كيف نواجه وعد بلفور قانونياً؟
مفكرون وأكاديميون لبنانيون وعرب يقيمون ندوة بعنوان "مقاومة نتائج وعد بلفور"، تطرقت بشكل أساسي إلى أهمية الجانب القانوني في التصدي لهذا الوعد بلفور.

قرن مرّ على وعد بلفور.. 100 عام كافية ليختبر العرب والفلسطينيون مآلات كل ما مهّد لبلفور وما تبعه.. وإذ لا تقوم اللوحة العربية على الهزائم فحسب، إذ هناك جوانب مضيئة حفرتها المقاومة بمسيرتها الطويلة منذ الانتداب، ترى بعض النخب السياسية في العالم العربي ضرورة أن تشتمل المواجهة مع إسرائيل على أكثر من صعيد. ونقصد هنا المواجهة القانونية التي كانت محور الندوة التي عقدت في الجامعة اللبنانية في منطقة الحدث جنوب بيروت.
الندوة التي حملت عنوان "مقاومة نتائج وعد بلفور"، وضمت سياسيين ومفكرين وأساتذة جامعات، تطرقت بشكل أساسي إلى أهمية الجانب القانوني في التصدي لوعد بلفور، الذي اتخذ كل ما أسفر عنه بعداً قانونياً.
فقد رأى عبد الحسين شعبان، الكاتب والمفكر العراقي، أنه بمجرد الحصول على اعتذار بريطاني عن وعد بلفور، فإن هذا سيترتب عليه "أهمية معنوية وأدبية ودبلوماسية وقانونية مستقبلاً". إذ إن الصهيونية العالمية استندت لأربعة أركان هي "الركن الإيديولوجي الذي يقوم على وعد ديني ونبش التاريخ القديم عبر زعم وجود كيانية يهودية سابقة"، وفق شعبان الذي أضاف أنه "بموجب وعد بلفور عام 1917 استند مؤتمر سان ريمون عام 1920 في فرض الانتداب على فلسطين، وكذلك القرار 181 عام 1947 وصولاً إلى إعلان قيام دولة إسرائيل الذي اعتمد أيضاً على هذا الوعد".
وأشار المفكر العراقي إلى أن العرب لم يجابهوا وعد بلفور بشكل قانوني إلا مؤخراً، و "على نحو محدود وهذا تقصير عربي وفلسطيني ينبغي تجاوزه على صعيد السياسات والتحالفات لاحقاً".
دعوة لتفعيل العمل على دمغ الصهيونية بالعنصرية

كلام شعبان جاء في معرض إجابته عن سؤال حول القيمة القانونية لوعد بلفور. إذ قال إنه "إذا كان الوعد رسالة شخصية موجهة إلى فرد بريطاني، فلا قيمة قانونية له. لأن هذا الوعد غير قانوني وباطل وهذا يعني أن ما بني عليه فهو باطل أيضاً"، موضحاً أنه "يجب النقاش في هذا الأمر الآن. لأن ما أقيم على البطلان يراد له اليوم الاستمرار بقرارات وتصريحات باطلة".
ويمكن خوض المعركة القانونية هذه على كافة الصعد، خاصة أن أرشيف الوثائق العربية مليء بكل ما يؤكد عدم قانونية وعد بلفور، وبالتالي بطلان كل ما استتبعه، فضلاً عن التعويض المعنوي للشعب الفلسطيني وباقي الشعوب العربية عن كل ما لحق بهم من قتل ودمار. وهذا لا يقوم إلا من خلال "طلب رسمي من دول ومنظمات عربية لبريطانيا للاعتذار عن الوعد، وأن يتخذ التحرك بعداً دولياً". وتولي إسرائيل أيضاً جانباً كبيراً من القلق إزاء وصفها بالكيان العنصري، خاصة أن لها تجربة في العام 1975 بعد صدور القرار 3379 عن الأمم المتحدة الذي دمغ الصهيونية بالعنصرية، لكن وفي سابقة في تاريخ الأمم المتحدة تم التراجع عن هذا القرار في العام 1991 بضغط إسرائيلي طوال ذلك السنوات. وعليه، دعا شعبان إلى "تفعيل العمل على هذا النحو لإعادة دمغ الصهيونية بالعنصرية، التي ستكون سردية يهودية إسرائيل سبباً إضافياً في ذلك".
اكتفينا بالمؤتمرات والقمم والتنديد

من جانبه، قال وزير الخارجية اللبناني السابق عدنان منصور إن "الانقسام الفلسطيني كان سيد الموقف منذ سنوات، وهو ما خدم إسرائيل التي لا تكف عن اللعب على التناقضات الداخلية الفلسطينية"، مضيفاً أن الفلسطينيين "ينتظرون النجاة فيما العرب في واد سحيق مع وعد بلفور".
واعتبر منصور الذي كان له كلمة في الجلسة الأولى من الندوة أن الصراع العربي - الإسرائيلي "بات من الماضي بعدما هرع بعض العرب إلى اسرائيل"، لافتاً إلى أنه "لم نحقق شيئاً فاكتفينا بالمؤتمرات والقمم والتنديد. وهرتزل الذي لخص مؤتمر بال في مذكراته قال فيها إنه على ثقة من أن الجميع سيعترف بإسرائيل بعد سنة أو خمسة أو خمسين سنة".
أما الأكاديمي كميل حبيب فقد اعتبر أن وعد بلفور كان "مخططاً جهنمياً تقسيمياً نرى نتائجه اليوم في تدمير سوريا والعراق"، رافضاً تحويل القضية الفلسطينية إلى "قضية عقارية، لأنها مسألة وجود وصراع حاد بين الإرادات والحاضر والمستقبل".
وبحسب حبيب فقد حصلت إسرائيل على شرعيتها القانونية فعلاً منذ اتفاق أوسلو عام 1993، حيث "أخذت إسرائيل على كل ما تريده من دون أن تنسحب من الأرض. حصلت على الاعتراف الفلسطيني بها قبل البدء بالتفاوض".
أما مسؤول "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" في لبنان مروان عبد العال، فقد تناول أهمية التذكر والتعلم من خلال مراجعة المئة عام المنصرمة منذ وعد بلفور. إذ قال إنه لا ينبغي الرضوخ للهزيمة لأن "القرن الذي مضى كان فيه مقاومة وكبرياء واستشراف للمستقبل أيضاً"، مضيفاً أن "عدونا ليس إسرائيل فقط، بل اتفاقية سايكس - بيكو التي كانت قبل وعد بلفور، وأراد الغرب منها فصل عرب آسيا عن عرب إفريقيا".