القدس فلسطينية.. مهد السيد المسيح ومسرى النبي محمد
مدينة القدس ليست مجرد مدينة. إنها حكاية من أقدم حكايات التاريخ. جذورها الضاربة في القِدَم وموقعها المميز جعلها مسرحاً لأحداث دينية ودنيوية كبيرة. من صَلب السيد المسيح وحادثة الإسراء والمعراج، إلى قيام الساعة، وصولاً إلى الاحتلال الإسرائيلي.
من أسَّس مدينة القدس؟
مدينة القدس هي عاصمة فلسطين. أقام اليبوسيون العرب نواتها الأولى في بقعة جبلية تعد جزءاً من جبال القدس. تقع ضمن سلسلة جبال الخليل، وتتوسط المنطقة الواقعة بين البحر المتوسط والطرف الشمالي للبحر الميت. يُشار إلى الجزء الأساسي منها باسم القدس القديمة، وهي تقع داخل السور الأول الذي بناه اليبوسيون.
تعاقبت أمم كثيرة على مدينة القدس، منذ أن أسسها اليبوسيون حتى اليوم، وشهدت حروباً كثيرة، وأُعيدَ بناؤها ما لا يقل عن 18 مرة خلال تاريخها. وقد لاحظ جميع المؤرخين أن الجيوش التي فتحت القدس قديماً وحديثاً دخلتها من الشمال.
يقدّر علماء الآثار أن تاريخ مدينة القدس يعود إلى نحو 6000 عام، كما أكّدت الحفريات التي قامت بها البعثات الفرنسية والبريطانية في العام 1962. اعتبرت هذه البعثات أن ما تم التوصل إليه خلال موسم الحفريات السابقة من نتائج عن تاريخ مدينة القدس، لا تعدو كونها معلومات مزيفة تعيد صياغة تاريخ القدس وفقاً لما ورد في التوراة، التي تعتبر أن تاريخ المدينة المقدسة لا يتعدى 3000 عام.
أسوار القدس
أوّل من بنى سوراً حول القدس هم العرب اليبوسيون الَّذين بنوا المدينة. ولا صحّة للقول إنَّ السّور الأول من صنع داوود أو ولده سليمان؛ ففي العصر البرونزي الوسيط، بنى اليبوسيون مدينة يبوس، وهي في موقع القدس اليوم، وكانت صغيرة نسبياً، لكنها كانت محصّنة بالأسوار، وتقع بقايا جدرانها فوق نفق حزقيا.
أما السور الحالي لمدينة القدس القديمة، فقد بُني ورُمم معظمه في عهد السلطان العثماني سليمان الأول، المعروف بسليمان "القانوني". ولا يزال اسمه منقوشاً في أماكن متعددة من السور.
يبلغ طول الجدران 4018 متراً، ويبلغ متوسط ارتفاعها 12 متراً، ويبلغ متوسط سماكتها 2.5 متراً، وهي تحتوي 34 برج مراقبة و8 أبواب.
أبواب القدس السبعة المفتوحة أمام الزائرين:
يحتوي السور 11 باباً، منها 7 أبواب مفتوحة أمام زائري البلدة القديمة، وهي:
1- باب العمود
هو من أبواب القدس الرئيسية، وهو المنفذ الرئيس لها. يُعرف تاريخياً باسم "باب دمشق" و"باب النصر"، ويسميه الغربيون "باب ستيفن". يعود تاريخه إلى عهد السلطان العثماني سليمان القانوني الذي قام بتجديده وإعادة بنائه (1537-1538).
2- باب الساهرة
يُطلق عليه الغربيون اسم "باب هيرودوس" و"باب مدلين". يقع في الجانب الشمالي من سور القدس. أُعيد إعماره في عهد السلطان سليمان القانوني أيضاً (1537-1538).
3 ـ باب الأسباط
يقع عند الحائط الشرقي. يعود تاريخه إلى عهد السلطان سليمان القانوني الذي تولى ترميمه (1538- 1539).
يُطلق عليه اسم "باب السباع"، كما يُطلق عليه أيضاً اسم "باب ستي مريم".
4- باب الخليل
يُطلق عليه الغربيون اسم "باب يافا". وفي القدس، كان يسمى "باب إبراهيم"، وهو يقع عند الحائط الغربي. أُعيد إعماره وتجديده في عهد السلطان سليمان القانوني (1538-1539).
5- باب النبي داوود
يُسميه الغربيون "باب صهيون". يقع عند الحائط الجنوبي. وقد جُدِّد في عهد السلطان سليمان القانوني عندما أعاد بناء سور مدينة القدس (1540-1541).
6- باب المغاربة
يقع هذا الباب عند الحائط الجنوبي لسور القدس، ويُسمّى أيضاً "الباب الصغير" لصغر حجمه نسبياً. كانت جنازات الموتى تخرج من هذا الباب، لتُدفن في جبل الزيتون.
وقد تمّت إعادة إعمار هذا الباب وتجديده في عهد السلطان العثماني سليمان القانوني (1540).
7- الباب الجديد
يسمى أيضاً "باب عبد الحميد"، لأن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني افتتحه في العام 1898. وقد تزامن افتتاحه مع زيارة الإمبراطور الألماني غليوم الثاني لمدينة القدس، وهو يُعد من أحدث أبواب القدس.
الأبواب المغلقة
إضافةً إلى هذه الأبواب السّبعة، هناك 4 أبواب مغلقة، أبرزها "الباب الذهبي" أو "باب الرحمة"، الذي يقع عند الجدار الشرقي للحرم الشريف. وقد بنته الإمبراطورة يوديسيا في القرن الخامس الميلادي.
يقال في بعض الروايات الإسلامية إنّ الصالحين يدخلون في يوم الحساب من جانبه الأيمن المسمى "باب الرحمة" أيضاً، بينما يدخل غير الصالحين من جانبه الأيسر المسمّى "باب الكفارة" أو "باب التوبة".
ما هي أشهر معالم القدس؟
لمدينة القدس رمزية تاريخية ودينية، تتمثل في عدد من المواقع الموجودة فيها، أبرزها ثلاثة:
1- المسجد الأقصى
هو أحد أكبر المساجد في العالم. يقع في مدينة القدس عاصمة فلسطين، وتحديداً في المدينة القديمة، وهو يشمل كلّ المعالم داخل سوره.
هو أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى الرسول محمد، كما أن الرسول محمداً حُمل على ظهر البراق، في ليلة الإسراء والمعراج، من المسجد الحرام في مكة، إلى بيت المقدس في فلسطين.
يختلف المؤرخون حول تاريخ بناء المسجد الأقصى. وقد ورد في الأحاديث النبوية أنّ بناءه كان بعد بناء الكعبة بأربعين عاماً.
الثابت والمعروف أنّ اليبوسيين بنوا جداره الجنوبي في العام 3000 قبل الميلاد. أمّا قبل ذلك، فلا توجد أخبار عنه.
2- كنيسة القيامة
بُنيت الكنيسة فوق صخرة الجلجلة، حيثُ صُلب السيد المسيح، بحسب الإنجيل المقدس، وهي تقع داخل أسوار البلدة القديمة في القدس.
تحتوي، وفق معتقدات الكنائس السابقة للانشقاق البروتستانتي، على القبر المقدس الذي دُفن فيه يسوع المسيح. ويتولى الإشراف عليها ممثلون عن عدّة مذاهب مسيحية. سميت بـ"كنيسة القيامة" نسبة إلى قيامة السيد المسيح من بين الأموات بعد صلبه.
بدأ بناء الكنيسة في العصر البيزنطي بمبادرة من هيلانة، والدة الإمبراطور قسطنطين، في القرن الرابع للميلاد.
تعرّضت لأضرار على مر التاريخ، بفعل الحروب والمعارك التي شهدتها المدينة، وأُعيد ترميمها وبناؤها عدة مرات.
في العام 1187، حرّر صلاح الدين الأيوبي القدس من الصليبيين، وعُهد إلى عائلة "جودة الحسيني" المسلمة الوصاية على مفاتيح الكنيسة، بموافقة رؤساء الطوائف المسيحية الـ6 ومباركتهم، بينما أوكلت مهمة فتح الأبواب وإغلاقها إلى عائلة "نسيبة" المسلمة أيضاً، ليمنع أي سلطان متزمت قد يأتي بعده من هدم الكنائس أو التضييق على المسيحيين.
تم اختيار عائلة "جودة الحسيني" للقيام بهذه المهمة، لأنها متحدرة من نسل النبي محمد. وكانوا في زمن صلاح الدين من شيوخ المسجد الأقصى.
حائط البراق
هو الجدار الغربي للمسجد الأقصى في القدس المحتلة. أخذ تسميته من "البراق" الذي حمل الرسول محمداً في ليلة الإسراء والمعراج. يعتبر الحائط جزءاً من سور المسجد، ويجاوره مباشرة باب المغاربة.
يطلق اليهود على حائط البراق اسم "حائط المبكى"، لأن صلواتهم عنده تأخذ شكل البكاء والنواح، بحسب زعمهم.
تدحض الوثائق التاريخيّة الموجودة بحوزة الفلسطينيين المقدسيين ادّعاءات اليهود بأحقيتهم بحائط البراق. وقد ظلّ الحائط منذ الفتح الإسلامي وقفاً إسلامياً، وهو حق خالص للمسلمين، وليس فيه أي حجر يعود إلى عهد الملك سليمان، كما يدعي اليهود.
يقول المقدسيون إنّ الممر الموجود عند الحائط ليس طريقاً عاماً، بل أنشئ لمرور سكان محلة المغاربة وغيرهم من المسلمين خلال ذهابهم إلى مسجد البراق والحرم الشريف. وقد سُمح لليهود بالمرور فقط إلى الحائط، بمرسوم الوالي المصري على المنطقة، إبراهيم باشا، في العام 1840، وليس لأداء الصلوات.
مسجد البراق الأثري الموجود داخل المسجد #الأقصى المبارك. pic.twitter.com/VIKUeg2nmb
— صور فلسطين (@PalestinianPic) March 28, 2018
لم يتخذ اليهود حائط البراق مكاناً للعبادة إلا بعد صدور وعد "بلفور" البريطاني في العام 1917، ولم يكن هذا الحائط جزءاً من "الهيكل اليهودي" المزعوم.
يؤكد ذلك اعتراف بريطانيا الصريح، الدولة المنتدبة على فلسطين آنذاك، في كتابها الأبيض الذي صدر في تشرين الثاني/نوفمبر من العام 1928، بأن الحائط الغربي والمنطقة المجاورة له ملك للمسلمين.
عام 1929 وتحديداً في 23 آب/أغسطس اندلعت اشتباكات بين العرب والمستوطنين على الأحقية في حائط البراق، سميت هذه الأحداث بثورة البراق التي اضطرت سلطة الانتداب البريطاني على الاستعانة بقوات بريطانية من مصر من أجل وقفها.
بعد ثورة البراق، تمّ تأسيس جمعية حراسة المسجد الأقصى، وتشكيل لجنة دولية للفصل في قضية "حائط البراق". وقد أكدت الجمعية في تقريرها الذي قدمته لعصبة الأمم في العام 1930 أن "ملكية الحائط الغربي تعود إلى المسلمين وحدهم، ولهم الحق العيني فيه، لكونه يؤلف جزءاً لا يتجزأ من ساحة الحرم الشريف التي تعد من أملاك الوقف الإسلامي. وتعود للمسلمين أيضاً ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط، وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة، لكونه وقفاً، بحسب أحكام الشرع الإسلامي".
قلعة القدس
تقع قلعة القدس في الجهة الشمالية الغربية للبلدة القديمة داخل باب الخليل، وتعتبر من أهم معالم مدينة القدس. يطلق عليها اسم "القلعة" أو قلعة "باب الخليل". ويصرّ اليهود على تسميتها قلعة "داوود". حوَّل الاحتلال الإسرائيلي هذه القلعة إلى متحف أسماه "متحف قلعة داوود لتاريخ القدس"، حيث يتم الترويج لتاريخ المدينة المقدسة من وجهة نظر إسرائيلية.
تعتبر القلعة نقطة التقاء بين بلدة القدس القديمة والمدينة الحديثة التي تمددت خارج الأسوار. يعتبر الملك هيرودس مؤسس القلعة الفعلي. أما أبرز معالمها، فهي مئذنة مسجد القلعة التي أضيفت في زمن السلطان سليمان القانوني، وتحديداً في العام 1531.
حيّ الشيخ جرّاح
اشتهر حيّ "الشيخ جراح" بعد أن تصدّر الأخبار والعناوين قبيل انطلاق عملية "سيف القدس"، رداً على الاعتداءات الإسرائيلية على المصلين في المسجد الأقصى، ومحاولات إخلاء منازل الفلسطينيين في الحيّ المقدسي العريق.
يقع حي الشيخ جراح في مدينة القدس الشرقية المحتلة. تقع فيه "الزاوية الجراحية" التي تحمل اسم الأمير الأيوبي حسام الدين الجرّاحي الذي دُفن فيها. وكان طبيباً ومفسراً وشيخاً ومجاهداً. ولاحقاً، نُسب الحي بأكمله إليه، وأطلق عليه اسم الشيخ جرّاح.
تجدَّدت هجمات المستوطنين اليهود على الحيّ، متسلحين بادعاءات باطلة حول أحقيتهم بتلك المنازل، لكن الهدف من وراء هجمات المستوطنين على هذه المنطقة بالذات، هو موقعها الاستراتيجي الذي يربط غربي القدس بشرقها.
لا تزال العائلات الفلسطينية في حيّ الشيخ جراح في القدس المحتلة تعيش تحت خطر الترحيل، وتقاوم الاحتلال الإسرائيلي والاستيطان اليهودي بشتى الطرق للبقاء في بيوتها.
أسماء القدس عبر التاريخ
بلغت أسماء القدس عبر التاريخ نحو 30 اسماً، فما هي؟
- حصن يبوس: نسبة إلى اليبوسيين.
- يبوس: نسبة إلى اليبوسيين.
- أورسالم: الإله الكنعاني، ومعناه السلام..
- ساليم: اسم كنعاني يعني السلام.
- مدينة داوود: نسبة إلى النبي داوود.
- مدينة الله.
صور توثيقية من القدس قبل الاحتلال الأسرائيلي :
— أرض الذكريات (@Awter9) June 23, 2020
1- القدس سنة 1935 م
2 &3 - حارة النصارى في القدس سنة 1921 م
4 - باب الخليل في القدس pic.twitter.com/Ee2lqstyre
- شليم: شاع هذا الاسم في عهد السيد المسيح، وورد ذكره في الإنجيل.
- ياروشالم: ورد في الكتابات الكنعانية القديمة.
- جيروزالم: اسم إفرنجي، وهو تحريف للاسم الكنعاني "ياروشالم".
- يا بيتي: سُميت بهذا الاسم لدى الفراعنة، وهو تحريف للاسم الكنعاني. وقد كان شائعاً باللغة المصرية واللغة الهيروغليفية آنذاك.
- إيليا كبيتولينا: الاسم الأول للإمبراطور الروماني هدريان في العام 135، عندما كانت خاضعة للاحتلال الروماني.
- بيت المقدس.
- القدس الشريف.
وهناك العديد من الأسماء التي عُرفت بها مدينة القدس قبل العصر الحالي، مثل: إيفن، ومدينة الأنهار، ومدينة الوديان، ويهوستك، ونورمستك، ونور السلام، ونور الغسق، ويارة، وكيلة، وإريانه، وجبستي، وأوفل، وميلو، وأكرى، وأنتوخيا.