خاص الميادين: كيف هي الحياة في الرقّة؟ سبيّة الفرات على شاشة الميادين

ليس بالأمر السهل أبداً ان يلتمس المرء حقيقة العيش في عاصمة ما يُسمى خلافة تنظيم داعش، قد تشطح خيالاتنا في تصوّر طريقة تعامل التنظيم مع أهل الرقّة، ولكن أن تسمع الواقع من شخص عايشه، فللأمر وقع صادم.

"الرقّة .. سبيّة الفرات" ميداني من إنتاج الميادين

رولا اسم مستعار لفتاة عشرينية رقّاوية، عائلتها وأهلها وماضي طفولتها عاشته في الرقّة، عايشت احتلال داعش للمدينة، وعانت من القلق المزمن تحت حكم التنظيم.

في أول لقاء مع رولا كان الارتباك واضح في عينيها، الصبيّة العشرينية مكحّلة العينين، استغربت جلوسها مع شاب في مقهى عام، كاشفةً عن وجهها، وهي التي كانت تعيش عزلةً عن المجتمع تفرضه قوانين داعش بالقوة، وبالطبع الويل لمن عصى..

لم تكن الصبية الرقّاوية متحمّسة أبداً لإجراء أي حديث صحفي، وهي التي رفضت التحدث مع أكثر من وسيلة إعلامية، كان هاجسها الأكبر إمكانية أن يعلم التنظيم بهويتها الحقيقية، حيث رددّت مراراً في لقاءاتنا المتعددة رعبها من فكرة معرفة هويتها.

" أنا وأبي و أمي وأخوتي .. كل العائلة ستنتهي في هذه الحالة.. أكيد سيعدموني مع أهلي".

هكذا كانت تعرب عن خوفها.. رويداً رويداً وبعد جهد كبير تمكنتُ من إقناع رولا أن تقدّم لنا حديثاً مصوراً ، قدمتُ كلّ الضمانات.

" لن يظهر وجهك، ولن نتطرق لأمور شخصية، لن نسمح بأي شكل من الأشكال أن يعرف أي شخص هويتك".

بالطبع فإن رغبة الفتاة بكشف هول ما عاينته دفعها إلى الثقة بالميادين لتقدّم واقع الرقة كما هو..

الصبية الخارجة إلى الحرية حديثاً تكلّمت بغصّة كبيرة، عن صعوبة وداعها لأهلها "ودّعت أهلي على أساس انني لن أراهم مجدداً ودعّتهم وكأنهم سيموتون".

هكذا ترددّ حابسةً الدمع في مقلتيها، ثم تمازح لتكسر الجوّ الكئيب.

"أبي لا يريد الخروج وترك أرزاقنا لتنهبها داعش، وأمي لا تخرج دون أبي وأخوتي لا يغادرون المدينة دون أمي .. ما في أحد طلع صاحي في العائلة سواي .." وتضحك ...

تكلمتُ معها كثيراً في تفاصيل حياتها في الرقة، و"الرقّة .. سبيّة الفرات" أظهر جزءاً صغيراً جداً من معاناتها، معاناةُ تحتاج مجلدات لكتابتها ولكن أصول العمل التلفزيوني أجبرتنا على الاختصار..

تتحدث رولا عن رحلة خروجها من الرقة...

"حينما أتى الخبر بموعد المغادرة تملكّني خوف كبير، كنت أعلم انني ذاهبة فإما أصل بسلام أو اُقتل على الطريق، ولكن كان من المستحيل أن أبقى"

وتتابع وصف رحلتها عبر شاحنة النقل "بيك اب"، وكيف أنها لبست لباس أهل الريف وجلست بالقرب من الخضار والقش، وكلب إلى جانبها يبعد عنها الشبهات، انطلقت على أساس أنها راعية أغنام.

"لا تدقيق على هؤلاء لأنهم رعاة يذهبون حيث هناك طعام لاغنامهم". 
وبالفعل تمكنّت رولا من الخروج من الرقة عبر طرق التهريب إلى العراق وبعده دخلت الحدود الأردنية ومنها إلى سوريا لتحط في رحلتها أخيراً في السويداء حيث تنفست الصعداء...

لا يمكن الملل من حديث رولا، كيف ذلك وهي شاهدة عيان على أبشع أساليب الإجرام في التاريخ الحديث، ولكن بلكنتها وحسّ الفكاهة لديها تحوّل الأمر إلى كوميديا سوداء ، تضحكك على واقع مزرٍ تعيشه مدينتها..

" دخلنا في أحد المرات إلى منزل احد الداعشيين كان لنا عمل مع زوجته فوجدت ابنها جالسُ إلى جانب التلفاز المغطى بغطاء أبيض، فاستغربت أنه تارةً يرفع الغطاء، وتارةً ينزله ، فسألت الزوجة عن الأمر، فقالت إن ابنها وفي كل مرة تظهر فتاة غير محجبة على التلفاز ينزل الغطاء وعندما يصبح المعروض آمناً .. يرفعه!!"

تضحك بشدة ثم تقول "تخيّل إلى أي زمن وصلنا هؤلاء يريدون أن يحكمونا!!"

وتتابع رواية القصص عن التنظيم ، عن اعداماته ، عن الحسبة وطريقة معاملتها مع النساء، عن فرض الخوّة على المسيحيين، والتحججّ بأي شيء لأخذ المال من الرقاويين ، عن الأجانب "المهاجرين والأنصار" ، عن جشعهم وظلمهم وقسوتهم ..

هي تتحدّث وأنا أتخيّل ..

سألتها: كيف لفتاة عشرينية عايشت كل هذا وتجرأت بعدها على الهروب رغم المخاطر، تجيب"الحياة هناك ممات .. لا فرق".

 لم استطع أن أحبس كلماتي ورغم أن الأمر منافٍ لما هو متعارف عليه في الصحافة، أبديت رأيي بكل صراحة "انتِ بطلة وما فعلتيه يثبت أن داعش مهما فعل لن تكسر شعباً فيه أنتِ وأمثالكِ".

الميادين وبعد أن سجّلت حديثاً مصوّراً مع رولا تمكنّت من الحصول على صور من قلب مدينة الرقة، وكأن رولا كانت تصف الصور بحذافيرها، رغم أن الاحداث في المادة المصوّرة تدور منذ سنتين تقريباً، إلاّ أنها تطابقت بالكامل مع ما سردته رولا من تفاصيل.

" الرقّة .. سبيّة الفرات" عنوان اخترته بعناية لإيصال الفكرة عما يحدث في الرقة منذ احتلالها ولدحر الأفكار الشمولية تجاه الرقاويين بأنهم جميعاً إرهابيون متعاملون مع داعش .."رولا الرقاوية" هي أصدق مثال أن في الرقة، مواطنون سوريون يقبعون غصباً تحت احتلال تنظيم داعش.

"الرقّة .. سبيّة الفرات" ميداني من إنتاج الميادين يأتيكم الخميس 14تموز/ يوليو 2016 الساعة الثامنة مساءاً.

 

 

اخترنا لك