الطريق إلى فيينا - الجزء الثاني

من خلال الاستعراض والمقابلات التي عرضها الوثائقي يبدو واضحاً حجم الضغوطات التي مورست على طهران، أما الهدف فسياسي كما يروي علي باقري مساعد رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني في تلك الفترة والذي كان مشاركاً في العديد من هذه الجولات.

الطريق إلى فيينا: صالحي يكشف عن دور سلطنة عمان في المفاوضات النووية

يستذكر باقري اجتماعاً عقد في فيينا استمر لقرابة سبع ساعات
"من لا يستعمل وسائل الحرب السرية ويذهب مباشرة إلى حرب فعلية يكون مخطئاً" هذه هي قناعة أهارون زئيفي رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ومن خلفه قناعة إسرائيل. فتل أبيب التي لم تكتف في صراعها مع إيران بعرقلة المفاوضات النووية في أكثر من محطة مفصلية ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك. ليس الأمر من قبيل التكهنات أو التحليلات. ففي الجزء الثاني من وثائقي الطريق إلى فيينا على قناة الميادين اعتراف واضح من زئيفي بدور إسرائيل في اغتيال علماء إيران النوويين.


في شباط فبراير 2010 أنتجت إيران اليورانيوم المخصّب بنسبة 20% وبزمن قياسي، في حدث وقف العالم مذهولاً أمامه، وبذلك تمكنت طهران من تحويل التهديد إلى فرصة بعد أن تم تشديد العقوبات عليها. وراء هذا الإنجاز شخصان اسمهما مجيد شهرياري وفريدون عباسي. الأول اغتيل في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 2009 والثاني نجا من محاولة اغتيال في اليوم نفسه.

كان شهرياري تلميذ رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي. يروي الأخير في "الطريق إلى فيينا" كيف أنه كان يمكن لشهرياري أن يحصل على الملايين بل المليارات في مقابل هذا الإنجاز في وقت كان هو الوحيد القادر على حلّ المعادلات الصعبة، لكنه لم يفعل، معتبراً أنهم أرادوا من خلال اغتياله قتل المشروع من نطفته.

قتل شهرياري بعبوة لاصقة زرعت في باب سيارته. عبوة أخرى كانت مزروعة في سيارة فريدون عباسي الرئيس السابق للوكالة الإيرانية للطاقة الذرية. وإذا كتب لعباسي النجاة بعد انتباهه للعبوة إلا أن الفترة ما بين عامي 2010 و2012 شهدت اغتيال مسعود محمدي وداريوش رضائي نجاد ومصطفى أحمد روشن. يقول زئيفي "كل دولة في العالم في القرن الواحد والعشرين بحاجة لأن تكون قادرة على شن حرب سرية. وتحت هذا العنوان يمكن أن تدخل الكثير من الأمور" معتبراً أن من الحكمة أن "إسرائيل وأميركا قامتا بما قامتا به".


يقول غيدو شتاينباخ مدير المعهد الألماني لدراسات الشرق الأوسط إن الإسرائيليين اعتبروا أن هذه الطريقة ستمنع تطوير البرنامج النووي، فيما يشير مؤرخ المفاوضات النووية غاريث بورتر إلى تهديد من نوع آخر هو "الحرب السيبرية". هذه الحرب على المنشآت النووية افتتحت منذ 2009 بفيروس في منشأة نطنز. فيروس وفق صالحي "وصل إلى بعض الأجهزة ولكن جرى وقفه قبل إلحاق الضرر بها" مشيراً إلى أنهم "استثمروا في هذا الفيروس الكثير".

جزء من الجهد الإسرائيلي كان استخباراتياً بامتياز يروي عباسي تلقيه العديد من الاتصالات ومحاولة استدراجه في المعلومات لافتاً إلى أنه سئل في إحدى المرات عن شهرياري، مشيراً من جهة ثانية إلى سرقة حواسيب بعض الشخصيات المعنية والعلماء.


وثائقي "الطريق إلى فيينا" استكمل في جزئه الثاني المحطات التاريخية في المفاوضات النووية، كيف تحوّل التجاذب السياسي إلى تجاذب في الميدان في العراق في عهد الرئيس الأميركي جورج بوش وتهديد الأخير بالعمل العسكري ضد إيران، وتطور التكنولوجيا النووية في إيران في عهد الرئيس محمود أحمد نجاد وصولاً إلى التخصيب بنسبة 20%، إلى تحول المفاوضات من إيرانية أوروبية إلى مفاوضات طرفاها إيران ومجموعة الخمسة زائداً واحداً، وفي السياق جولات المفاوضات بدءاً من فيينا إلى المآتا 1 و2 إلى اسطنبول.
 
من خلال الاستعراض والمقابلات التي عرضها الوثائقي يبدو واضحاً حجم الضغوطات التي مورست على طهران، أما الهدف فسياسي كما يروي علي باقري مساعد رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني في تلك الفترة والذي كان مشاركاً في العديد من هذه الجولات. يستذكر باقري اجتماعاً عقد في فيينا استمر لقرابة سبع ساعات في ختامه قال أحد المسؤولين الغربيين للجانب الإيراني "ليست لدينا معكم مشكلة حقوقية أو قانونية، مشكلتنا معكم في النووي سياسية".

أسرار الوساطة العمانية

وجّه السلطان قابوس رسالة إلى خامنئي عن استعداد الأميركيين للتفاوض
في الجولة الثانية من مفاوضات اسطنبول تم استبدال الممثل الأميركي فحلّت ويندي شيرمان مكان وليم بيرنز. حملت شيرمان رسالة من الرئيس الأميركي إلى الجانب الإيراني أشبه بالخطوط العريضة للمفاوضات، وفق توصيف باقري الذي قال إن أوباما أكد في الرسالة اعتراف الأميركيين بحق إيران في الطاقة النووية السلمية في إطار معاهدة حظر انتشار الأسلحة الكيميائية.
علي أكبر صالحي الذي كان وزيراً للخارجية يروي أن البداية لم تكن هناك. كانت في مكان آخر، في العاصمة العمانية. يتحدث صالحي عن رسالة خطية وصلته فحواها أن الأميركيين "اقترحوا على سلطنة عمان استعدادهم للتفاوض مع إيران بشأن القضايا النووية".
 
أوفد صالحي مساعده حسن قشقاوي ورئيس شركة السفن الإيرانية إلى سلطنة عمان واتصل بهما العمانيون وأبلغوهم بالرغبة الأميركية. فكان الردّ الإيراني مشروطاً بمسألتين وفق صالحي، "التأكد أولاً من جديتهم وإقدام سلطنة عمان على إرسال رسالة رسمية بهذا الشأن". 

وجّه السلطان قابوس رسالة رسمية إلى المرشد علي خامنئي عن استعداد الأميركيين للتفاوض الجدي مع إيران. وكتب صالحي على ورقة لا يزال يحتفظ بها ووزعها على الإعلام "في حال وافق الأميركيون على شروطنا سنفكر حينها بالتفاوض الثنائي".
لمس صالحي جدية لدى الأميركيين فطلب من خامنئي السماح بهذا الطريق من خلال الوسيط العماني. وافق المرشد لكن بشرط أن يكون التفاوض حصراً حول النووي وألا تمتد المفاوضات. 

عقد اللقاء الأول على مستوى أقل من وزارة الخارجية تلبية لأحد الشروط الإيرانية. وهنا برز جون كيري، وزير الخارجية الأميركي الذي كان آنذاك سيناتوراً. بعد اللقاء عقد الأميركييون لقاء مع العمانيين. وكانت الحصيلة رسالة من السلطان قابوس إلى الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، قال فيها كما يكشف صالحي "إن الأميركيين عقدوا اجتماعين واستمر الاجتماع الثاني لأيام عدة ووافق الأميركيون على حقكم بالتخصيب".
 
ترجمت هذه الوساطة بجولتي مفاوضات في كازاخستان عرفتا بألمآتا 1 والمآتا 2 لكن هذه المفاوضات ما لبثت أن توقفت، إلى أن أتى صيف 2013 تاريخ انتخاب الرئيس الإيراني حسن روحاني حيث تحرك مجدداً خط الوساطة العمانية، واستلم الملّف دبلوماسياً وزير الخارجية الجديد محمد جواد ظريف.

هذا بعض مما يكشفه "الطريق إلى فيينا" من كواليس مفاوضات امتدت لأكثر من ثلاثة عقود بين الغرب وإيران، جولات النزال فيها جرت في أكثر من دولة وصولاً إلى آخر محطاتها في فيينا التي ربما بدت الطريق إليها معبّدة كلما أعلنت النوايا الحسنة إلا أن ذلك لم ولن يكفي فالطريق إلى جهنم كما يخلص الوثائقي معبّد بالنوايا الحسنة.  

* شاهد الطريق إلى فيينا - الجزء الأول

اخترنا لك