حكومة الشاهد .. تحدّيات في الأمن والاقتصاد

تواجه الحكومة التونسية الجديدة تحديات جدية أهمها الوضع الإقتصادي المتراجع والتهديد الإرهابي بعد سنوات على ثورة يطمح أصحابها بعدم عودة البلاد إلى ما كانت عليه.

من نقاط القوة القليلة للحكومة هي الإبقاء على وزيري الداخلية والدفاع بسبب جهودهما الناجحة في حماية أمن البلد
يجمع المتابعون للشأن التونسي أنّ تحديات كبيرة تنتظر الحكومة التونسية الجديدة برئاسة يوسف الشاهد، وتختلف التعليقات حول هذه الحكومة بين من يرى التشكيلة الوزارية غير متجانسة وفاقدة للخبرة والقدرة على وضع البلاد على سكة الخلاص، وبين من ينظر بإيجابية إلى فترة قادمة يمكن أن تتشارك فيها كافة الأطراف الداخلية في عملية الحكم. ينتمي الشاهد لحزب نداء تونس ويبلغ من العمر 41 عاماً، وهو أصغر رئيس حكومة في تاريخ تونس الحديث، ما أثار بعض الآراء المشككة في قدرته على الإدارة الجيدة وسط ظروف صعبة واحتجاجات عمالية وشعبية لم تهدأ منذ الثورة التي أطاحت بالرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي. وتضم الحكومة الجديدة أربعين وزيراً بينهم 14 بصفة كاتب دولة وثماني نساء و14 شاباً. وقد احتفظ الشاهد بتسعة وزراء من حكومة الصيد بينهم وزراء الداخلية والدفاع والخارجية. وتنتظر الحكومة الجديدة تحديات اقتصادية واجتماعية وأمنية. وقال الشاهد أمام البرلمان إنه إذا استمر التعثر الاقتصادي فإن حكومته ستُجبر على اتباع سياسة تقشف عام 2017 وتسريح آلاف الموظفين وزيادة الضرائب وخفض الإنفاق. كما شدد على أن حكومته  لن تسمح بتوقف الإنتاج في أي مصنع، قائلاً "سنكون حازمين في التصدي للإضرابات والاعتصامات غير القانونية". وفي حديث مع الميادين نت، قالت رئيسة تحرير جريدة الشروق التونسية فاطمة كراي إنّ الوضع الاقتصادي الهش بشقّيْه المالي والإنتاجي هو أبرز التحديات التي تنتظر حكومة الشاهد، ثم يأتي الإرهاب الذي يهدد تونس كما يهدد بلداناً أخرى. وتشدد كراي على أنّ أهم ما يُنتظر من الحكومة الجديدة هو الخروج بالبلاد من الوضعية السلبية وعدم الإنتجاية، كما يُفترض التوقف عن الاقتراض المجحف بحق الشعب التونسي، والتوقف عن استخدام أموال القروض من أجل دفع الرواتب أو تنفيذ بعض الخدمات الأساسية، واستغلالها في مشاريع مناسبة تعالج العجز في الميزان التجاري". وتخشى كراي من أنّ خضوع تونس إلى شروط صندوق النقد الدولي سيؤدي إلى خفض كبير بالإنفاق وتسريح أعداد كبيرة من موظفي الدولة وكذلك تخفيض الرواتب، الأمر الذي أدى إلى أزمات كبيرة سابقاً. وترى رئيسة تحرير جريدة الشروق التونسية أنّ "أمام يوسف الشاهد تحدي صنع الرؤية والفلسفة المناسبة لمعالجة الأوضاع الضاغطة، وليس فقط مصارحة الشعب بالمشاكل"، مشيرة إلى ردود الفعل التي ظهرت سريعاً من قبل الشباب التونسي على مواقع التواصل الاجتماعي، الذي نظر إلى كلام الشاهد على أنه مجرد دعوة للشعب كي يستعد إلى المزيد من التضحية. "هذا ما دفع بالشاهد إلى التعديل في كلامه بعد نيل حكومته الثقة ليقول أنّ إصلاح الأمور لا يرتكز فقط على خفض الإنفاق"، تقول كراي، وتلفت إلى أنّ محاربة الفساد والمفسدين يجب أن تكون أيضاً من أولويات الحكومة الجديدة، كمحاربة التجارة الموازية وتهريب السلاح. أما الدبلوماسي السابق عبد الله عبيدي فيرى أنّ الحكومة الجديدة ستعاني كثيراً من انعدام الخبرة عند العديد من شخصياتها. بحسب عبيدي، فإنّ التشكيلة الوزارية غير متجانسة وقليلة الخبرة إنطلاقاً من أعلى الهرم. ويشير عبيدي أنه على خلاف العديد من المحللين في تونس، يرى أنّ "رئيس الحكومة سيحتاج شبكة علاقات غير موجودة لديه بالقدر الكافي، كما أنّه لم يستلم سابقاً مناصب إدارية أو سياسية كافية لتكوّن عنده التجربة الضرورية لإدارة البلاد من موقع مسؤولية بحجم رئاسة الحكومة". التحديات معروفة بحسب الدبلوماسي السابق، كالبطالة والإرهاب وتدني نسبة النمو، لكنه يرى صعوبة كبيرة بأن تتمكن حكومة تجمع أقصى اليمين وأقصى اليسار على العمل والتكامل للتصدي لهذه التحديات. تتفق الباحثة سهام بن عزوز مع عبيدي في رؤيته لطبيعة التشكيلة الحكومية، فتسأل كيف يمكن أن يكون هناك تناغم بين الإشتراكي والإسلامي والنقابي والعلماني؟ بن عزوز ترى أنّ "من نقاط القوة القليلة التي تمتلكها الحكومة الحالية هي الإبقاء على كل من وزيري الداخلية والدفاع وذلك بسبب جهودهما الناجحة في حماية أمن البلد إلى حد كبير بالرغم من الخروقات التي حصلت، كما أنّ ضم قيادات نقابية يُعتبر نقطة إيجابية في صالح الحكومة، إلا أنّ وجود هذا النوع من القيادات إلى جانب حزب النهضة في تونس يمكن أن يسبب إحراجات وتوترات داخل الحكومة". لكنّ بن عزوز التي تشير إلى جهود الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي وما قيل عن إنقاذه لحكومة الشاهد من خلال جمع كل الأطراف، ترى أنّ "الحكومة يجب أن تجيب عن أسئلة محورية عديدة أهمها: كيف ستحسن مستوى المعيشة الذي تراجع في السنوات الماضية إلى أكثر من 40%؟ كيف ستعيد البلاد إلى النمو بعد انخفاضه مع تراجع السياحة والإنتاج المحلي كإنتاج الفوسفات؟ كيف ستعيد الحياة إلى قطاع السياحة الحيوي جداً بالنسبة لتونس؟ وكيف ستعالج ارتفاع العجز المتواصل؟" وتختم قائلة إنه "حتى الآن استطاعت الحكومة أن تبث مناخاً انفتاحياً في البلاد، لكن يبقى مستقبل البلد مرهوناً بالأفعال الإصلاحية التي ينتظرها الشعب الثائر منذ سنوات لتحسين مستوى عيشه".

اخترنا لك