باحثون: القضاء على داعش في سوريا والعراق لن يؤثر على ولاياته الأخرى
باحثون في معهد واشنطن للدراسات يخلصون خلال ورشة عمل لهم عن بروز ما يسمّى "ولايات تنظيم الدولة الإسلامية" خارج سوريا والعراق، إلى أنّ تنظيم القاعدة يستعيد زخمه في وجه تنظيم داعش، وأنه حتى لو تمّ القضاء على الأخير في سوريا والعراق فإن الجهاد سيبقى ظاهرة عالمية.
توصل باحثون إلى أنّ تنظيم القاعدة استعاد زخمه في وجه داعش في الفترة الأخيرة. فمنذ بلوغ "تنظيم الدولة الإسلامية" أوج قوّته في العام 2014، خسر التنظيم ما يقارب نصف الأراضي التي سيطر عليها سابقاً في العراق و20% مما احتلّه في سوريا. وبالرغم من ذلك، وفي ظل المعارك الدائرة ضد التنظيم، وبالإضافة إلى التقدّم الواضح ضده في البلدين، شهدت الفترة الأخيرة تنامي التحركات ضد بعض ولايات التنظيم، كما وبرز بشكل خاص قلق كبير بشأن قدرة تنظيم "الدولة الإسلامية في ليبيا" على تكرار قوة التنظيم في المشرق العربي.
وجاءت هذه الخلاصة في ندوة لمجموعة من الباحثين والخبراء المتخصصين بشؤون داعش، ومسؤولين بارزين في الإدارة الأميركية، نظمها معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى لمناقشة بروز ما يسمّى بـ"ولايات تنظيم الدولة الإسلامية" ما بعد العراق وسوريا، التي أعلن عن إضافتها خارج معاقله في سوريا والعراق خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2014.
واستناداً إلى التدفق الكبير للجهاديين المتمرسين من سوريا والعراق، والنفاذ
إلى موارد كبيرة ووجود مساحات شاسعة غير خاضعة للسلطة. ونتيجةً لذلك، رزح تنظيم "الدولة
الإسلامية في ليبيا" تحت وطأة ضغوط عسكرية من قوى موالية لـ"حكومة
الوفاق الوطني". وبعدما خسر التنظيم درنة في أواخر عام 2015، تعرّض لهجوم في
معقله في مدينة سرت نفّذته كتائب تضمّ مقاتلين من مصراتة بشكل أساسي، الذين طردوا
مقاتلي التنظيم واستولوا على نقاط أساسية على طول أطراف المدينة.
ورزحت ولايات أخرى تحت وطأة الضغوط أيضاً. ففي مصر، واصل الجيش حملته ضد التنظيم في مدينة سيناء. وفي حوض "بحيرة تشاد"، خسرت جماعة "بوكو حرام" جزءاً مهماً من الأراضي التي تسيطر عليها نتيجة عمليات نفّذتها "قوة المهام المشتركة المتعددة الجنسيات". كما وظهرت خلافات إيديولوجية في صفوف قيادة ولايات التنظيم في اليمن وقوّضت الجهود الرامية لبناء دولة، كما أن ولايات السعودية والجزائر بقيت فقط حبراً على ورق ولم تشكل سوى تهديد إرهابي.
إنطلاقاً من هذه المعلومات ناقش المركز أهمية ولايات التنظيم الموجودة في مصر وليبيا واليمن ونيجيريا وتونس، مضيئاً على العلاقة التي تجمع بين هذه الجماعات ومعقل التنظيم في العراق وسوريا، وطريقة عملها في ما يخص المقاتلين الأجانب والقضايا المالية والإيديولوجيا، بالإضافة إلى طبيعة العلاقة التي تربطها بالسكان المحليين وحجم التأييد الشعبي الذي تحظى به.
وأشار الباحثون إلى أهمية الولايات الليبية الإستراتيجية بالنسبة لمشروع تنظيم داعش، الأمر الذي دفع به إلى إيفاد عناصر متمرسين للإشراف على تطورها. كما وتحدّث عن كيفية استغلال التنظيم بشكل فعال للخلافات بين الجماعات المحلية ليضمن عدم مواجهته معارضة موحدة وفرضه سيطرة إدارية بشكل سريع لإخضاع السكان المحليين.
أمّا في سيناء المصرية، فضمّ تنظيم داعش أتباعه المحليين الذين كانوا يعرَفون سابقاً باسم "أنصار بيت المقدس"، إلى قيادة عملياته في الخلافة، رغم عدم الحاجة إلى تواصل مستمر ضمن نموذج عمل تنظيم القاعدة. كما تطرّق إلى تطلّعات تنظيم داعش بالتوسّع إلى قلب مصر والصحراء الغربية، فضلاً عن روابط "ولاية سيناء" بتنظيم "الدولة الإسلامية في ليبيا".
وتمّ إلقاء الضوء على الروابط التاريخية بين الجهاديين التونسيين وشبكة الزرقاوي، التي هي سلف تنظيم القاعدة في العراق وبعده تنظيم داعش، لشرح وجود عدد كبير من المقاتلين الأجانب التونسيين في معاقل التنظيم وفي ليبيا، فضلاً عن تركيز تنظيم داعش على تنفيذ هجمات مروعة في تونس.
وبالرغم من اعتبار التنظيم لليمن جبهة أساسية، نظراً لموقعه في شبه الجزيرة العربية، فإن العنف الذي مارسه التنظيم ضد المدنيين، واستخدامه لقادة أحزاب سياسية غير يمنيين وتكتيكاته المتطرفة في الحرب قد تسبّب بانشقاق أنصاره في البلاد. وأشار الباحثون في المعهد إلى أن تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" هو الخطر الحقيقي في اليمن ويؤمنون أنه يتعيّن على صنّاع السياسة في الولايات المتحدة التركيز على استئصاله من هذه المنطقة بدلاً من تنظيم داعش في العراق وسوريا.
وفي ما يتعلّق بعمليات
ولايات تنظيم داعش، أشار الباحثون إلى أنّه باستثناء ولاية سرت،
كانت قدرة التنظيم على فرض سيطرته خارج العراق وسوريا محدودة للغاية. وباعتبار أن
كلاً من تنظيم داعش والمملكة العربية السعودية يزعمان أنهما "إسلاميان أصيلان"
وفقاً لتعاليم الوهابية، توصل الباحثون إلى أنّ التنظيم يشكّل خطراً إيديولوجياً
ومادياً على المملكة.
واعتبر الباحثون أن المعارك في العراق وسوريا تجذب المقاتلين الأجانب أكثر من القتال في الولايات، كما أنّ الولايات عجزت تماماً عن توفير الموارد وتلبية المصالح المحلية. وبالتالي من شأن إضعاف قيادة تنظيم داعش ومعاقله أن يضعف الولايات.