روسيا وتركيا.. بين الصراعِ والتعاون

حطت طائرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على مدرج مطار سان بطرسبورغ في روسيا، حاملةً معها آمال أنقرة بِطي صفحة التوتر التي شابت العلاقة مع موسكو منذ تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. أردوغان الذي استبق القمة بوصف بوتين" بالصديق" يذهب لفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية بين البلدين وكسر الجليد. التاسع من آب/ أغسطس 2016 محطة جديدة في علاقات شهدت على مدى التاريخ مراحل مدِ وجزر.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
 مرحلة الصفر مشاكل..
كانت العلاقات الروسية – التركية، على مدى تاريخها عدائية، حيث درات أكثر من 13 حرباً بين الطرفين على مدى خمسة قرون. إلا أن منذ إنهيار الإتحاد السوفياتي عام 1991، شهدت العلاقات الروسية التركية تطوراً على الصعيدين الدبلوماسي والإقتصادي، وتم تعزيزها من خلال معاهدة تم توقيعها في أيارمايو عام 1992. بعد ذلك اتجهت العلاقات الروسية – التركية نحو الواقعية أكثر، والتركيز على التعاون بدل من الصراع، بوصفهما دولتين كبيرتين متجاورتين إتبعتا إستراتجية جديدة لإستعادة دورهما الفاعل على الساحة الدولية بعيداً عن الخلافات القديمة، الأمر الذي تطلب تعزيز التعاون بينهما وخاصة الإقتصادي بسبب وفرة المصالح التي تجمعهما وتنوعها.تسارع إنفتاح الدولتين على بعضهما البعض خاصة في بداية الألفية الثالثة، وبلغت ذروة التعاون بينهما عام 2012 حيث تم تأسيس مجلس التعاون الإستراتيجي رفيع المستوى. و كان من نتائجه بعد عقد القمة الروسية التركية في ديسمبر\ كانون الأول عام 2014  ازداد التعاون في عدة مجالات بين البلدين منها :

أ ــ مشروع السيل التركي:

 تنفيذ مشروع "السيل التركي" للغاز الطبيعي من أربعة خطوط، أحدها بحجم 15.75 مليار متر مربع، سيمتد من روسيا إلى تركيا مباشرة عبر البحر الأسود، وهو ما سيعطي تخفيضا لأسعار الغاز الروسي إلى تركيا، والخطوط الأخرى بحجم 50 مليار متر من تركيا إلى اليونان لايصال الغاز الروسي لأوروبا والذي ستستفيد تركيا منه أيضا في القيام بدور الموزع أضافة الى توفير فرص عمل للعمالة التركية وجذب رؤوس الأموال الاستثمارية.

ب ــ  زيادة التبادل التجاري:

وفق آخر الإحصاءات، وصل حجم التبادل التجاري بين روسيا وتركيا إلى ما يقارب 33 مليار دولار، وصلت فيه الصادرات الروسية إلى 80%. وتعتبر تركيا سابع شريك تجاري لروسيا وثاني أكبر أسواق التصدير بعد ألمانيا، بينما أصبحت روسيا ثاني أكبر شريك تجاري لتركيا بعد الإتحاد الأوروبي.

ج - الإستثمارات:

وصل حجم الإستثمارات الروسية المباشرة في تركيا خلال أول 9 أشهر من 2015 إلى 755 مليون دولار لتكون المرتبة الرابعة في حجم الاستثمارات الأجنبية خلال هذه الفترة بعد إسبانيا، والولايات المتحدة، وهولندا. وقد بلغ عدد السواح الروس في تركيا 4.5 مليون نسمة عام 2014.

د - محطة أك كويو النووية: 

مشروع محطة (أك كويو) أول مشروع محطة نووية في تركيا، الذي يتضمن بناء 4 مفاعلات بقدرة 1200 ميغاواط.

الإستيراد والتصدير التركي من وإلى روسيا.
ما قبل إسقاط الطائرة..
بدأت التوترات بين أنقرة وموسكو بالتصاعد بدءاً من التدخل الروسي في أوكرانيا ومن ثم سوريا. ونتيجة لذلك، في غضون سنتين، تقلص حجم التوافق بين البلدين الذي استمر على مدى السنوات الخمسة عشر الماضية. ولكنَّ الأزمات في القوقاز وأوكرانيا والشرق الأوسط أشعلت الخلافات بين روسيا وتركيا وزادت من حدة التوتر.

لكن تباين البلدين في الأزمة السورية أدى إلى انفجار الخلاف المتصاعد بعد اتهام الرئيس الروسي أنقرة بدعم "داعش" في تسويق النفط. وكذلك دعم القاعدة والجماعات الأخرى الساعية للاطاحة بالنظام.

إسقاط المقاتلة الروسية من طراز سوخوي24 من قبل المقاتلة التركية في سوريا.
 إسقاط الطائرة..
في نوفمبر\ تشرين الثاني أطلقت مقاتلة تركية من طراز أف16 النار على مقاتلة روسية من طراز سوخوي24 في الأجواء السورية مما أدى إلى سقوطها بمحافظة اللاذقية فوق جبل التركمان قرب الحدود التركية ومقتل طيارها، وهذا الحدث كان السبب الرئيسي والمباشر لتفاقم الأزمة بين أنقرة وموسكو حيث إعتبرت الأخيرة إسقاط الطائرة يحمل طابع سياسي أكثر من عسكري، وضرباً للعلاقات بإرادتها. وقد وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتن يومها الإرتدادات على العلاقات الروسية التركية "بالعواقب الوخيمة" إثر الحدث. وقد إتهم الرئيس الروسي الأتراك بـ"داعمي الإرهابيين".

رداً على ما وصفه الرئيس الروسي بالعدوان، أصدر مرسوما تضمن مجموعة من الإجراءات الإقتصادية، مثل حظرإستيراد عدد من السلع والبضائع التركية، وحظر العمليات التجارية والإقتصادية المرتبطة بذلك، ومنع الشركات التركية من ممارسة أي نشاط داخل روسيا، ومنع إستخدام الأيدي العاملة التركية، وإيقاف العمل بنظام الإعفاء من تأشيرات الدخول مع تركيا، بدءاً من عام 2016، وكذلك وقف رحلات الطيران مع تركيا، وحظر الرحلات السياحية الروسية لتركيا، وتشديد الرقابة علي تلك القادمة من تركيا. كما أوقفت روسيا مشروع السيل التركي ولم تعاود العمل به حتى الآن. 

 وقد عبر الخبير العسكري فيكتور ليتوفكين عن أن إزالة التوتر في العلاقات بين موسكو وأنقرة يتطلب وكخطوة أولى، تقديم الرئيس التركي رسميا اعتذاره عما حدث، ومن ثم التعويض عن الطائرة، وتخصيص معاش دائم لأسرة الطيار المغدور وإعادة جثته إلى روسيا.

رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم.
حكومة بن علي يلدريم.. 

رئيس الوزراء التركي الجديد بدأ الاعلان عن اتجاه تغيير السياسة التركية بقوله إن تركيا تسعى إلى "أصدقاء أكثر وأعداء أقل".

وقد فُهم من هذا القول بعد الاطاحة أحمد داوود أوغلو وقبل محاولة الانقلاب الفاشلة، أن أنقرة تتجه إلى تطبيع العلاقات مع روسيا.

ففي 26 أيار\مايو أرسل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان  رسالة تحمل في طياتها اعتذار عن إسقاط الطائرة الروسية في 2015، كما اشترطت موسكو لبحث تطبيع العلاقات. وأعرب عن أمله في إعادة تطبيع "سريع" للعلاقات بين الطرفين، وأكد الكرملين ذلك، وبعدها أعلن بن علي يلدريم عن إستعداد أنقرة لدفع تعويضات لروسيا إذا إقتضت الضرورة وأن مرحلة التطبيع بدأت بقطف ثمارها، الأمر الذي أدى إلى تحسّن في العلاقات بين روسيا وتركيا وكسر الجليد بين البلدين الجارين.

الانطباع  العام في تركيا أن فشل الانقلاب وتزايد الخلافات مع الدول الغربية، قد يدفعان اردوغان إلى ما سماه " بالعلاقات التاريخية الجديدة". 

اخترنا لك