الإعلام الأميركي عن تقرير مقتل خاشقجي: يجب أن يطلق على القتلة اسم قتلة
بحسب مسؤولين كبار في الإدارة الأميركية الجديدة، إن الرئيس جو بايدن يعتبر أن التكلفة الدبلوماسية لمعاقبة ولي العهد السعودي بشكل مباشر باهظة للغاية.
-
بريان ستوفر - صحيفة واشنطن بوست -
ذي أتلانتيك: يجب أن يطلق على القتلة اسم قتلة
بعد رفع الإدارة الأميركية الجديدة السرية عن تقرير المخابرات حول مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي عام 2018، والذي جاء فيه أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وافق على عملية للقبض على خاشقجي، أو قتله، عدد من الصحف الأميركية تناولت التقرير وعلقت عليه.
صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية قالت "إن محمد بن سلمان مذنب بارتكابه جريمة قتل، وعلى بايدن ألا يجعله يفلت بفعلته"، مضيفةً أنه "قد تبدو العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية في عهد بايدن كما كانت قبل إدارة ترامب عندما تم التعامل مع المملكة كحليف رئيسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط".
وأضافت أن "الإدارة الجديدة أكدت أنها ستستمر في بيع أسلحة "دفاعية" للسعودية، وتساعد في الدفاع عنها من هجمات إيران ووكلائها، على الرغم من أن ابن سلمان قد لا يتلقى مكالمات من السيد بايدن أو تتم دعوته إلى واشنطن، إلا أن ابن سلمان سيظل منخرطاً مع مسؤولين رفيعي المستوى، حيث تلقى مؤخراً مكالمة هاتفية من وزير الدفاع لويد أوستن".
كما أشارت "واشنطن بوست" إلى أن "هناك حجة براغماتية لهذه السياسة، فمحمد بن سلمان لا يزال أقوى شخص في منطقة الخليج العربي، وإذا خلف والده كملك كما هو متوقع، فقد يظل في هذا المنصب لعقود"، مضيفةً أنه "لا تزال الولايات المتحدة تعتمد على المملكة العربية السعودية لتحقيق الاستقرار في سوق النفط العالمية وللمساعدة في جهود مكافحة الإرهاب".
وتابعت "في عهد محمد بن سلمان خففت المملكة بعض القيود المفروضة على النساء، وقمعت رجال الدين المتطرفين، وأصبحت أكثر صداقة مع "إسرائيل". وفي الأسابيع الأخيرة، سعى محمد بن سلمان إلى استرضاء بايدن، من خلال إطلاق سراح بعض السجناء البارزين بمن فيهم مواطنون أميركيون، وقام بإنهاء الحصار المفروض على دولة قطر المجاورة".
ومع ذلك، أكدت الصحيفة أن "بايدن لن يسمح لحاكم زرع عدم الاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، وقاد أشد عملية قمع للمعارضة في التاريخ السعودي الحديث، بالإفلات من العقاب"، مضيفة "إنه مسار محفوف بالمخاطر تعتمده الادارة الحالية في ظل غياب أي دليل على أن محمد بن سلمان مستعد لتغيير نظامه بشكل جذري".
الصحيفة لفتت إلى أنه "كحد أدنى يجب على الإدارة أن تطلب كشرط للعلاقات الطبيعية، تقديم مهندس مقتل خاشقجي وغيره من جرائم حقوق الإنسان - سعود القحطاني، أحد المساعدين المقربين لمحمد بن سلمان المذكور في تقرير وكالة المخابرات المركزية - إلى العدالة. إذا لم يتم تفكيك الجهاز الإجرامي الذي استخدمه محمد بن سلمان ضد خاشقجي، فسيكون هناك المزيد من الضحايا".
بايدن لا يعاقب محمد بن سلمان
"سي إن إن" ذكرت بدورها أنه على الرغم من وعوده بمعاقبة كبار القادة السعوديين أثناء حملته الانتخابية، رفض بايدن فرض عقوبات على الشخص الذي حددت الاستخبارات الأميركية أنه مسؤول عن مقتل خاشقجي، ولي العهد محمد بن سلمان، مضيفةً "إن اختيار عدم معاقبة الأخير بشكل مباشر يبرز بشكل حاد كيفية صناعة القرار التي تصبح أكثر تعقيداً حين يصبح المرشح في منصب الرئيس، ويظهر صعوبة الانفصال عن حليف مزعج في منطقة مضطربة".
وتابعت "تبدو العلاقة مع الرياض نفسها قيّمة للغاية، بحيث لا يمكن لإدارة بايدن التخلي عنها تماماً من خلال معاقبة الرجل الذي يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه يدير المملكة". وقال مسؤولو وزارة الخارجية إن إدارة بايدن أوضحت مسألة عدم قلب السياسة القائمة بين البلدين لأن العلاقة الأمنية مهمة للغاية.
ومن نواح كثيرة هذه الحسابات هي نفسها التي أخذتها إدارة ترامب بعين الاعتبار عندما قررت عدم معاقبة محمد بن سلمان، وفق "سي إن إن". وأضاف أن "المسؤولين اعترفوا في كل من إدارتي ترامب وبايدن سراً بأن المملكة العربية السعودية قوة إقليمية موازية لإيران ما يجعل أي محاولة للابتعاد عنها شبه مستحيلة".
ونقلت "سي إن إن" عن دينيس روس المبعوث الأميركي الخاص السابق للشرق الأوسط أنه "من الصعب تخيل أي قضية في المنطقة لا تلعب فيها الشراكة والدعم السعودي فيها دوراً مهماً".
بدورها، أشارت صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أن بايدن لن يُعاقب ولي العهد السعودي خوفاً من قطيعة في العلاقات بين واشنطن والرياض.
ولفتت إلى أن "القرار سيخيب آمال مجتمع حقوق الإنسان وأعضاء الحزب الديمقراطي الذين اشتكوا خلال إدارة ترامب من فشل الولايات المتحدة في محاسبة محمد بن سلمان".
وأشار مسؤولون كبار في الإدارة الأميركية الجديدة، بحسب الصحيفة، إلى أن الرئيس بايدن اعتبر أن "التكلفة الدبلوماسية لمعاقبة ولي العهد السعودي بشكل مباشر باهظة للغاية".
وتابعت "نيويورك تايمز" أنه ووفقاً لمساعدي بايدن، فإنه "من الناحية العملية لن تتم دعوة ابن سلمان إلى الولايات المتحدة في أي وقت قريب". ولفتت الصحيفة إلى أن "أصعب قضية نوقشت داخل الإدارة هي كيفية التعامل مع ولي العهد نفسه. إذ إنه من النادر فرض حظر على زعماء العالم، فيما وجدت دراسة أجراها مسؤولون في الإدارة أن الولايات المتحدة تحركت ضد خصوم مثل الرئيس السوري بشار الأسد، كيم جونغ أون زعيم كوريا الشمالية؛ نيكولاس مادورو رئيس فنزويلا؛ وروبرت موغابي، رئيس الوزراء السابق لزيمبابوي. فيما لم يتحرك أي أحد ضد زعماء البلدان التي كانت حليفة رئيسية".
مطالبة بتسمية القاتل وفرض العقوبات عليه
أما "وول ستريت جورنال"، عنونت افتتاحيتها "عقوبة خاشقجي"، وتحت هذا العنوان كتب: "إفراج إدارة بايدن يوم الجمعة عن التقرير الاستخباراتي حول قتل جمال خاشقجي مرضٍ أخلاقياً. ولكن سواء كان ذلك يعزز مصالح الولايات المتحدة أو حتى حقوق الإنسان على المدى الطويل، فتلك مسألة أخرى. الولايات المتحدة قررت عدم معاقبة محمد بن سلمان وزير الدفاع السعودي وربما الملك المقبل".
وبحسب الصحيفة، يصف الديمقراطيون ووسائل الإعلام التابعة لهم القرار بأنه غير ملائم، "ولكن يبدو أن إدارة بايدن تقدر أن هذا من شأنه أن يؤدي إلى قطع أكثر جدية للعلاقات الأميركية السعودية، بما من شأنه مساعدة الخصوم في طهران وموسكو وبكين. وقرر ترامب تجاهل التقرير، لكن دعمه للسعوديين و"إسرائيل"، ومعارضته للطموحات النووية الإيرانية، ساعدا في تمهيد الطريق لاتفاقات "أبراهام" التاريخية بين "إسرائيل" والدول العربية. ويجب أن تفكر إدارة بايدن مرتين قبل إبعاد السعوديين، وهم الذي يعدون أصدقاء نادرين للولايات المتحدة في جزء خطير من العالم".
مجلة "فورين بوليسي" قالت من جهتها إنه ليس من المتوقع أن تفرض الإدارة الأميركية عقوبات على ولي العهد السعودي في محاولة واضحة للحفاظ على علاقة الولايات المتحدة بالعائلة المالكة السعودية. لكن المدافعين عن حقوق الانسان دانوا قرار إدارة بايدن بعدم استهداف ولي العهد شخصياً.
ونقلت المجلة عن سارة ليا ويتسن المديرة التنفيذية لمنظمة الديمقراطية في العالم العربي الآن، والتي أسسها خاشقجي، "إن تجنب فرض هذه العقوبات على محمد بن سلمان من شأنه أن يقوض مصداقية العقوبات التي تم فرضها على الجناة الآخرين".
وأيضاً، عنونت مجلة "ذي أتلانتيك" قائلة إنه "يجب تسمية القتلة بالقتلة وقول ذلك في وجههم مباشرة"، وقالت إن "أهم الأسئلة التي لم يجب عليها التقرير الاستخباراتي سياسية وأخلاقية"، متسائلة "كيف ستبدو إعادة النظر في المعايير التي تحكم العلاقة بين البلدين، والتي تحدث عنها البيت الأبيض على لسان الناطقة باسمه؟".
بعد الاطاحة بالنظام الملكي السعودي يمكن مقاضاة ابن سلمان
كما تابعت "ذي أتلانتيك" بالقول "أولاً يجب استبعاد أي احتمال لأن تعاقب السعودية نفسها. المملكة العربية السعودية نظام ملكي مطلق بالمعنى الحقيقي للحداثة، وابن سلمان هو القانون. فلنتذكر كل الخلافات القانونية في الولايات المتحدة حول ما إذا كان بإمكان وزارة العدل توجيه لائحة اتهام ضد رئيس في منصبه؟ لا يمكن لولي العهد أن يقاضي نفسه. الملكية المطلقة هي نظام حكم فظيع لهذا السبب بالذات. إذا كان ابن سلمان يوماً ما في وضع يسمح بمقاضاته فسيكون ذلك بعد الإطاحة بالنظام الملكي السعودي، وفي هذه الحالة ستكون لديه قضايا أكثر خطورة بكثير من قضية خاشقجي ليحاسب عليها".
وأضافت المجلة "فلنفكر إذاً في الخيارات الأكثر واقعية. يمكن للولايات المتحدة أن تناشد حاكم المملكة العربية السعودية الملك سلمان البالغ من العمر 85 عاماً إزالة نجله من تسلسل الخلافة. هذا الخيار يقربنا مليمترات فقط من الواقع".
ولفتت إلى أنه "في ما يقرب من أربع سنوات منذ أن تولى بن سلمان رسمياً منصب ولي العهد قام بلا هوادة بقطع أرجل كل من يعد منافساً له. ومن أبرز هؤلاء الأمراء أنفسهم الذين خدموا بشكل جيد كبدائل لابن سلمان. كما قام بتهميش واعتقال سلفه محمد بن نايف ولي العهد السابق والرجل المفضل لدى وكالات التجسس الغربية. لم يكن رئيس الاستخبارات والدبلوماسي السابق تركي بن فيصل قريباً من العرش أبداً، لكنه أيضاً وجد نفسه منبوذاً في المدارات الخارجية للسلطة. قضى ابن سلمان حكمه في القضاء على منافسيه وكان قتل خاشقجي جزءاً من تلك العملية".
وشددت على أنه "يجب أن تنتهي الحرب بالوكالة السعودية الإيرانية في اليمن وهي كارثة إنسانية ارتُكبت جزئياً بأسلحة أميركية في أقرب وقت ممكن ومن طرق معاقبة محمد بن سلمان الضغط عليه للسماح لها بإنهاء الانتصار الإيراني".
وشددت على أنه "يجب أن يطلق على القتلة اسم قتلة، في كثير من الأحيان وفي وجوههم بشكل مباشر. والواقع بالنسبة لحالة المملكة العربية السعودية أن الولايات المتحدة ليست للمرة الأولى أو الأخيرة عالقة في وضع بائس وأن نهاية هذه الحلقة الدنيئة ستكون على الأرجح بأن يصافح مسؤول أميركي شخصاً قاتلاً مرة أخرى".
وفي سياق متصل، نشر موقع مجلة "ذي انترسبت" أن الخطوة الأميركية التي تضمنت قيوداً على تأشيرات 76 مواطناً سعودياً "شاركوا في تهديد المنشقين في الخارج"، هي دليل على أن إدارة بايدن تريد الحفاظ على شراكة تعاونية مع القيادة السعودية، مشيرة إلى أنه من المرجح أن يثير ذلك غضب نشطاء حقوق الإنسان وأعضاء الكونغرس الذين جادلوا بضرورة محاسبة ولي العهد شخصياً على العملية التي أدت إلى مقتل صحفي سعودي، كان أيضاً مقيماً في الولايات المتحدة، وذبحه في القنصلية السعودية كما لو أنه ديك رومي.