رسام مسيحي يصور التآخي مع المسلمين في غزة
فنّان من غزة يرسم لوحات تعكس معاناة الفلسطينيين عموماً والمسيحيين خصوصاً في فلسطين، وسط تقلص عدد أبناء هذه الطائفة الذين يتوجّهون للعيش في الضفة الغربية أو في الدول الأوروبية.
يقضي ناصر (57 عاماً) ساعات طويلة، وهو يرسم بطريقة الحرق على الخشب في غرفة صغيرة في منزله الملاصق لكنيسة القديس برفيريوس للروم الأرثوذكس، في قلب حارة الزيتون وسط مدينة غزة العتيقة.
وتتوزّع نحو خمسين لوحة بأحجام مختلفة على جدران الغرفة التي تحتوي على بيانو قديم وآلة أكورديون.
"هذه اللوحة سأقدمها إلى راعي الكنيسة"، يقول الجلدة وهو يواصل في صدر الغرفة الصغيرة رسم لوحة جديدة وضعها على حامل خشبي، لمئذنة مسجد "كاتب الولاية"، بجانب جرس كنيسة القديس برفيريوس التي بُنيت في مطلع القرن الرابع الميلادي، ويفصل بينهما جدار مشترك من الحجر الجيري والرخام.
ويضيف الفنان الفلسطيني أنّ "هذا المكان الوحيد في العالم حيث يشترك مسجد وكنيسة بحائط واحد، كدليل على التعايش والتآخي الممتد بين المسلمين والمسيحيين في هذا البلد".
ويتابع الرجل الذي تختزل لوحاته أوضاع الطائفة والصعوبات التي يواجهها الناس في القطاع، "أنا لا أبيع لوحاتي، وإنّما أقدّمها هدايا للأقارب والأصدقاء, لوحات هدايا الزواج تحمل الفرح والبشرى".
ويعرب الجلدة عن شعوره بالحرية عندما يرسم، قائلاً "أحسّ إنني كالطائر في الهواء وانا أعبر عمّا في داخلي وأتغلّب على كل المشاكل والصعوبات، بدءاً بأزمة الكهرباء والإغلاق والفقر. أنساها تماماً وأنا أرسم".
وتقول زوجته رينيه عودة إن بعض لوحاته "تعبر عن الطائفة والديانة المسيحية، وبعضها عن التعايش مع إخوتنا المسلمين، حيث يرسم الآيات القرانية ويقدّمها هدايا للأصدقاء". وتضيف بأسف إنّه "لم تعد المحبّة اليوم منتشرة كالسابق بين الناس. قبل الإنقسام والحصار كان العيد حلواً، أما اليوم فلا طعم للعيد". وتتابع "الوضع الاقتصادي سيّء وصعب. كنا نزيّن شجرة كبيرة بأشياء حلوة ونضعها على باب المنزل. أما الآن فلا نشتري أي شيء لأن الوضع الاقتصادي سيء".
واقتصرت تحضيرات العائلة كغالبية العائلات المسيحية القليلة في غزّة، على تزيين شجرة صغيرة داخل المنزل.
وقبل تشديد إسرائيل الحصار على القطاع قبل عشر سنوات، كان عدد المسيحيين نحو خمسة آلاف وخمسمائة، أما اليوم، فهم أقلّ من ثلاثة آلاف وفق مصدر في الكنيسة.
ودفعت الظروف المعيشية القاسية مئات الشبّان المسيحيين إلى مغادرة غزة للعيش في الضفة الغربية أو في دول أوروبية. وتقول ديانا الجلدة (20عاماً) إنها حزينة لأن بعض صديقاتها غادرْن غزّة مع أسَرِهنّ إلى الضفة أو الخارج. وتضيف الطالبة الجامعيّة في كلّية إدارة الاعمال، إنه "ممنوع أن نحتفل في الشارع. احتفالات عيد الميلاد فقط في البيت أو في الكنيسة".
ومنذ 2008، اختفت شجرة عيد الميلاد الضخمة التي كانت تقيمها بلدية غزة في ميدان الجندي المجهول في غرب المدينة.
ويقول مسؤول أمني في شرطة حماس لــ "فرانس برس"، إن "الشرطة تسمح بإقامة الاحتفالات بأعياد الميلاد ورأس السنة داخل قاعات مغلقة، حفاظاً على تقاليد وقيم المجتمع".
ويسكن غالبيّة المسيحيين في حارة الزيتون في البلدة القديمة، ويعمل العديد منهم في التجارة، خصوصاً تجارة الذهب، لكن غالبية مسيحيي غزة من العائلات متوسطة الحال.
وهذه السنة، منح الاحتلال 664 إذناً لمسيحيين من غزة للمشاركة في احتفالات أعياد الميلاد في مدينة بيت لحم، على ما ذكر محمد المقادمة، المسؤول في وزارة الشؤون المدنية، لوكالة"فرانس برس".
وقالت ديانا إن "الاحتلال لا يمنح الشباب المسيحيين تصاريح لزيارة بيت لحم للاحتفال هناك، بحجّة أنهم يخافون من أن نهاجر الى الضفة".
ويقول الأب مانويل مسلم راعي الكنيسة الكاثوليكية السابق في غزة للوكالة إن "المسيحي والمسلم يعيشون معاً على أرض فلسطين، فهم شعب واحد وتاريخ واحد ونضال مشترك".
وبمشاركة نائب بطريرك الرّوم الأرثوذوكس القادم من القدس، أقامت طائفة اللاتين التي تسير وفق التقويم الغربي قدّاساً الأحد الماضي في كنيسة العائلة المقدّسة بغزة.
وقال الأب جبرائيل رومانيلي إن "زيارة نائب البطريرك لغزّة لها أثر إيجابي في نفوس المسيحيّين الذين لم تتح لهم فرصة السفر إلى بيت لحم، وهو صوتهم إلى العالم الخارجي".
ورغم كل الصعوبات، قالت هنادي ميساك المسؤولة في مدرسة راهبات الوردية إن "غزة واقعة تحت الحصار والفقر. نصلي لأجل أن تتحسن هذه الظروف الصعبة، كثير من الناس في الخارج يشعرون بآلامنا".
-
0 -
0 -
0