اليمن.. السباق إلى صنعاء وجيزان

تستمر المعارك داخل المدن اليمنية وفي المدن السعودية الحدودية بين "قوات التحالف العربي" والوحدات العسكرية الموالية للرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي من جهة وبين قوات الجيش اليمني واللجان الشعبية التابعة لجماعة أنصار الله من جهة أخرى، تتسم هذه المعارك بعدة خصائص تميزها عن اى نزاع عسكري حدث في اليمن أو حتى في المنطقة سابقاً سواء في التكتيكات المستخدمة أو في الخطط المتبعة من الجانبين لتحقيق أهدافهما المرحلية.

موازين القوي الميدانية في اليمن
قوات التحالف مدعومة بالطائرات الحربية تحاول دعم قواتها والقوات الحليفة لها على الأرض للتقدم في اتجاه غرب اليمن والسيطرة على العاصمة صنعاء لتحقيق الهدف العسكري الرئيسي الذي تم إنشاء التحالف من اجله، وقوات الجيش اليمني واللجان الشعبية تحاول منع تحقيق هذا الهدف وفي نفس الوقت الضغط على السعودية عن طريق عمليات خاطفة وناجحة في مناطق الحد الجنوبي "جيزان ونجران وعسير". وبالإضافة إلى الطرفين يتواجد عناصر من تنظيم "القاعدة" في عدة محافظات يمنية تشتبك مع قواتهما.

موازين القوي الميدانية

حالياً تسيطر قوات التحالف العربي والوحدات على محافظات حضرموت والمهرة ولحج وعدن بجانب محافظة أبين التي تمت السيطرة عليها مؤخراً بعد معارك مع عناصر تنظيم القاعدة، تسيطر هذه القوات جزئياً على محافظات شبوه ومأرب والجوف والضالع. أما قوات الجيش اليمني واللجان الشعبية  فتسيطر بشكل كامل على محافظات عمران وذمار والحديدة والمحويت بجانب سيطرة شبه كاملة على صنعاء وصعده وحجه والبيضاء وتعز وآب.

 

 القوات الموالية للتحالف تحاول تطويق المحافظات الغربية مع إعطاء أولوية لجبهة غرب مأرب "صرواح" لمحاولة زيادة المناطق المسيطر عليها في هذا النطاق لإتمام السيطرة على المحافظة ونقل السيطرة إلى محافظة صنعاء لدخول العاصمة، بالإضافة إلى هذه الجبهة تنشط جبهات فرعية في كل من تعز "محور الوازعية - الصلو – ذباب" في جنوب المحافظة، وهو المحور الذي تحاول القوات الموالية للتحالف من خلاله السيطرة على المحافظة والتوسع غرباً للسيطرة على ميناء المخا. أيضاً تشهد جبهة "كهبوب - كرش" في محافظة لحج محاولات مستمرة من قبل الجيش اليمني لمنع القوات الموالية للتحالف من إتمام سيطرتها على المحافظة، في محافظة الضالع تتركز الاشتباكات بين الجانبين في جبهة "دمت" في أقصى الشمال وتحاول أيضاً قوات الجيش اليمني منع القوات الموالية للتحالف من التقدم في هذا المحور لإتمام السيطرة على المحافظة.



في محافظة البيضاء التي يسيطر الجيش اليمني على اغلب مناطقها تتمركز الاشتباكات في جبهة "السواديه" وسط المحافظة وفي نطاق قرية "خبزه" في الشمال. في محافظة شبوه التي تسيطر القوات الموالية للتحالف على معظم مناطقها تتركز الاشتباكات غرباً في جبهة "عسيلان ".


 في مأرب تتركز الاشتباكات في أقصي الغرب "جبهة صرواح" بجانب مناطق في أقصى الجنوب وهذه الجبهة مضافاً إليها جبهة "نهم" أقصى شرق محافظة صنعاء تشهد الجزء الأكبر والأعنف من المعارك حيث تمكنت قوات الجيش اليمني حتى الآن من إجهاض محاولات الهجوم المتكررة في هذه النطاقات.



في محافظة الجوف الحدودية بأقصى الشمال تسيطر القوات الموالية للتحالف على الجزء الشرقي والأوسط من المحافظة، في حين أن المناطق الغربية تحت سيطرة قوات الجيش اليمني والاشتباكات تتركز في الجزء الغربي بشكل عام وتحديداً منطقة "صبرين" والحاضن ومديرية المصلوب التي تحاول من خلالها قوات الجيش اليمني التقدم إلى المنطقة الوسطى من المحافظة، تشهد محافظة حدودية أخرى وهي محافظة حجة اشتباكات بين الجانبين أقصى شمالها في نطاق مديرية ميدى لكن حتى الآن يحتفظ الجيش اليمني بالسيطرة شبه الكاملة على المحافظة.

 

انطلاقاً من محافظة صعدة الحدودية مع السعودية نفذت مفارز خاصة من الجيش اليمني تحركات داخل الأراضي السعودية على ثلاثة محاور المحور الرئيسي فيها هو في اتجاه مدينة نجران السعودية حيث تمكنت من السيطرة على كافة المواقع العسكرية الحدودية للجيش السعودي والتقدم حتى باتت على مشارفها مكونا خطا دفاعيا يمتد من سد نجران غرباً مروراً بمناطق نهوقة وسقم والمخلاف والفواز وظلم والشبكة وصولاً إلى موقع الشرفة المطل على المدينة، المحورين الآخرين أحداهما في اتجاه مدينة جيزان وتمت السيطرة فيه على عدد كبير من المواقع العسكرية السعودية من أهمها مواقع الخوبة وجلاح والمصفق بالإضافة إلى بضعة قرى منها قريتي القرن والدفينة، المحور الثالث كان في اتجاه مدينة عسير وسيطرت مفارز الجيش اليمني فيه على عدة مواقع عسكرية مثل الهنجر والحثيرة وأسعر وسهوة.

 

الاستراتيجيات والتكتيكات الميدانية

تعمل قوات التحالف العربي والقوى الحليفة لها بإستراتيجية ثابتة منذ بداية عمليات "عاصفة الحزم"، وهي إستراتيجية تعتمد بشكل أساسي على المجهود الجوي والمدفعي بجانب دعم الوحدات العسكرية الموالية بالدبابات وناقلات الجند لمحاولة تطويق المحافظات الجنوبية وعزل الروابط بينها ومن ثم استهداف العاصمة صنعاء وتأمين الحدود المشتركة بين اليمن والسعودية. لذلك يتركز المجهود الجوي للتحالف على تنفيذ أغارات جوية على صنعاء التي تتعرض لغارات شبه يومية منها الغارة المزدوجة التي تم فيها استهداف قاعة للعزاء وأستخدم فيها القنابل الموجهه بالليزر "Paveway IV"، بجانب استهداف مدن أخرى مثل صعدة وعمران وذمار واستهداف الموانئ التي يسيطر عليها الجيش اليمني مثل مينائي الحديدية والمخا. هذه الإستراتيجية أحرزت نجاحات محدودة في المناطق الجنوبية لليمن لكنها لم تحقق النجاح المطلوب في الجبهات التي تشهد حالياً الاشتباكات الرئيسية "مأرب - الجوف – الضالع – تعز".



بالنسبة لقوات الجيش اليمني واللجان الشعبية فأن الإستراتيجية الرئيسية في عملياتهم ترتكز بشكل أساسي على العمل داخل المناطق التي يتم فيها حشد وتدريب القوات الموالية للتحالف العربي وهي المناطق السعودية في الحد الجنوبي "نجران – جيزان – عسير" بجانب مواجهة المحاولات المتكررة لاختراق المنطقة الغربية من اليمن وتحقيق ردع مناسب عن طريق الاستخدام الفعال للصواريخ. هذه الإستراتيجية أحرزت نجاحاً ملحوظاً خلال الفترة الماضية وخاصة في نطاق نجران وأظهرت نقاط ضعف عديدة في الإستراتيجية الدفاعية السعودية.

 

التكتيك اليمني في الهجوم على المواقع السعودية في الحد الجنوبي يجمع ما بين الاستخدام الجراحي للمدفعية وبين التحركات الخاطفة والسريعة لمفارز من المشاة تتألف من عناصر قنص وعناصر صواريخ مضادة للدروع وعناصر اقتحام، عند الهجوم يتم التمهيد المدفعي بقذائف الهاون ومدافع ""spg-9 والمنظومات المضاد للدروع "Fagot" بجانب استهداف عناصر القنص للجنود المتواجدين على أبراج المراقبة الخاصة بالموقع المستهدف ومن ثم يبدأ الاقتراب تدريجياً من الموقع، هذا التكتيك أثبت فعالية كبيرة نظراً لصعوبة التعامل مع مواقع المراقبة والتمركز السعودية في هذه المنطقة بسبب وقوع اغلبها على مرتفعات جبلية، في اغلب عمليات الاقتحام كان الجنود المتواجدون داخل الموقع المستهدفة يفضلون الانسحاب الفوري من مواقعهم تاركين أسلحتهم والذخائر والمدرعات الموجودة فيها وهذا أسهم بشكل كبير في إمداد قوات الجيش اليمني بكميات كبيرة من الذخائر و الأسلحة تم استخدام بعضها في هجمات على مواقع أخرى مثل القاذف الصاروخي "Instalaza C90" والبنادق الهجومية "G36" وبنادق القنص "LRT-3" و"Barrett m82" و"Pgm coyote".



تغلبت المفارز التابعة لجماعة أنصار الله على نشاط الطائرات دون طيار المكثف في الحد الجنوبي وفي الجبهات اليمنية وأسقطت العديد منها مثل الطائرة "TRACKER" والطائرة "COPTER 1B" والطائرة الصينية "CH-4B" التي دخلت مؤخراً ضمن مجهود القوات السعودية في هذا النطاق.

 

خلال المعارك ظهرت أوجه قصور عديدة في أداء القوات السعودية في هذا النطاق سواء قوات الحرس الوطني أو قوات حرس الحدود، ظهر غياب التنسيق الكامل بين مراكز المراقبة والمواقع التي تعرضت للهجمات وبين مراكز القيادة التي لم توجه حتى المروحيات الهجومية للدفاع عن المواقع التي تتم مهاجمتها، وقد ظهرت عدة مرات مروحيات الأباتشي في أجواء المواقع أثناء الهجوم عليها دون أن تنفذ اى محاولات للتدخل.



أيضاً كان من الواضح البساطة التي اتسمت بها تحصينات المواقع السعودية التي تمت مهاجمتها سواء كانت محطات للمراقبة أو نقاط للحراسة أو مراكز لحرس الحدود، حيث اعتمدت هذه المواقع على المانع الطبيعي الذي توفره لها الطبيعة الجبلية دون تجهيزها بالموانع والسواتر اللازمة مما سهل مهمة استهداف هذه المواقع بالقذائف المضادة للدبابات وقذائف المدفعية. النقطة الأكثر أهمية في هذا الصدد كانت الغياب الواضح لأي خطة هجومية أو دفاعية للقوات السعودية الموجودة في الحد الجنوبي، وهذا كان واضحاً في الفوضى التي كانت تشوب أحيانا عمليات إخلاء الجنود السعوديين لمواقعهم كما حدث في موقع الشرفة العسكري، وقد عكست تصريحات أدلى بها احد الأسرى السعوديين لدى الجيش اليمني هذه النقطة.

 

تسليحياً اعتمدت قوات الجيش اليمني بشكل رئيسي على المدفعية والصواريخ في الاشتباكات خصوصاً في مناطق غربي مأرب والجوف ولحج وشبوه ومديرية ميدى. بالنسبة للصواريخ أدخل الجيش أنواعاً جديدة من الصواريخ محلية الصنع إلى الخدمة لتنضم إلى صواريخ "النجم الثاقب" و"زلزال1". من هذه الأنواع صاروخي "زلزال3" و"صمود" وهما نسختين من الصاروخ الإيراني "شاهين1" واستهدف بهما معسكري "بليالين" والدفاع الجوي في نجران بجانب معسكر ماس وفرضة نهم في مأرب، الصاروخ "زلزال2" وأستخدم عدة مرات ضد مواقع في جيزان، الصاروخ "قاهر1" وهو نسخة مطورة من الصاروخ السوفيتي المضاد للطائرات "سام2" واستهدفت به منطقة صافر في مآرب وقاعدة خالد الجوية في خميس مشيط ومؤخراً مدينة الملك فيصل في جيزان، الصاروخ "بركان1" المطور من الصاروخ الكوري الشمالي "هاوسونج6" وهو أخر ما تم إدخاله إلى الخدمة. الاستخدام الفعال لهذه الأنواع من الصواريخ ساهم في إجهاض عدة محاولات من جانب قوات التحالف لإطلاق هجمات في اتجاه صنعاء انطلاقاً من صرواح ونهم.

 

يلاحظ اهتمام قيادة الجيش اليمني بالأعداد للعمليات البحرية سواء الصاروخية أو عمليات الضفادع البشرية ضد القطع البحرية التابعة للتحالف، فكان الاستهداف الناجح لسفينة الإمداد مزدوجة البدن "HSV-2 SWIFT" بصاروخ مضاد للقطع البحرية من نوع "C-802" صيني الصنع. كما أعددت القيادة مجموعات من مشاه البحرية والضفادع البشرية قامت بتدريبهم وتسليحهم بعتاد وأسلحة تم الاستيلاء عليها من المواقع السعودية في الحد الجنوبي منها الرشاش الهجومي "STYER AUG" والرشاش الهجومي "M4" والرشاشات الروسية "AK-74M" و"AK-103".

 

مستقبل العمليات العسكرية في اليمن


يحاول الجيش السعودي خلال الأيام الماضية تدارك الوضع الميداني المتدهور في الحد الجنوبي ومعالجة العجز التام عن تحقيق اى اختراقات مهمة في اتجاه صنعاء سواء في الجوف أو مأرب. لذلك بدء في تدريب قوات يمنية موالية له في نجران استعداداً لفتح جبهة قتالية في صعدة لتخفيف الضغط عن القوات اليمنية الموالية له، وهذا تزامناً مع الدفع بوحدات من اللواء الأول الآلي في الجيش السعودي "لواء الأمير تركي بن عبد العزيز" إلى نجران لإيقاف تقدم وحدات الجيش اليمني واللجان الشعبية.



التحدي الأكبر أمام قوات الجيش اليمني واللجان الشعبية هو مواصلة تثبيت الموقف الميداني في الجبهات المحيطة بصنعاء خصوصاً جبهتي الجوف ومأرب مع إدامة الضغط على القوات السعودية في الحد الجنوبي والذي نجح حتى الآن في سحب جزء كبير من المجهود العسكري لقوات التحالف من اليمن لمواجهته. يوجد أمام الجيش تحدى أخر لا يقل أهمية وهو التهديدات الأمريكية بضرب مواقع داخل اليمن على خلفية اتهامات وجهت للبحرية اليمنية باستهداف المدمرة الأمريكية "ماسون" بأربعة صواريخ في حادثتين منفصلتين وهي التهديدات التي تم تتويجها بإطلاق المدمرة الأمريكية "نيتز" لعدة صواريخ جوالة من نوع "توماهوك" تجاه ثلاثة مواقع للرادار تابعة للجيش اليمني على ساحل البحر الأحمر، بعد فشل الهدنة الميدانية بات الوضع الآن في الميدان أشبه بسباق في اتجاه نجران وصنعاء، صاحب النفس الطويل وسرعة التحرك هو من سيحسم معركة اليمن التي قد يؤثر في نتيجتها تدخل أطراف أخرى كالولايات المتحدة الأمريكية والقاعدة.



اخترنا لك