حتى العاشرة مساءً. وفي العادة لا أتناول الطعام خلال النهار. ما خلا وجبات صغيرة، بعض اللبن أو شيء كهذا. ولدي ثلاثة أيام عطلة أيام الجمعة والسبت والأحد حيث أضع خططي الخاصة بي يوم الجمعة هو يوم الفضول. لذا فإنني أقرأ أموراً جديدة وأضع الخطط وأخرج بأفكار وأقيّم ما إذا كانت الخطط القديمة ما زالت جيدة وأمضي الوقت بشكل إبداعي. يوم العائلة هو السبت"، يتابع شاهين للبرنامج.
وبرأيه أن هناك العديد من الخلاصات الرئيسة لكن أهمها هو العمل مع الأشخاص المناسبين.
نصيحة أوغور شاهين للشباب الذين يسعون إلى امتلاك مهنة في البحث والعلوم أن يجمعوا بين أمرين: "أولاً، في أن يكونوا فضوليين، لأن الفضول هو العنصر الأهم في العلم. ومن ناحية أخرى في أن يحددوا رؤيا والتي يبدو تحقيقها بعيد المنال لأن هذا ما سيبقيهم محفّزين".
للتعرف أكثر على العالم المميز والراقي ومن سيكون له فضل كبير في إيجاد لقاح لفيروس كورونا البروفيسور أوغور شاهين تابعوا حوار خاص "من الداخل... العقول الجميلة".