"في حمى العشيرة".. وثائقي يروي واقع عشائر بعلبك-الهرمل بلسان أهلها

يقدّم وثائقي "في حمى العشيرة" مطالعة شاملة لواقع العشائر في محافظة بعلبك-الهرمل، ويتحرى عما تبقى من "العشائرية" وعلاقتها بالدولة.

  • يضيء الوثائقي على الدور المهم الذي تضطلع به المرأة في العشائر وتمتعها بنوع من الاستقلالية

لا زالت المسألة العشائرية تحظى بوجود بارز في مختلف الدول العربية، فرغم توسّع الحياة المدينية واختفاء ملامح أنماط العيش الماضية حافظت العشائر على هياكلها وأثبتت قدرتها على التكيّف مع المتغيرات والاستمرار بالمشاركة في تحديد واقع الحياة العامة بهذه الدول والمجتمعات.

لا يبدو المشهد استثنائياً في لبنان، ففي محافظة بعلبك-الهرمل، فضلاً عن مناطق أخرى، يمكن ملاحظة نشاط العشائر المستمر في صناعة تاريخ هذه المنطقة وتحديد انتماءات أبنائها، فهي إذ تعود إلى مئات من السنين خلت تظلّ اليوم حاضرة في مختلف جوانب حياة السكان هناك وتؤثر على نمط معاشهم وأنشطتهم السياسية والاقتصادية. 

يقارب وثائقي الميادين "في حمى العشيرة"، والذي يبثّ الساعة التاسعة من مساء اليوم الأحد، مفهوم العشيرة ومعناها في شمال لبنان والأثر الذي تتركه على أبنائها، خاصةً بما يتعلق بالقيم التي يتربون عليها ويحفظونها لتكون استمراراً وامتداداً لعشيرتهم المتجددة جيلاً بعد جيل. 

ويوضح الوثائقي (إعداد وإخراج عمر كايد) كيف تساهم العشائر باحتضان المنتمين إليها وتعزيز قيم الكرم والشجاعة ومساعدة الضعيف فيهم، وقدرتها على تقديم نموذج من الرعاية الاجتماعية الأولية، خاصةً مع تراجع دور الدولة في رفع الحرمان عن هذه المناطق بل وغيرها من الأطراف اللبنانية التي تعاني من سوء الخدمات الحكومية.

كما ويبرز التحولات التي حدثت بشأن الثأر العائلي، حيث تبدلت الأمور من قتل واحد من أقرباء القاتل إلى قتل القاتل نفسه أو حتى العفو عنه ضمن مصالحات شعبية يقودها شيوخ العشائر ورجال الدين ووجهاء المنطقة وأحزابها.

ولمّا كانت العشائر قادرة على إدارة شؤونها والتفاوض لإبعاد المشاكل والتوترات عن ساحتها، فقد استطاعت أن تتجنب الحرب الأهلية المندلعة في لبنان، وأمّنت بالتزامها بوصية السيد موسى الصدر الداعية إلى الابتعاد عن أي خلاف بين المسيحيين والمسلمين مناخاً يحافظ على العيش المشترك والتآلف المجتمعي، وهذا ما يوضحه الوثائقي. 

 وبخلاف ما تفترضه المعرفة الشائع باضطهاد العشائر للمرأة، يضيء الوثائقي على الدور المهم الذي تضطلع به المرأة في العشائر وتمتعها بنوع من الاستقلالية والقدرة على اختيار ما تريد ومواجهة مصيرها بنفسها.

العشائر التي تؤمن بضرورة تحقيق القوة الذاتية وحماية الضعيف ساهمت خلال العقود الأخيرة بفاعلية، وفق ما يشرح الوثائقي، بدعم حركات المقاومة ضد "إسرائيل" ولاحقاً ضد الإرهاب، مقدّمة في سبيل ذلك الشهداء والمال.

يشير الوثائقي في الختام إلى التحوّلات التي أصابت العشائر وتراجع سلطتها، ويتساءل عما تبقى من دورها وعن أسباب انهيار منظومة السيطرة داخل العشيرة، وموقف العشائر من الدولة والتعديات الأمنية.

يقدّم "في حمى العشيرة" معالجة متنوعة الأبعاد للعشيرة في بعلبك-الهرمل، وذلك بلسان أبناء العشائر من زعماء وشيوخ ورائدين في مجال الصحافة والفن، وذلك بهدف فهم واقعها الموضوعي "بعيداً عن التحيزات الإعلامية التي تصوّر هذه المنطقة بصورة سلبية غالباً"، مضيفاً أن الميادين استطاعت من خلال الوثائقي "الدخول إلى قلوب هذه العشائر، والتعرف عن قرب على عاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم".