ريما أبو غوش: يوميات باكستانية يسكنها حلم العودة إلى فلسطين

رغم كون أمها باكستانية شعور الغربة لم يفارقها يوماً. إنها الطبيبة ريما أبو غوش ابنة قرية جينصافوط في قلقيلية في فلسطين المحتلة. بالنسبة لها جزء كبير منها نشأ هناك في فلسطين ولا يزال يحاول هو الآخر أن يلتقي بها يوماً على أرض الأجداد. هنا في الشطر الباكستاني من حياتها تؤمن أن الفلسطينيين يستحقون الحياة ويستحقون الحرية التي تكلفها لهم حياة كريمة.

الطبيبة ريما أبو غوش أمام لوحة للمسجد الأقصى (بعدسة سندس زهرا)
في بيتها المتواضع، استقبلتنا الطبيبة ريما أبو غوش، لتأخذنا في رحلة إلى عالمها الخاص. فريما فلسطينية الأب، باكستانية الأم، عاشت حياتها في أحضان باكستان، فلسطينية في أحلامها وتطلعاتها، حيث لم يفارقها يوماً حلم عودتها إلى بلادها التي لطالما قص والدها لها حكايات عنها ألهبت مشاعرها، جاعلة حلم العودة إلى قريتها جينصافوط الواقعة في الضفة الغربية المحتلة، معتقداً لا يقبل التغيير، رغم ما لها في حياتها من مستقبل مشرق كطبيبة تواصل تخصصها في مجال طب الأطفال.
 
"أنا هنا لكن عقلي وروحي هناك، في فلسطين، حيث قام والدي برعاية الشجرة التي أوصاه والده بالاعتناء بها، فبلدي الحقيقي، هو فلسطين، في باكستان التقى أبي بأمي، ولدت هنا، وللأسف فقدت اتقان اللغة العربية التي أعشقها رغم قلة اتقاني لها" تقول ريما. بالنسبة لها الحقيقة لا يمكن أن تتغير وهي "أننا لا نقبل أبداً التخلي عن أراضي أجدادنا وأملاكنا التي هي قدسية حياتنا وخاصة قدسنا التي هي وجهتنا داخل وخارج فلسطين إلى حين استعادة حقنا من خلال مقاومتنا".  

كان لجد ريما دكان في جينصافوط التي تتبع محافظة قلقيلية. هكذا روى لها والدها فضلاً عن حكايا أخرى عن يومياته في فلسطين. "هو أمر كان يشغل حيزاً كبيراً من مخيلتنا في صغرنا، لذا كان همي الأول عند حصولي على الانترنت رؤية الخرائط والصور لقريتي التي أتحدر منها الأمر الذي دعمني فيه أولاد عمومتي، ليغدو الحلم حقيقة" تقول ريما. ترى الأمر بمثابة "الخطوة الأولى باتجاه تحقيق حلم العودة مع والدي الفلسطيني وأمي الباكستانية إلى بيت جدي وأن نصلي سوية في القدس الشريف".


وكما كان حلم هذه الشابة الفلسطينية الأصل يكبر يوماً بعد يوم كذلك نجاحها الذي نقلها إلى عالم المسؤولية المباشرة وهو ما ولد لديها الشعور الحقيقي بالمسؤولية تجاه أبناء شعبها الفلسطيني بخصوصيته، والباكستاني الذي تعيش واقعه. لكنها عادت لتجد الشعور بالغربة يتزايد في وجدانها، ويشغل حيزاً كبيراً من تفكيرها وتصورها لحياتها ومستقبلها .

"رغم كون أمي باكستانية الغربة شعور لم يغادرني يوماً، فعندما كنت صغيرة كنت أجد أني الفلسطينية الوحيدة بين زملائي في المدرسة، وهو أمر ترك أثره علي في كل الأحوال فزملائي وحسب التقليد المتبع هنا، كانوا يغادرون إلى قراهم للاجتماع مع أسرهم في أيام العطل الصيفية وعطل العيد، أما أنا فلم أتمكن من ذلك يوماً، فقريتي في فلسطين محتلة وهو شعور عميق نما معي ولم يفارقني. حين لاحظت أمي ذلك حاولت تغيير هذا التصور فعملت على أخذي لزيارة أهلها في القرية التي تنتمي إليها فكنت أسألهم "هل هذه فلسطين، هل أنا في طريقي إلى فلسطين؟ ولا تزال أمي وخالتي تتندران بهذه القصة" تستذكر ريما، ثم تجزم "هناك جزء كبير مني نشأ هناك في فلسطين ولا يزال يحاول هو الآخر أن يلتقي بي يوماً على أرض أجدادي". 
 
الحروب التي يجبر الاحتلال الاسرائيلي أبناء الشعب الفلسطيني على خوضها ومواجهة ويلاتها شكلت عند الدكتورة ريما واجهة للتحرك وسط أبناء شعبها الثاني الباكستاني. تقول إن "الكثير من المفاهيم الخاطئة تنشأ مع اليأس ومن أسوأ هذه الأفكار الاعتقاد أن لا قدرة لنا على فعل شيء ضد الاحتلال أو عمل ما يلملم جراحنا، فعمدت إلى النشاطات الطلابية للتعريف بالقضية الفلسطينية ووجدت أن الاستجابة في الأوساط الباكستانية كبيرة حيث تمكنا من جمع مبالغ مالية وتوجيهها عبر الصليب الأحمر إلى ضحايا العدوان الاسرائيلي على غزة. فنحن هنا في الشطر الباكستاني من حياتي نؤمن أن الفلسطينيين يستحقون الحياة ويستحقون الحرية التي تكلفها لهم حياة كريمة". 

يحملون فلسطين في تذكاراتهم حتى يعودوا يوماً (بعدسة سندس زهرا)

اخترنا لك