العقوبات الأوروبية: ضغط سعودي متواصل على سعد الحريري
تؤدي فرنسا الدور الرئيسي في تسويق "نظام العقوبات على لبنان"، وأوعزت الخارجية الفرنسية إلى سفاراتها، في جميع دول الاتحاد، فعل كلّ ما يلزم لإقناع الدول بتأييد المسعى الفرنسي.
-
الرئيس المكلّف سعد الحريري في بعبدا - 22 تشرين الأول/أكتوبر 2020 (أ ف ب).
سبق زيارةَ ممثّل السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، للبنان، وتبعها كثيرٌ من المعلومات الدبلوماسية بشأن ما يُحضّر أوروبياً للبنان. وتوزّعت على 6 نقاط رئيسية:
1. في الولايات المتحدة الأميركية، يوجد تراكم قوانين يسمح بتنفيذ التهديدات السياسية بتوزيع العقوبات حيثما تشاء الإدارة الأميركية، وكيفما تشاء، بالجملة والمفرَّق. أمّا في الاتحاد الأوروبيّ، فلا توجد قوانين تسمح بتسطير المحاضر على هوى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم، وربما غيره غداً. لذلك، تشير المعلومات الدبلوماسية إلى أن الضغط الفرنسي يتركَّز اليوم على تشريع "نظام عقوبات على لبنان"، كمرحلة أولى.
وبموجب نظام العقوبات هذا، يصار إلى معاقبة السياسيين اللبنانيين، في المرحلة الثانية، مع العلم بأنَّه في المرحلتين الأولى والثانية، لا بدَّ من تأمين إجماع الدول الأعضاء في الاتحاد. وهذا الإجماع قد لا يكون صعباً في المرحلة الأولى، لكنه سيكون شديد الصعوبة في المرحلة الثانية، مع وجود أكثر من موقف أوروبيّ معلَن لرفض الاستهداف الأوروبي فريقاً سياسيّاً لبنانيّاً لمصلحة فريق سياسي آخر، كما يريد ماكرون.
2. في نظام العقوبات المزمَع إقراره، لا يمكن استحداث باب عنوانه "عدم الرغبة في المشاركة في الحكومة"، أو "وضع شروط للمشاركة في الحكومة"، لأنَّه يحدث في كل دول العالم، بما فيها عدة دول أوروبية، وهو ما لا يمكن تأمين إجماع أوروبي بشأنه، لكونه يشكل تدخلاً "استعمارياً" في شؤون الدول الأخرى، بينما هناك عناوين أخرى يمكن أن تلقى قبولاً أكبر، مثل تأخير مسارات الإصلاح:
أ. عدم عرض "إصلاحات سيدر" وعدم إقرارها.
ب. "مواصلة طمر النفايات"، على الرغم من كل استثمارات الاتحاد الأوروبي في معامل فرز النفايات.
ج. عدم تشغيل محطات تكرير الصرف الصحي، على الرغم من استثمارات الاتحاد الأوروبي في هذا القطاع أيضاً.
د. عدم تقديم مصرف لبنان المستنداتِ اللازمةَ للشروع في التدقيق الجنائي.
هـ. التدقيق في عقود شراء الطائرات التي وقَّعتها شركة طيران الشرق الأوسط مع الشركات الفرنسية.
الجدير ذكره هنا أنَّ بعض قوانين الاتحاد الأوروبي، المَرعيّة الإجراء، تسمح بفتح عدة ملفات مماثلة لما سبق ذكره، وهو ما قصده رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون بتأكيده لضيفه الأوروبي (بوريل) أنَّ الاتحاد الأوروبي قادر على مساعدة اللبنانيين في حال طبَّق قوانينه، بعيداً عن السياسة. لكنَّ الواضح أن هذه التهم الخاصة بمكافحة الفساد لا تلائم الأجندة الفرنسية، التي تشاهد منذ عقود "أصدقاء فرنسا"، من السياسيين اللبنانيين، يسرحون ويمرحون مع شركائهم الفرنسيين، بغطاء كامل من الدوائر الضريبية الفرنسية، التي لم تسألهم يوماً: من أين لهم هذا كله! والمؤكَّد هنا أن نظام العقوبات الخاص بالفساد لا يكفي الفرنسيين، لكونه ينال من أصدقائهم حصراً، وهم يحتاجون إلى نظام عقوبات سياسيّ للوصول إلى خصوم أصدقائهم.
3. تؤدي فرنسا الدور الرئيسي في تسويق "نظام العقوبات على لبنان". وأوعزت الخارجية الفرنسية إلى سفاراتها في جميع دول الاتحاد في فعل كلّ ما يلزم لإقناع الدول بتأييد المسعى الفرنسي. ويسجَّل، في هذا المستوى، وجودُ رضاً ألماني وتناغم مع الفرنسيين، في مقابل تردّد من جانب اليونان وقبرص وتشيكيا وإيطاليا وبولندا وهنغاريا. وفي ظلِّ حقّ الفيتو، فإن لكل واحدة من هذه الدول شأناً كبيراً.
4. يؤكّد الدبوماسيون الفرنسيون أنَّ العقوبات ستكون شاملة، من دون تمييز بين الأطراف، لكنْ، مرة أخرى، يبدو ذلك مجرد شعارات، لأنَّ الشموليّة ممكنة في حال كانت العقوبات سياسية. أمّا في حال كانت ترتبط بملفات فساد وتحويل أموال، فإنَّ الشمولية تصبح مستحيلة، لأنَّ "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" لا يحوّلان الأموال إلى أوروبا أو غيرها بحكم العقوبات الأميركية، ولا يتملَّكان الشقق في أحياء باريس الفخمة والقصور واليخوت في موناكو وغيرها، مع التذكير دائماً بأنَّ العقوبات الأميركية على رئيس "التيار الوطني الحر"، جبران باسيل رفعت السرية عن جميع حساباته وتحويلاته وأملاكه في كلّ أنحاء العالم، وليس في لبنان فحسب، ومنعت المصارف حول العالم من إبقاء أيّ حساب مالي له.
وبالتالي، إنَّ العقوبات الأوروبية لن تؤثر في باسيل، في أيّ صغيرة أو كبيرة، بعكس أصدقاء الفرنسيين المهدَّدين بالعقوبات. كما أن الفرنسيين لا يمكنهم تهديد باسيل أو ترغيبه، لأنه معاقَب أميركياً، بينما التهديد والوعيد الجاريان يُرعبان أصدقاء باريس المفترَضين، مع العلم بأن العلاقات الفرنسية - السعودية أكثر من وطيدة، ويمكن أن يكون التهديد الفرنسيّ بالعقوبات نتيجةَ تنسيق فرنسيّ - سعوديّ، هدفه الأول والأخير: سعد الحريري.
5. في التّسريبات الدبلوماسيّة، ثمة حديث متكرّر عن أنَّ العقوبات تشمل قيادات الصف الأول، ورؤساء المصارف اللبنانية، ومجتمع رجال الأعمال. لكن، مرة أخرى، يبدو هذا الأمر مستبعَداً وغير منطقي، لأنَّ رؤساء المصارف ومجتمع رجال الأعمال، ليسوا، في أغلبيتهم، سوى مجموعة أصدقاء للولايات المتحدة، وشركاء تاريخيين للشركات الفرنسية، حتى إنَّ عمر احتكاراتهم من عمر الانتداب الفرنسي. وأيّ فتح لملفات هؤلاء سيؤدي إلى خضّة أوروبية، بحكم شراكاتهم الأوروبية الكثيرة، من الدواء، إلى المواد الغذائية، إلى شركات السيارات والنفط، في ظلِّ استصعاب المصادر الدبلوماسية أن تتمكَّن فرنسا من تقديم أيّ أدلة، ما دام القضاء الفرنسي لم يُعِدّ أيّ ملفات بعدُ، وهو ما يفسح المجال أمام اعتراض هؤلاء بسرعة لدى محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي.
6. المشكلة في نظام العقوبات، بحسب المصادر الدبلوماسية، تكمن في أنَّها مفتوحة، من دون سقف زمني، إذ لا يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يضع برنامج عقوبات ويُزيله في اليوم التالي. والواضح، في المداولات الدبلوماسية، أنَّ التهويل بالعقوبات يؤثّر سلباً في الشركات الأوروبية التي تجد مَن يحثّها على الاستثمار في لبنان (وخصوصاً في المرفأ) لاستعادة بعض مما خسره الأوروبيون في الشرق، ثم تسمع وتقرأ عن العقوبات التي يمكن أن تُلحق ضرراً هائلاً بها، بحيث لا يمكن التفكير في أي استثمار أوروبي، من دون الخشية من خيط رفيع ما، يربط المستثمر الأجنبي بأحد رجال الأعمال أو السياسيين أو الإداريين، الَّذين يمكن أن تشملهم العقوبات.
في الخلاصة، تتحدَّث الدبلوماسية الفرنسية، في أروقة الاتحاد الأوروبيّ، عن قدرة هذه العقوبات على تشكيل "تأثير رادع". لكنْ، حين يستفسر أيّ دبلوماسي أو صحافي عن شكل هذا الرادع، تغيب الأجوبة الفرنسية المقنعة، وخصوصاً أن تجربة الولايات المتحدة (والاتحاد الأوروبي) مع العقوبات لم تحقّق يوماً النتائج الإيجابية المنتظَرة، بل ذهبت الأمور نحو الأسوأ، حتى اضطر الأميركيون (والأوروبيون) إلى الانعطاف نحو محادثات مضنية لرفع العقوبات.
في المشهد اللبنانيّ، يبدو واضحاً، في تجربة "حزب الله"، أنَّ العقوبات لم تَزده إلاّ قوة، وكذلك الحصار الاقتصادي الَّذي ألحق ضرراً هائلاً بكل المنظومة المؤيِّدة للأميركيين والأوروبيين في لبنان، بينما كان ضرره أقلَّ كثيراً بالنسبة إليه، بحيث لا مصارف، ولا شركات احتكار، ولا قنوات اقتصادية تقليدية، مع الإشارة أخيراً إلى أنَّ أثر العقوبات معنويٌّ بالنسبة إلى من لا يحمل جواز سفر أوروبيّاً، ولا يملك حسابات مصرفية أو أملاكاً، بحيث ستشمل العقوبات منعه من دخول أوروبا. وفي المقابل، تكون العقوبات أكثر من معنوية، سواء لمن يحمل جواز سفر أوروبياً، أو من يملك حسابات مصرفية، أو أملاكاً في أوروبا.
بوضوح أكبر، في حالة جبران باسيل، ستكون العقوبات "وعكة" معنوية من دون آثار جانبيّة أو طويلة الأمد، ولا تقارَن، في أيّ شكل من حيث الحجم المعنوي، بالعقوبات الأميركية، ولن تزيده بالتالي إلا تمسكاً بمواقفه من تشكيل الحكومة، مع تشجيع هائل له على إدارة الظهر نهائياً للغرب، وحسم الانفتاح بصورة كاملة على الشرق.
أمّا في حالة سعد الحريري، فإنها نكبة فيما يخصّ صورته كرجل العلاقات الدولية، ونكسة مالية ستفتح الباب أمام دوائر الضريبة الأوروبية لمساءلته عن كل ما تملَّكه أو ورثه في أوروبا، وكذلك الأمر مع أشقائه وشقيقاته، وهو ما يعني ضغطاً مجانيّاً هائلاً من حلفاء الحريري الدوليين عليه. لماذا؟ اسألوا السعودية. النائب وليد جنبلاط يقول علانيةً، في مقابلاته التلفزيونية، إنَّ وليّ العهد السّعودي، محمداً بن سلمان، لا يريد سعد الحريري رئيساً للحكومة اللبنانية.