الطفولة الفلسطينية حياة يراد لها الموت
صعدت قوات الاحتلال من اعتقالاتها في صفوف الأطفال الفلسطينيين، وزادت حدتها، عقب الجريمة البشعة التي ارتكبتها عصابة مستوطنين بحق الطفل الشهيد محمد أبو خضير (16 عاماً) من مدينة القدس المحتلة، وما أعقبها من مواجهات عارمة اندلعت بين الشبان وقوات جيش الاحتلال في سائر أنحاء الضفة الغربية المحتلة.
رغم أن الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان وتحديداً اتفاقية حقوق الطفل، شددت على ضرورة توفير الحماية للأطفال ولحياتهم ولفرصهم في النمو والتطور، وقيّدت هذه المواثيق سلب الأطفال حريتهم، وجعلت منه الملاذ الأخير ولأقصر فترة ممكنة، إلا أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي جعلت من قتل الأطفال الفلسطينيين واعتقالهم الملاذ الأول.
لا يكتفي الاحتلال باعتقال هؤلاء الأطفال فحسب، بل إن جنوده وبحسب مركز أسرى فلسطين للدراسات، يمارسون الترهيب من خلال تعمّد اختيار الساعات المتأخرة من الليل لعمليات الاعتقال، إضافةً لاستخدام الكلاب البوليسية والجنود الملثمين وتكبيل الأطفال وتعصيب أعينهم، وأحيانا إطلاق الرصاص من فوق رؤوسهم.
آخر ما جوبهت به سلطات الاحتلال من إدانات جاء من تقرير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) الذي تحدث عن أن سوء معاملة الأطفال الفلسطينيين في سجون الاحتلال لا يزال مستمرا، بينما اعتبرت سلطات الاحتلال التقرير غير محايد، وروى الأسرى الأطفال المحررون تجارب سيئة من التنكيل الجسدي والنفسي الذي تعرضوا له.
استعرض تقرير خاص صادر عن هيئة شؤون الأسرى والمحررين جزءا من الانتهاكات التي لحقت بالأطفال داخل سجون الاحتلال، فقد شهد هذا العام اعتقال ما يقارب 400 طفل، يقبع أغلبيتهم في سجون "عوفر والشارون ومجدو"، وسجلت مدينتي القدس والخليل أعلى معدلات اعتقال لأطفالها بالمقارنة مع مدن الضفة الغربية.
اعتبر رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين عيسى قراقع قيام أجهزة مخابرات الاحتلال بالتحقيق مع الطفل الأسير احمد مناصرة (13 عاما)، وهو يعاني من جروح انتهاكا جسيما لحقوق الطفل وللقوانين الدولية، وكشف أن أكثر من 95% من الأطفال الأسرى تعرضوا للضرب والتنكيل والشبح، وانتزعت منهم اعترافات بالقوة.
وأشار قراقع إلى أن قضية الطفل مناصرة، إلى جانب حالات أخرى من الانتهاكات والإعدام التي يقوم بها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، ستسلم للمحكمة الجنائية الدولية، ودعا المجتمع الدولي والدول والشعوب والأنظمة العربية إلى دعم الفلسطينيين والقدس و"ألا تذهب أموالهم وأسلحتهم لتفتيت المنطقة، لأن ذلك يخدم الاحتلال الإسرائيلي".
روت الأسيرة المحررة ديما الواوي (14 عاما) من مدينة الخليل ل "الميادين نت" عن اعتقالها حين كانت قرب مدرستها وكانت تهمتها الاشتباه بحيازتها سكين، وقد أمضت 4 شهور في السجن وصفتها بالسيئة جدا، مضيفة أنها لم تكن تنام بسبب الخوف والبرد اللذين رافقها طوال أيام السجن.
أشار مدير الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال خالد قزمار إلى أن 90% من الأطفال اعتقلوا من بيوتهم بعد منتصف الليل، وأنهم تعرضوا للضرب والإذلال والتنكيل، وجرى انتزاع اعترافات منهم بالقوة، وإجبارهم على التوقيع على إفادات باللغة العبرية، لا يعرفون مضمونها، وتتم محاكمتهم في محاكم عسكرية.
ولفت قزمار أن توثيق كل ما يتعرض له كل طفل فلسطيني منذ اعتقاله مرورا بالتحقيق وحتى الإفراج عنه، يهدف لفضح ممارسات الاحتلال وانتهاكاته لحقوق مئات الأطفال الذين يحاكمون أمام محاكم عسكرية، ووضع حد لسلطات الاحتلال الإسرائيلي التي تضرب بعرض الحائط حقوق الأطفال المحرومين من حريتهم.
وبحسب شهادات موثقة للأطفال الأسرى والمحررين فإنهم يشتكون من انعدام النظافة، وانتشار الحشرات والروائح الكريهة، والاكتظاظ والاحتجاز في زنازين لا يتوفر فيها تهوية وإنارة مناسبتين، والإهمال الطبي وانعدام الرعاية الصحية، ويعاني ما يقارب 25 طفلاً أسيراً من أوضاع صحية صعبة وبحاجة إلى علاج ورعاية خاصة.
وبين محامي مؤسسة الضمير محمد محمود بوجود طفل محكوم بالمؤبد، و 3 أطفال محكومون مدة 15 عاماً، و 4 أطفال محكومون من 5-9 سنوات، وأطفال حكموا من 1-3 سنوات، وبقية الأطفال محكومون من 6-18 شهراً، وفرض غرامات مالية عليهم تتراوح من 400-2000 دولار بتهم مختلفة، بالإضافة 19 طفل معتقل إداري.
تنتهج حكومة الاحتلال سياسة التمييز العنصري ضد الأطفال الفلسطينيين، فهي تتعامل مع "الأطفال الإسرائيليين" من خلال نظام قضائي خاص بالأحداث، وتتوفر فيه ضمانات المحاكمة العادلة، وتعتبر "الطفل الإسرائيلي" هو كل شخص لم يتجاوز سن 18 عاماً، في حين تتعامل مع الطفل الفلسطيني بأنه كل شخص لم يتجاوز سن 16 عاماً.