ما هي أسباب التغييرات الحكومية في إيران لإعادة استقرار الأسواق؟

السؤال الذي يطرح نفسه وسط هذه التغييرات المرتقبة ما مدى فاعلياتها في تعزيز الثقة بالحكومة عند المواطن وفي استقرار وثبات الاسواق؟ قد يكون من المبكر الإجابة على هذه التساؤلات راهناً بسبب بروز عوامل خارجية إلى جانب العامل الداخلي تتعلق بالعقوبات التي ستصبح سارية المفعول بحسب وزارة الخزانة الأميركية في الرابع من ت2/ نوفمبر المقبل.

الحكومة تؤكد على امتلاكها احتياطياً وافراً من العملة الصعبة ومن القطع الذهبية التي غالباً ما لها وقعها الخاص على استقرار الأسواق المالية الإيرانية

عندما تدخل إلى بازار الهواتف الجوالة في شارع " حافظ "وسط العاصمة طهران لابتياع هاتف محمول، ينبغي تفقد سعر صرف الدولار في السوق السوداء أولاً وإن لم يتغير السعر قبل الوصول إلى البازار فقد لا يكون المبتغى موجوداً أو أن السعر مرتفع.

 هذا هو الحال في واحد من الأسواق التي تعتمد على الصادرات في إيران. فيقول أحد أصحاب محال الهواتف النقالة إن ارتفاع الدولار مقابل العملة المحلية بشكل مطّرد في الأشهر الأخيرة أجبره على عدم شراء أي هاتف لمتجره إلا بناء على طلب مسبق من الزبون. هذه الحال لا تكاد تكون سوى صورة مصغرة عن واقع تعاني منه بعض الأسواق الإيرانية بسبب الخلل الذي خلّفه تدني سعر التومان مقابل العملات الأجنبية.

بدأت هذه الأزمة بالظهور مع بداية الولاية الثانية للرئيس الإيراني حسن روحاني، لكن الحكومة تؤكد على امتلاكها احتياطياً وافراً من العملة الصعبة ومن القطع الذهبية التي غالباً ما لها وقعها الخاص على استقرار الأسواق المالية الإيرانية. وبرغم هذه التأكيدات ومحاولة بعض اقطاب الحكومة إلقاء اللوم على أطراف داخلية تحاول النيل منها في إطار تصفية حسابات سياسية، إلا أنها لم تستطع ضبط الأسواق والتحكم بسعر صرف الدولار.

مقابل التبريرات التي تطرحها الحكومة، كان للبرلمان رأي آخر. ففي السابع والعشرين من حزيران/يونيو وجه محمد رضا بور إبراهيمي رئيس اللجنة الاقتصادية في البرلمان الإيراني مع غلام رضا تاجكردون رئيس لجنة البرامج والميزانية، رسالة إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني طالباً فيها بتغيير فوري لفريق الحكومة الاقتصادي. واعتبراً أن المجموعة الحالية التي تدير دفة الاقتصاد في الحكومة غير كفء وبالتالي غير قادرة على التخطيط لإخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية. وقد حملت الرسالة إشارة واضحة إلى احتمال تدخل البرلمان بما يتيح له الدستور، لعزل بعض الوزراء بعد استجوابهم ومن بينهم وزير الاقتصاد مسعود كرباسشيان. وقبل ذلك وجه أكثر من 200 نائب من ضمنهم نواب في التيار الإصلاحي، رسالة إلى الرئيس روحاني يحثونه فيها على إجراء تعديلات في الحكومة تتناسب مع التحديات. كما وجه العديد من الاقتصاديين والمثقفين رسائل مشابهة لم تخلُ من مقترحات تفيد برأيهم في الخروج من الأزمة منها إقالة رئيس البنك المركزي ولي الله سيف .

بدأت أولى المؤشرات على اقتناع الرئيس روحاني بضعف بعض المسؤولين في الفريق الاقتصادي، خلال كلمته أمام صحفيين إيرانيين وأجانب قبل يومين من نهاية شهر رمضان المبارك على هامش دعوة إفطار في رئاسة الجمهورية. حيث اعترف الرئيس بوجود تقصير حكومي وبأن بعض الوزراء يفتقدون للحماسة والفعالية الكافية في هذه الظروف الحساسة. ولم يخل ذلك الاجتماع من انتقادات لاذعة وجهها صحافيون إصلاحيون أمام الرئيس روحاني مباشرة في نقد أداء الحكومة الاقتصادي. وقد اعتبروا أن الحكومة التي حصلت على ثقة الناخبين من خلال شعار الأمل الذي رفعته إبان انتخابات رئاسة الجمهورية، قد ألقت اليأس في نفوس المواطنين بسبب رداءة التخطيط والإدارة. لكن الرئيس لم يسارع إلى تلبية مطالب الإصلاحيين والأصوليين على حد سواء لإجراء التعديلات اللازمة على حكومته. إنما أعطى فريقه فرصة لتصحيح المسار وتقديم حلول عملية للخروج من الأزمة. في هذا السياق قدمت مؤسسة التخطيط والميزانية التي يرأسها المتحدث باسم الحكومة وصديق الرئيس روحاني محمد باقر نوبخت، خطة من عدة نقاط لكنها لم تحظَ بالاهتمام المطلوب على ما يبدو. ويعتبر نوبخت إحدى الشخصيات المتهمة بالتقصير من قبل برلمانيين واقتصاديين وقد تردد اسمه كثيراً بناء على تسريبات صحفية بين أسماء الشخصيات المعرّضة للاستقالة أو تغيير مسؤولياتها في إطار التعديلات المتوقعة. لكن تصريح نوبخت بأنه قدم استقالته للرئيس روحاني لم يقبلها الرئيس وكان ذلك مفاجئاً للجميع حتى للصحف الاصلاحية كصحيفة " سازندكي " التي تنبأت بشكل قاطع بمغادرة الرجل في عددها الصادر في اليوم نفسه الذي خرج فيه نوبخت بتصريحه الشهير عقب اجتماع الحكومة، والذي أفضى إلى إقالة ولي الله سيف وتعيين عبد الناصر همتي ( سفير ايران في الصين ) بدلاً منه في رئاسة المصرف المركزي الإيراني. وقد تكون اقالة ولي الله سيف القاطرة التي يمكن أن تجر خلفها تعديلات أخرى تشمل وزارة الاقتصاد ووزارة الرفاهية والضمان الاجتماعي.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه وسط هذه التغييرات المرتقبة ما مدى فاعلياتها في تعزيز الثقة بالحكومة عند المواطن وفي استقرار وثبات الاسواق؟ قد يكون من المبكر الإجابة على هذه التساؤلات راهناً بسبب بروز عوامل خارجية إلى جانب العامل الداخلي تتعلق بالعقوبات التي ستصبح سارية المفعول بحسب وزارة الخزانة الأميركية في الرابع من ت2/ نوفمبر المقبل. لكنها بلا شك ستلعب دوراً إيجابياً في الحد من تأثير العقوبات الأميركية عبر تعزيز الجبهة الداخلية وتحصينها اقتصادياً في إطار غرفة عمليات الحرب الاقتصادية التي أوعز المرشد السيد علي خامنئي للمسؤولين الإيرانيين بتشكيلها لمواجهة التحديات الراهنة.