انطلاق معركة الموصل .. الهدف والخطة
نستطيع أن نعتبر القوات التي تم حشدها لعملية السيطرة على الموصل كافية جدا كماً وكيفاً، لكن استمرارية العملية وعدم توقفها لأي اعتبارات ميدانية أو سياسية سيكون هو العامل الأهم لإنجاحها.
بدأت العمليات على الرغم من "التحذيرات" التركية المتتالية من فشل العملية إن لم يشارك الجيش التركي فيها، وهي تحذيرات كان الرد العراقي عليها واضحاً ومتكرراً وحسم التعميم الذي أصدره رئيس الوزراء العراقي باعتبار أي قوة عسكرية تحاول التدخل في سير العمليات "قوة معادية"، الأمر بالنسبة للعلاقة بين الأتراك والعراقيين في هذه المعركة المصيرية. بدأت العملية بعد أن أكملت القوات المشاركة فيها استعدادها في نقاط التحشد المواجهة لمحاور الهجوم الخمس. فبالإضافة إلى قوات البيشمركة الكردية التي حُشدت في المحور الشرقي والشمالي للموصل بالاشتراك مع الجيش العراقي، حشد الجيش العراقي أكثر من 90 فوج مقاتل بأعداد تقريبية ما بين 45 و60 ألف جندي تشمل تشكيلات من مختلف صنوف الوحدات العسكرية وشبه العسكرية.
أساس هذه القوة هو 16 كتيبة دبابات تابعة للفرقة التاسعة المدرعة و32 فوج قتالي من الفرقتين 15 و16. بجانب هذه القوات تم حشد 8 أفواج مشاه ميكانيكية تتبع للشرطة الاتحادية، و16 فوج عمليات خاصة و8 أفواج مغاوير من اللواء الأول والثاني في "الحشد" وقوات من حشد نينوى الشعبي ووحدات من الفرقة الذهبية بجهاز مكافحة الإرهاب و12 فوجاً قتالياً من قوة الطوارئ بشرطة نينوى و12 فوج تتبع لثلاثة ألوية في قوات الرد السريع، وقوات تتبع للواء 21 في قوات بدر.
دُعمت هذه القوات بما مجموعه 13 سرب قاذفات منها 10 أسراب تتبع للتحالف الاميركي، وعشرة تشكيلات للمروحيات الهجومية التابعة للتحالف ولطيران الجيش العراقي بجانب مجهود مدفعي فرنسي وأميركي وعراقي. الخطة الأساسية للهجوم ع تهدف إلى محاولة السيطرة على النقاط الرئيسية في الموصل بشكل سريع يسمح بانهيار السيطرة العسكرية لتنظيم داعش جنوب وغرب المدينة، مع الوضع في الاعتبار الانسحابات المتوقعة لقوات التنظيم في اتجاه الحدود مع سوريا، عند بدء الهجوم انطلق التمهيد المدفعي من قوات البيشمركة في الشمال على مناطق سهل نينوى "الحمدانية – تلكيف"، ومن المدفعية الفرنسية في محور الخازر في الشرق على الحمدانية، ومن المدفعية الأميركية والعراقية في القيارة على مناطق عديدة في الجنوب منها حمام العليل والحود وحضر مدعومة بالمدفعية الصاروخية التابعة للشرطة الاتحادية وترافق ذلك مع غارات جوية مكثفة ركزت على تلكيف والحمدانية وبعشيقة وخورسيباد.
بعد ذلك بدأت محاولات التقدم على الأرض والتي حسب الخطة ستتم من خمسة محاور هم محور القيارة الجنوبي ومحور "الخازر – الكوير" الشرقي ومحوري بعشيقة وسد الموصل في الشمال ومحور الكسك في الغرب.
الجبهات الشمالية والشرقية هي من بدأت العمليات البرية أولا نظراً لقربها من أهم المناطق في الموصل، "مركز المدينة – تلعفر – سهل نينوى"، ولذلك شهدت هذه المناطق في الساعات الأولي للعملية عدة عمليات للإنزال الجوي.
أما الجبهة الجنوبية فهي أصعب لاعتبارات عديدة أهمها اتساعها، وحتى الآن لم تتحرك القوات منها إلا جزئياً وهو نفس الحال في ما يتعلق بجبهة سد الموصل، القيمة المضافة للحشد العسكري الكبير الذي قام به الجيش العراقي في القيارة هو إن هذه الجبهة ستظل عاملة حتى بعد السيطرة على الموصل، نظراً لأنه في جنوب القيارة تقع منطقة أخرى يسيطر عليها تنظيم داعش وهي الحويجة.
الجبهة الغربية للموصل "الكسك" هي المعضلة الأساسية التي قد تواجه القوات المهاجمة، فعدم تفعيلها سيؤدى حكماً إلى انتقال قوات داعش المنسحبة من الموصل إليها ومن ثم إلى الحدود العراقية، وهو وضع قد يساهم في تسريع عملية السيطرة على الموصل لكنه أيضاً قد يؤثر على موازين القوى في الميدان السوري، خصوصاً في دير الزور التي قد تصبح "مستودعاً" للعناصر المنسحبة ومعداتها.
ولتفادي هذا الوضع يجب وضع الشريط الحدودي بين العراق وسوريا، سواء في الجبهة الغربية للموصل أو في منطقة منفذ القائم الحدودي في الاعتبار خلال العمليات الحالية. التقدم الذي أحرزته القوات المشتركة في اليوم الأول من الهجوم تركز في محور بعشيقة، حيث تمكنت القوات الكردية بإسناد من الفرقة التاسعة المدرعة التابعة للجيش العراقي من بسط السيطرة على مناطق بعشيقة والنمرود والحمدانية بجانب قرى عديدة في المنطقة الجنوبية الشرقية، مثل عباس رجب ابراهيم الخليل والكبيبة والمخلط والشروق والعدلة وبلاوات والشهيد صبحي وكهاري والجايف.
وتمكنت قوات الشرطة الاتحادية في الجبهة الجنوبية من السيطرة على قرية ابن نايف وتتقدم في هذا المحور باتجاه القرى المجاورة مثل قرية النجمة. واجهت القوات العراقية عدة هجمات بالسيارات المفخخة و الأحزمة الناسفة تم إحباط اغلبها لكن حتى الآن تبقي المقاومة التي يبديها عناصر التنظيم تجاه القوات المهاجمة أقل مما كان متوقعاً. إذن كتقييم عام نستطيع أن نعتبر القوات التي تم حشدها لعملية السيطرة على الموصل كافية جدا كماً وكيفاً، لكن استمرارية العملية وعدم توقفها لأي اعتبارات ميدانية أو سياسية سيكون هو العامل الأهم لإنجاحها، فحتى الآن لم تتضح بصورة كاملة أبعاد موقف تركيا من هذه العملية التي أعربت مراراً عن رغبتها في المشاركة فيها، خصوصاً وأنها تمتلك حالياً بشمال العراق ما يقرب من 20 موقع عسكري منها قاعدة جوية يتم تأسيسها قرب العمادية في دهوك.
هذا الموقف إن تم أيجاد حل موضوعي له سيكون مساهمة في أتمام نجاح هذه العملية وإذا لم يحدث هذا ستتحول العملية إلى اشتباك بين القوات العراقية والقوات التركية يتسبب في خلط جديد في الأوراق.