غولن.. "خدمة" والحكومة الموازية

بعد فشل الانقلاب في تركيا منتصف تموز/ يوليو الجاري، تردّد إسم رجل الدين التركي "فتح الله غولن" كمتّهم أول بالنسبة إلى الحكومة التركية في تدبير الانقلاب على حكم الرئيس رجب طيّب أردوغان. فمَن هو فتح الله غولن ؟

"غولن" المنافس الأول لحزب العدالة والتنمية
عُرف عن غولن نشاطه كمُفكّرٍ وداعية إسلامي تركي، ولد في 27 نيسان عام 1941 في كوروجك التابعة لمحافظة أرضروم شمالي تركيا. نشأ في عائلة متديّنة، درس في طفولته وصباه في المدرسة الدينية، حيث تلقّى التربية الروحية وعلوم النحو والبلاغة والفقه وأصول العقائد من علماء معروفين وفقهاء.

تأثّر غولن بأفكار الشيخ الصوفي التركي سعيد النورسي مؤلّف "رسائل النور"، واطّلع على الثقافة الغربية والشرقية، وتبحّر في العلوم الإنسانية حيث ألّف الكثير من الكتب التي تُرجمت إلى أكثر من 30 لغة حول العالم، وأغلب هذه الكتب كان يدور حول التصوّف والتحديّات التي تواجه الأمّة الإسلامية.

بدأ عمله الدَعَوي في ستينات القرن الماضي بعدما عُيّن إمام جامع في أزمير، وسار في الأناضول كواعظٍ متجوّل. ألقى المُحاضرات وعقد المجالس والنَدَوات ، كما كان يُركّز على المناهج التعليمية، الأمر الذي أدّى إلى تأثّر شريحة كبيرة في المجتمع بأفكاره. وكوّن غولن حركته الخاصة والتي حملت إسم "حركة الخدمة" التي تميل إلى الفكر الصوفي وتنحاز إلى بناء دولة تركيا القومية.

نتيجة ذلك قامت جماعته بإنشاء العديد من المدارس، ومن ثم العمل على إصدار الجرائد والمجلاّت وتأليف الكُتب وإنشاء إذاعة ومحطّة تلفزيونية. وبعد انهيار الإتحاد السوفياتي بدأت هذه المدارس بالإنتشار في دول آسيا الوسطى التي كانت بوابةً للإنطلاق إلى العالم كله. بالإضافة إلى إنشائه شركات اقتصادية ناجحة، أسّس غولن "بنك مشاركة" برأسمال تركي 100%. ويترأّس غولن حالياً شبكة ضخمة غير رسمية من المدارس والمراكز البحثية والشركات ووسائل الإعلام في خمس قارات. وقد أنشأ أنصاره وأتباعه نحو مئة مدرسة مستقلّة في الولايات المتحدة وحدها، كما اكتسبت الحركة زخماً قوياً في أوروبا.

في عام 1990 وسّع غولن حركته الفكرية حيث ركّز على مبدأ التسامُح والتفاهم والحوار والتعايش بين الأديان بعيداً عن العصبيات، ووجدت هذه الحركة صداها في تركيا وخارجها وبلغت ذروتها في الاجتماع الذي عقده مع البابا يوحنّا بطرس الثاني في الفاتيكان.

ولكن خصوم غولن يرون عكس ذلك، فهم يتّهمونه بالسعي إلى السيطرة على الحكم في تركيا من خلال زرع رجاله داخل أجهزة الدولة. كما يُتّهم بالعمل لصالح قوى نافذة داخل الإدارة الأميركية. ويُنظَر إليه على نطاقٍ واسعٍ على أنه رجل أميركا في تركيا. حتى أن أنصار إدارة أردوغان لم يُفرّقوا بين غولن والأميركيين حين حمّلوه مسؤولية الانقلاب الأخير.


تنشط حركة " غولن " في الولايات المتحدة و تحاول تصوير نفسها كتيار اصلاحي
"خدمة"

تعتبر جماعة غولن الجماعة غير السياسية الأبرز في تركيا بمؤسّساتها ومشاريعها المُختلفة المُنتشرة، كما باتت المُنافس الأول لحزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيّب أردوغان، وقد توتّرت العلاقات بينهما في السنتين الأخيرتين.

وتنشط حركة غولن في الولايات المتحدة الأميركية حيث يقيم الآن. وتحاول تصوير نفسها كتيارٍ إصلاحي إسلامي وتدعو إلى التعليم العلماني والتعاون مع الكنيسة والحوار بين الأديان.

وتضم حركة غولن على رجال أعمال يرتبطون به بعلاقات مصلحية، بالإضافة إلى الناشطين معه في مؤسّساته. 

صراع الأخوة الأعداء
صراع السُلطة

تلتقي حركة غولن وحزب الحرية والعدالة في نواحٍ عديدة، ويختلفان في نواحٍ اخرى. فللفريقين هويّة إسلامية قوية وتوجّهات إجتماعية وأخلاقية مُحافِظة، وعلى الرغم من التحالف السياسي الذي كان قائماً في السابق بينهما إلا أن صراع السُلطة واختلاف الرؤى أدّى إلى تعمق الشَرخ بين الرجلين.

وبعد وصول أردوغان إلى السُلطة عام 2002، تحالف الرجلان. وقد ساهم ذلك في ثبيت حكم أردوغان والرئيس عبدالله غول، واستفادت حركة غولن من هذا التحالف عبر تغلغلها أكثر في بُنى المؤسّسات الرسمية. ولكن الرجلين افترقا في السنوات الأخيرة بعد أن تضاربت المصالح مجدّداً، مثلاً الصراع على السيطرة على أجهزة الدولة ومؤسّساتها.

يمتلك أتباع حركة غولن نفوذاً قوياً في الدولة التركية وقد رسّخوا وجودهم بقوة في الشرطة والقضاء والجيش والجهاز البيروقراطي للدولة.

فتح أردوغان الحرب على جماعة الخدمة أو الكيان الموازي كما يُفضّل تسميتهم، محاولاً تقليص حركتهم، فوقّع على قرار الحكومة التركية الذي قضى بإغلاق المؤسّسات التعليمية الخاصة التي تُديرها جماعة فتح الله غولن، وانتهج سياسة تصادمية مع حركته.

وبعد محاولة الانقلاب الفاشلة الأخيرة، حمّل أردوغان غولن مسؤولية الوقوف وراء الانقلابيين، على الرغم من إدانة الأخير للانقلاب وتبرّوئه من مفتعليه. ولكن إقصاء الآلاف من الشرطيين والعسكريين والقضاة والموظفين المدنيين من بُنى الدولة ومؤسّسات التعليم والإعلام يفتح التساؤلات حول استغلال أردوغان الانقلاب الفاشل لتصفية نفوذ غولن في الدولة وترسيخ سلطته، وهو ما قد يؤدّي إلى عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد لفترة غير قصيرة.

اخترنا لك