بين الرياض وطهران.. من يكسب في لعبة الحياد الأميركي؟
صوب واشنطن اتجهت الأنظار مع تدهور العلاقات بين الرياض وطهران. أي موقف ستتخذ الإدارة الأميركية وإلى جانب من ستصطف؟ كان هذا السؤال الذي طرحه كثيرون في لحظة مفصلية من الصراع في المنطقة. سريعاً جاءت الإجابة وإن ليس بشكل مباشر بالوقوف على الحياد. موقف دفع بالرياض إلى تذكير الولايات المتحدة بضرورة التصرف على أساس أنها البلد رقم واحد في العالم.
ثم من الرياض التي عبرت عن قلقها إزاء ما تراه "ميلاً من الولايات المتحدة للعب دور أقل في الشرق الأوسط" كما جاء على لسان ولي ولي العهد محمد بن سلمان في مقابلته مع "الايكونوميست" البريطانية والتي قال فيها "إن على الولايات المتحدة أن تدرك أنها البلد رقم واحد في العالم وعليها أن تتصرف على هذا الأساس".
المتابع للصحف الأميركية وما يكتبه كبار المحللين منذ إعلان الرياض قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران يدرك أن اعتبارات الموقف الأميركي تنبع من مصالح الولايات المتحدة التي يبدو أن تحالفها مع المملكة العربية السعودية تعرض لاهتزازات عديدة في السنوات الأخيرة لعلها أكثر ما تجلت في الملفين النووي الإيراني والسوري. وبالرغم مما يشبه الإجماع على ضرورة وقوف واشنطن على الحياد في الصراع السعودي الإيراني الراهن إلا أن ذلك لم يحجب الآراء المشجعة بقوة على المضي قدماً في العلاقة مع إيران والمنتقدة في المقابل للدور السعودي لا سيما في أزمات المنطقة من العراق إلى سوريا واليمن.
وفق ستيفن كنزر في مجلة "بوليتيكو ماغازين" فإن على "الولايات المتحدة تجنب اختيار أي من الطرفين في الحرب المتصاعدة بين القوتين السنية والشيعية في الشرق الأوسط". يدرك الكاتب "أن التاريخ يملي علينا الميل صوب السعودية حليفنا القديم، لكن إذا نظرنا إلى المستقبل فإن إيران الشريك الأكثر منطقية لأسباب بسيطة وهي أن مصالح الأمن الإيرانية أقرب إلى مصالحنا مما هي عليه المصالح السعودية".
في معادلة كنزر فإن تحقيق الشراكة بين أي بلدين لا يقف فقط عند حدود تقاطع المصالح بينهما. يذهب إلى أبعد من ذلك متحدثاً عن مجتمع أميركي هو أقرب إلى المجتمع الإيراني منه إلى المجتمع السعودي مقارناً في هذا السياق بين واقع المرأة الإيرانية التي تتمتع بدينامية كبيرة وتدير العديد من الأعمال والمرأة السعودية الممنوعة من قيادة السيارة أو السفر بدون إذن رجل في عائلتها، وصولاً إلى المقارنة بين العقيدة القتالية لكل من جيشي البلدين لجهة استقدام الرياض للمرتزقة من أجل خوض الميدان في مقابل استبسال الجندي الإيراني على الأرض. من جملة ما يستحضر كاتب المقال أيضاً دور العناصر السعوديين في عملية التخطيط وتنفيذ هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر فيما شكلت طهرات العاصمة الوحيدة في العالم الإسلامي التي تداعى فيها المواطنون بشكل عفوي من أجل إضاءة الشموع تضامناً مع الضحايا. يضيف كنزر إلى ذلك تقاطع المصالح بين واشنطن وطهران عند محاربة التنظيمات الإرهابية التي يشكل المتمولون السعوديون الداعمين الرئيسيين لها وفق ما تقول وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون في إحدى برقياتها.
انطلاقاً من كل ما تقدم يخلص كنزر إلى اعتبار الوقوف إلى جانب السعودية في مقابل إيران بأنه "كارثة" دون أن يعني ذلك بالضرورة الوقوف في وجهها فهكذا قرار وفق توصيفه سيكون "غير حكيم". لماذا؟
"لأن السعودية تملك أحد المفاتيح الضرورية لمستقبل جديد في الشرق الأوسط ولا يمكننا ادارة هذا المفتاح الا من خلال العمل معها على الرغم من كل ما قامت به لتقويض أمننا القومي" يقول كنزر، الذي يدعو إلى أن يكون التشجيع على التهدئة بين الطرفين أحد اهداف الدبلوماسية الأميركية التي يجب عليها أن تفعل كل ما هو ممكن من أجل تجنب الاختيار بينهما.
بين الرياض وواشنطن الوضع تغير الآن
وفي مقالته في "بلومبرغ فيو" التي حملت عنوان "يمكن للولايات المتحدة أن تنحاز إلى إيران في مقابل السعوديين" يرى فيلدمان أنه "على مدى العلاقة طويلة الأمد بين السعودية والولايات المتحدة الأميركية تجاهل الأميركيون الانتهاكات السعودية لحقوق الانسان والنظام الشمولي القائم في مقابل غض السعوديين الطرف عن الدعم الأميركي الثابت لإسرائيل. فبين الاصدقاء يمكن أن تغفر مثل هذه الانحرافات" لكن "الوضع يتغير الآن ومن المفهوم أن يشعر السعوديون بالعصبية إزاء ذلك".
يتوقف عند الأداء الأميركي إزاء التطور الاخير في العلاقة بين البلدين
وتحديداً اتصال كيري بكل من محمد جواد ظريف وعادل الجبير وهو ما كان ليحدث في
الماضي فضلاً عن الإشادة العلنية للمسؤول السابق في "سي آي ايه" مايكل
موريل بقدرة الإيرانيين على التعامل مع الوضع في طهران.
وفق الكاتب فإن "التفضيل الأميركي للسعودية في الخليج كان نتيجة الإيديولجية والتعنت الايرانيين وليس لميزة استراتيجية تمتلكها المملكة" مشيراً إلى أن "رئيساً جمهورياً مدفوعاً من إسرائيل قد يتخلى عن خطوات إدارة أوباما ويستعيد الايام الخوالي في العلاقة مع السعودية وقد تكون هيلاري كلينتون أكثر صرامة من أوباما مع إيران، بيد أن المرجح ان تستمر السياسة الخارجية على ما هي عليه تجاه إيران بغض النظر عن الخطاب.. أي رئيس أميركي سيكون بحاجة لتحقيق انتصارات في مواجهة الدولة الإسلامية وهذا لا يمكن ان يحدث من دون إيران".
جورج بوش الشرق الأوسط
يجيب رضا ماراتشي في مقالته "تفعل ذلك لأنها ببساطة تعتقد أنها ستنجو بفعلتها" مشيراً في هذا الصدد إلى "أن الزعماء السعوديين ساعدوا في نشوء بعض أسوأ الارهابيين المناهضين للولايات المتحدة دون أن يؤثر ذلك على تحالفهم مع الغرب".
ينتقد مدير الأبحاث في المجلس الوطني الايراني الأميركي "سياسات السعودية في المنطقة لعام 2016 لكونها أكثر سياساتها عنفاً منذ عقود" مشيراً إلى تبني هذا الرأي من قبل مسؤولين أميركيين سابقين اطلعوا على التقرير حول هجمات الحادي عشر من أيلول وما كشفه من علاقة بين الحكومة السعودية والخاطفين.
ويخلص الكاتب إلى أن "الأصوات التي اشترتها المملكة العربية السعودية في واشنطن لن تستطيع تشويه الحقيقة التالية وهي أنها قتلت معارضاً سياسياً وصبت الزيت على نار الطائفية وحرضت باتجاه ازمة دبلوماسية والآن تدعي أنها ضحية" لافتاً إلى أن السعودية قطعت العلاقات مع إيران في وقت اختارت التورط حتى النخاع في حربين متهورتين حتى يمكن القول إن السعودية أصبحت جورج بوش الشرق الأوسط".