سمير القنطار شهيداً.. وهنا كان الوداع الأخير

وحيث أراد سمير القنطار أن يكون، كان، هنا في ضاحية بيروت الجنوبية وبالتحديد في روضة الشهيدين، قرب رفاق الدرب والسلاح، وآلاف المشيعين أقسموا على الوفاء لمسيرة الشهيد.

من تشييع الشهيد سمير القنطار في الضاحية الجنوبية لبيروت
لم يترك سمير القنطار درباً يوصله إلى فلسطين إلا وسلكه، من الأردن إلى لبنان، فسوريا، ترك الرجل ورائه كل متع الحياة وبهجتها، وهو شاب في ريعان الشباب، ووهب حياته لفلسطين.

ترجل سمير عن صهوة المقاومة، وأسند رأسه إلى تراب الأرض التي عشقها، جوار رفقة الدم والسلاح، تمنى الشهادة على حدود فلسطين، فنالها على أرض دمشق وهو يبني مقاومة لتحرير سوريا وفلسطين.

في روضة الشهيدين، وقبل دقائق من وصول نعش الشهيد، صوره تملأ كل مكان، وملامح وجهه القوية تطغى على كل الوجوه التي أتت لتوديع المقاوم الذي عرفوه أسيراً، ثم محرراً، ثم شهيداً..

إخوة السلاح والقضية يرفعون النعش على الأكتاف، ويشقون طريقهم وسط مئات الأيادي التي تمتد لملامسة النعش، في محاولة لإلقاء الوداع الأخير، ونسوةٌ متشحاتٌ بالسواد ينثرن من بعيد الورد عليه، وكل واحدة ترى به ابنها أو أخيها..

لا حزن هنا، بل وقفة عز واحترام أمام كم التضحية والفداء، أمام كم الوفاء للقضية، قضيةٌ لا تنفصل عند القنطار، سواء كان الطريق إليها من جنوب لبنان أو من القنيطرة، فالعدو واحد، والبوصلة لا تخطئ.

لا حزن هنا، بل دموع أمل بشهداء يرسمون بدمائهم خارطة المواجهة القادمة مع إسرائيل، لا حزن، بل هتافات نصر ووعد باستكمال المسيرة.

عبثاً يحاول أحد المتحدثين الطلب من المشيعين الابتعاد عن النعش ليقوم رفاق السلاح بتأدية القسم أمام الشهيد، يأبى الناس إلا أن يقسموا أيضاً، فترتفع أيديهم وتصدح حناجرهم بالقسم.. إن المسيرة مستمرة..

وفي التشييع كلمة حزب الله تؤكد على أن دم القنطار لم يكن رخيصاً، ولن يمر اغتياله دون رد، وبعد التشييع صلاة على الجثمان، ليتهادى سمير على الأكف إلى مثواه الأخير، وإلى حيث أراد أن يكون، بجوار تلك الأجساد التي سقطت لتعيده من أسره، وتكمل درباً بدءه قبل 30 عاماً.

كلمات القنطار حاضرة في تشييعه، هو من قال إن المقاومة في القنيطرة السورية أصبحت ذات بنية وقوام، وأنها لن تتأثر باغتيال أي من القادة وهو أولهم، هو من قال يوم تحريره "خرجت من فلسطين لأعود إليها"، وهو اليوم يعود إليها من بوابة الشهادة، بعد أن أمضى على أرضها 24 عاماً وهو أسير، سكنته فلسطين، حتى أصبحت كله، وسكنته المعركة مع العدو الإسرائيلي، فلم يدخر وقتاً أو جهداً في مهاجمته، وحتى عندما احتوته الزنزانة الإسرائيلية، كان أسيراً مقاوماً، وانتزع من سجانه حقوقه كلها.

رحل سمير القنطار جسداً, لكنه سيبقى مناراً لأجيال مقاومة تكمل المسيرة، وتحقق حلمه بتحرير الأرض من المحتل..

رفاق السلاح يحملون نعش القنطار على أكتافهم

اخترنا لك