جرابلس السورية بين الاصطدام والتوافق
سريعةٌ هي أحداث جرابلس شمال سوريا، ومشهدها يتسم بالضبابية.. سرعة سقوطها بيد فصائل درع الفرات وبدعم عسكري تركي، يعكس مدى تنسيق أنقرة مع داعش، حيث لم تستغرق المعركة إلا ساعات قليلة وتم إعلان جرابلس تحت سيطرة الجيش التركي وفصائل درع الفرات.
وبالرغم من التصريحات الأمريكية بانسحاب قوات سوريا الديمقراطية "قسد" من غرب الفرات إلى شرقه، إلا أن هذا الانسحاب لم يكن سوى إعلامياً، فما زالت عناصر "قسد" متواجدة في منبج وريفها، حتى أن المجلس العسكري لمنبج والذي قاتل مع قسد في منبج مدعوم أمريكياً، ما يزيد الأمر تعقيداً، وكأن ما تشهده الساحة في الشمال السوري مشادّات عسكرية وكلامية، بعكس تناغم التصريحات بين الأتراك والأمريكيين. دخول دبّابات الجيش التركي ووصول تعزيزات أخرى اليوم الخميس لمقاتلة تنظيم داعش وقوات سوريا الديمقراطية، هذه هي الأهداف المعلنة إضافة إلى إقامة منطقة عازلة على الحدود السورية التركية بعمق 20 كم، ومسافة 70 كم وصولاً إلى مارع وإعزاز مروراً ببلدة الراعي، ليحقق آمال التركي بإقامة هذه المنطقة، بالرغم من تنديد دمشق بالتدخل التركي . على ما يبدو أن الخطوة التركية أربكت الأكراد وفاجئت الأمريكيين، بالرغم من الحديث عن تنسيق تركي أميركي، إلا أنه مستبعد خاصّة بعد إطلاق الفصائل الكردية عملية جرابلس قبل أيام ومدينة الباب، ما يحمل كثيراً من الاحتمالات بأن الأمريكيين خذلوا الأكراد في معركتهم ضد داعش وهذا الإحتمال مستبعد، أو إرباك الحلم الكردي بإقامة دولة كردية في المنطقة، والمطابقة للخطة الأمريكية (B)، والتي تربط كردستان الشرقية في العراق بغربها في عفرين، وهذا ما يقلق دول الأقليم من إيران إلى العراق وسوريا وتركيا. تركيا مستفيدة من خطوة الشمال؛ إبعاد "قسد" عن الحدود التركية وفرض المنطقة العازلة التي كثيرا ما تحدثت عنها على الحدود السورية التركية، واليوم يجري تطبيقها على الأرض.. الحديث عن مشاركة طائرات أمريكية أو دعم أمريكي لدرع الفرات لا أساس له في الميدان، قسد مصرّة على دخول جرابلس، ولكن الطائرات التركية والمدفعية تمنع ذلك . هذه التطوّرات سبقت مفاوضات جنيف المفترض عقدها الشهر القادم بحسب تصريحات دي مستورا الأخيرة، كما سبقت إعلان "قسد" معركة السيطرة على الرقة لطرد تنظيم داعش منها، وهنا تكمن ضبابية الأحداث، لأن دخول الأتراك بشكل فعلي في المستنقع السوري أعاد خلط الأوراق الأمريكية في المنطقة، والحديث هنا بأن هذا التدخل أخذ الضوء الأخضر من الروس، لتكون المنطقة بكاملها تحمل خيارين، إما التصعيد العسكري وبالتالي الاصطدام التركي الأمريكي، وإما الإنسحاب إلى طاولة المفاوضات، ومن المنطق أن يكون هذا التدخل جاء ليخدم نوعاً ما دمشق، ظاهريّاً الحرب على الإرهاب، وضمناً خلط الأوراق الأمريكية في المنطقة.