المرأة من "سوط التاريخ" إلى "صوت الناخبين"

هل يكون العام الحالي عام المرأة في الحُكم؟ كثيرون يرون ذلك ويعتقدون أنه سيكون فاتحةً إلى عصرٍ جديد تحكم فيهِ النساء. ولكن إذا بحثنا في التاريخ ِالحديثِ نجد أن هذا العصر ما هو إلاّ تصاعد في وتيرة السياق الذي يشهد تطوّراً في دور المرأة داخل المُجتمعات على مساحة العالم، وبالأخصّ دخولها أكثر فأكثر في مجال السياسة والإدارة.

كلينتون، ميركل وماي
قد تسارعت في السنوات الأخيرة وتيرة تولّي النساء المواقع القيادية الأبرز في بلدانٍ عديدةٍ، حتى بدا أن عام 2017 سيكون "عام المرأة في الحُكم" بامتياز.
على خُطى المُستشارة الألمانية أنغيلا ميركل المُستمرّة في الحكم منذ 11 سنة وحتى الآن، سارت وزيرة الداخلية في حكومة الظلّ البريطانية تيريزا ماي المُلقّبة بـ"المرأة الحديدية" في الوسط البريطاني، كمُحاكاةٍ للّقب التاريخي لمارغاريت تاتشر لتتولّى رسمياً منصبَ رئاسة الحكومة في البلاد، بعد إعلان دايفيد كاميرون استقالته من منصبه.   ويبدو أن "هيلاري كلينتون" تحظى بآفاق ٍمُشرقة ٍفي مواجهتها مع نظيرها "دونالد ترامب" بعد ارتفاع أسهمها في آخر إستطلاع رأي أجرته وكالة رويترز حول الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الأول/نوفمبر المُقبل، لتكون أول إمرأة في تاريخ الولايات المتّحدة تصل إلى سُدّة الرئاسة. ومع وجود نساء على قائمة المرشّحين لخلافة بان كي مون في منصب الأمين العام للأمم المتّحدة، الأمر الذي يجعل من العام القادم عام إختراق المرأة لأهمّ المواقع السياسية العالمية. وربما تشهدُ مؤتمرات القمّة العالمية حضوراً نسائياً يُعادل حضور الرجال فيها، حسب تقرير لمجلّة فورين بوليسي الأميركية، لتحتفي النساء اللواتي هنّ في السُلطة حالياً بالوافِدات الجديدات والإنضمام إليهنّ.   ولا شكّ في أن وجود مجموعة من النساء في مواقع القيادة عالمياً من المُمكن أن يزيد من الاهتمام بالمرأة، ويعزّز من دورها في وضع ِالسياسات العالمية. وقد بَلَغَ عددُ القيادات السياسية النسائية في مختلفِ دولِ العالمِ حوالى 24 سيّدة بين مَلِكَات ومُستشارات دول في عام 2016 بحسب أحدث إحصاءات لـworld guide to women leaders.   وكانت فاتحةُ المُناسبات التي تصل فيها المرأة إلى مناصب رفيعة في السُلطة مع "إيزابيل بيرون" التي كانت نائبة رسمية لزوجها خوان بيرون رئيس الأرجنتين، وتولّت السُلطة عام 1974 خلفاً له وذلك قبل أن يُتوفّى بسبب ِالاعتلال ِالشديد ِلصحّته، وبذلك تُعتبر أول إمرأة تصل إلى الرئاسة في أميركا الجنوبية قاطبةً، لتليها فيغتيس فينبوغاتوتير عام 1980 بتولّي رئاسة جمهورية إيسلندا إحدى الجُزُر الأوروبية، والتي احتفظت بمنصبها مدّة ستة عشر عاماً. أمّا في بريطانيا فقد تولّت مارغريت تاتشر مَنصب رئاسة الوزراء، لتكون أول إمرأة تشغل هذا المنصب في تاريخ بريطانيا عام 1979 ولمدّة 11 سنة، وأصبحت تاتشر واحدة من أهمّ الشخصيّات السياسية في أوروبا والعالم بسبب فاعليّة السياسات التي اتّبعتها، حتى حازت بجدارة لقب "المرأة الحديدية". وبعد كَسرِ حاجز سيطرة الرجال في السُلطة، خاصة ًفي بدايات الألفية الثانية سجّلت المرأة نسبةً أعلى في المُشارَكَة في الحُكم. فشغلت تاريا هالونن منصب رئاسة جمهورية فنلندا عام 2000 وامتدّت فترة حكمها 12 سنة حازت خلالها شعبية كبيرة جداً بين الفنلنديين. ونُصِّبت الليبيرية جونسون سيرليف في المنصب ذاته في بلادها لتكون أول إمرأة تحكم في القارّة السوداء عام 2006 وحازت جائزة نوبل للسلام عام 2011. وفازت البرازيلية ديلما روسيف عام 2011 بمنصب رئاسة الجمهوية في البرازيل بنسبة 58٪ والتي لا تزال تشغل منصبها حتى اليوم. وانتخبت كوريا الجنوبية "بارك غن هي" كأوّل رئيسة للبلاد عام٢٠١٣ لمدة خمس سنوات. أما في منصب رئاسة الحكومة الذي لا يقلّ أهمية عن منصب رئاسة الجمهورية، فإن النساء تشغلنه في العديد من دول العالم الأوّل. فعلى سبيل المِثال تتولّى إرنا سولبرغ رئاسة وزراء النرويج.

بنظير بوتو
وبالنسبة إلى بلدان العالم الثالث فقد تولّت أنديرا غاندي مَهَامَ رئيسة وزراء الهند لثلاث فترات ٍمتوالية من 1966 إلى 1977 ولفترة رابعة من 1980 حتى اغتيالها في 1984. وحقّقت لقب " المرأة الحديدية الهندية"، بعد وقوفها في وجه ِالاحتلال ِالإنكليزى، وكان لغاندي شأن كبير في بلادها وحصلت على شعبية كبيرة جداً.إمرأة أخرى حازت شعبية واسعة في بلادها ولَمَعَ نجمُها حول العالم، وهي بينظير بوتو رئيسة وزراء باكستان مرّتين وأول إمرأة في بلد ٍمُسلم ٍتشغل منصب رئيس الوزراء، وتم اغتيالها في 27 ديسمبر من العام 2007 يعد خروجها من مؤتمر انتخابي لمُناصريها. وحالياً تتولّى الشيخة حسنيّة واجد هذا المنصب في بنغلادش.وفي الطرف الآخر من العالم وفي أقوى دوله مثل آخر ومُهمّ، كرستين لاغارد التي تشغلُ رأسَ إدارة "صندوق النقد الدولي" كأكبر وأهمّ مؤسّسة نقدية في العالم منذ عام 2011.وقد ساد تساؤل حول ما إذا كان وصول تلك النساء سيؤدّي إلى عالم ٍأقل عُنفاً. كُثُر مَن يعتقدون أن ذلك ممكن مع النساء أكثر من الرجال. ولكن يبقى المفصل في هذا الأمر محكوماً بمقدرة تلك النسوة على النجاح في مهماتهنّ في بلادهنّ. فانتخابهنّ لم يتمّ على أساس تميزهنّ الجَندَري بل على أساس قيادتهنّ السياسية.ويبقى أن وجود النساء في سُدّة الحكم كفيل في إشراك فئة هامّة من المُجتمعات في القرار، وهو يُعطي نموذجاً وفرصةً جديدةً للعالم للاستفادة من قُدُرات كانت مَهدورة. وإذا كانت النساء قادِرات على بناء النُواة الأساسية للمُجتمعات فإنهنّ بلا شكّ قادِرات على بناء العالم.

اخترنا لك