يخنقهم الجوع فيحاصرونه بالعطاء
يُقدّم العديد من اليمنيين مساعدات لأبناء وطنهم، بالرغم من بساطتها وتواضعها أمام المبالغ المهولة التي تقدمها الدول الأجنبية، إلا أنّها تعني الكثير لليمن واليمنيين. مبادرات وطنية صغيرة انطلقت ونبعت من رحم الحرب لتعطي لليمن الروح والوقت والجهد والمال، وبلا أيّ ثمن. مبادرات أرادت لليمن أن يبقى سعيداً مهما حاولوا إحزانه.
تهدر السعودية سنوياً طعاماً بقيمة 13.3 مليار دولار، محتّلةً صدارة دول الشرق الأوسط، بحسب دراسة لموقع (YouGov) الحكومي البريطاني. قد لا يعني هذا الرقم شيئاً، لو لم يكن هناك 821 مليون شخصاً يعانون من نقص التغذية في العالم، 18 مليون منهم في اليمن، بحسب برنامج الأغذية العالمي.
يحتفل العالم اليوم، 16 تشرين الأوّل/أكتوبر، بيوم الأغذية العالمي، الذي يهدف بحسب تعريف منظمة الأغذية والزراعة إلى "زيادة وعي الرأي العام بمشكلة الجوع، وتعزيز التضامن الدولي في الكفاح ضده". هذا الوعي الذي يسعى العالم لنشره، استيقظ متأخراً في اليمن، بعد أكثر من ثلاث سنوات من الحصار الذي فرضه التحالف السعوديّ، لتجتاح في العام 2018 صور من يموتون جوعاً ويأكلون أوراق الشجر هناك كل الشاشات ووسائل التواصل، بحيث بات 22.2 مليون يمنيّ بحاجة إلى مساعدة إنسانية، و17 مليون لا يعرفون من أين ستأتي وجبتهم التالية، و2.2 مليون يعانون من سوء التغذية الحاد.
هذه الأرقام المرعبة التي تتهافت المنظمات الدولية على نشرها، لا تُحدث فرقاً حقيقياً لدى صنّاع القرار الدوليّ، لإيقاف عدوان مدمّر على شعب قد يكون الجوع بصعوبته هو أسهل ما يعاني منه، أمام القتل والتشريد والمرض، من جهة، ولتمويل مشاريع المنظمات التي تحاول إنقاذ اليمن من المجاعة من جهة أخرى. فبرنامج الأغذية العالمي يعاني نقصاً في التمويل، ويحتاج إلى مبلغ 622 مليون دولار لمساعدة الجائعين في اليمن حتى نهاية 2018.
"نقترب من نقطة سيكون من المستحيل بعدها منع وقوع عدد هائل من الوفيات بسبب المجاعة... إنّنا نخسر الحرب ضد المجاعة في اليمن". بهذه العبارة اعترف مؤخراً وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية مارك لوكوك، ببدء خسارة المعركة ضد الجوع في اليمن، فالأزمة هناك لا تتوقف على نقص التمويل والعجز عن إنقاذ ملايين السكان الذي يتضورون جوعاً اليوم، بل إنّ 10 ملايين يمني آخر سيواجهون بحسب الأمم المتحدة، أوضاع ما قبل المجاعة بنهاية العام الحالي، إذا لم يتمّ التحرك فعلاً لتغيير الوضع الراهن.
وكما ساهم الإعلام العالمي في تهميش اليمن من أجندته، ساهم أيضاً في ترسيخ فكرة أنّ كل من الإمارات والسعودية والولايات المتحدة الأميركية، هم من أكثر الدول التي قدمت مساعدات لليمن في العام 2018. فوفقاً لخدمة التتبع المالي لتوثيق المساعدات التابعة للأمم المتحدة، حصدت الإمارات المركز الأول عالمياً كأكبر دولة مانحة للمساعدات الإنسانية الطارئة لليمن، وحلّت السعودية ثانياً.
قد تكون هذه الأرقام المنشورة حقيقية، ولكن في مقابل ما أهدره التحالف من أرواح وما دمره من مبانٍ وتراث وما شرده من أطفال في عدوانه المستمر على اليمن، كيف يمكن تصنيف هذه المليارات المقدمة؟ وهل تستطيع مهما بلغ حجمها أن تعوّض ولو دمعة واحدة من عين طفل جائع وخائف؟
في الجانب الآخر من الصورة التي يتجاهلها الكثيرون، يُقدّم العديد من اليمنيين مساعدات لأبناء وطنهم، بالرغم من بساطتها وتواضعها أمام المبالغ المهولة التي تقدمها الدول الأجنبية، إلا أنّها تعني الكثير لليمن واليمنيين. مبادرات وطنية صغيرة انطلقت ونبعت من رحم الحرب لتعطي لليمن الروح والوقت والجهد والمال، وبلا أيّ ثمن. مبادرات أرادت لليمن أن يبقى سعيداً مهما حاولوا إحزانه.
منظمة يمن للإغاثة الإنسانية والتنمية (منى)
-
تسعى المبادرة حالياً إلى توزيع أكثر من 1500 سلّة غذائية في المديرية التي اشتهرت بأكل سكانهاً أوراق الشجر جوعاً -
تسعى المبادرة حالياً إلى توزيع أكثر من 1500 سلّة غذائية في المديرية التي اشتهرت بأكل سكانهاً أوراق الشجر جوعاً
انتقل اليمني فاتك الرديني من العمل الصحفي إلى العمل الإنساني، بعد أن ألهمته إمرأة يمنية تدعى "منى" تعرّف إليها عبر "تويتر"، وكانت هي المساهمة في تمويل أوّل مشروع إغاثيّ بمبلغ 900 دولار فقط، وزّع على 32 أسرة عام 2015، مع بدء النزوح هرباً من غارات العدوان.
هذه المبادرة الشخصيّة البسيطة تطورت مع تدهور الوضع الإنساني، ليؤسس الرديني منظمة "منى"، في العاصمة صنعاء، وبفريق عمل يضمّ 13 متطوعاً رئيسياً، بالإضافة الى 120 متطوعاً يساعدون في المسوحات والتقييم والتوزيع على المحافظات الأخرى.
يشير الرديني في حديث مع الميادين نت، إلى أنّ "المنظمة تعمل حالياً في أكثر من 11 محافظة، منها صنعاء والحديدة وحجة ومأرب وصعدة وذمار وتعز"، وتقدم "المساعدات الغذائية عبر سلال تحتوي على المواد الضرورية كالدقيق والأرز والزيت والحليب، بالإضافة إلى تقديم مساعدات إيوائية كالبطانيات والفرش والملابس والحقائب المدرسية وكراسي المقعدين".
وقامت المنظمة حتى الآن بتوزيع 42 ألف سلّة غذائية على الأسر النازحة والمتضررة. وفيما يتعلّق بتمويلها، يؤكد الرديني أنّها "تعتمد على مساعدات من فاعلي الخير في اليمن، وعلى حملات جمع التبرعات المباشرة من السكان، بالإضافة إلى علاقات شراكة مع بعض المنظمات الدولية الإنسانيّة".
وترتكز خطة المبادرة حتى نهاية العام 2018 بحسب الرديني، على "توزيع المساعدات الغذائية العاجلة وحليب الأطفال في مناطق المجاعة، تحديداً في حجة والحديدة، ونسعى حالياً لتوزيع أكثر من 1500 سلّة غذائية في مديرية أسلم بمحافظة حجة، وهي المنطقة التي اشتهرت بأكل سكانهاً أوراق الشجر جوعاً".
طبيبة الجائعين
أسست الدكتورة أشواق محرم بمبادرة شخصية، مجموعة للتنمية والإغاثة الانسانية، وأطلقت مشروع "بنك زاد للطعام" مؤخراً. وتعمل محرم بشكل منفرد ومن دون أيّ دعم، مع تشكيلها فريق تطوّع صغير لخدمة فقراء اليمن وضحايا العدوان.
تروي محرم للميادين نت أنّها "تساعد الفقراء والمحتاجين في المديريات والقرى التابعة لمحافظة الحديدة المنكوبة بإمكانيات بسيطة جدا". بالإضافة إلى عملها على توفير المعونات والمكملات الغذائية والحليب لحالات المجاعة، تقدم محرم "خدمات طبية للمرضى ومتضرري المجاعة، من خلال عيادة متنقلة لإجراء الفحوصات والمعالجة وتوفير الأدوية".
ومن المشاريع الأخرى التي تعمل عليها محرم، "توفير مياه نظيفة للشرب من خلال حفر آبار، وبناء فصول دراسية ومراكز صحية في القرى المحرومة، بالإضافة إلى توفير ماعز وأغنام للأسر الفقيرة التي كانت تعتمد على صيد السمك ومُنعت من ذلك بسبب القصف".
مؤسسة أنجيلا للتنمية والاستجابة الإنسانيّة
-
تناشد المؤسسة اليمنيين دائماً لتقديم الدعم لكي لا تتوقف أعمالها الخيريّة -
تناشد المؤسسة اليمنيين دائماً لتقديم الدعم لكي لا تتوقف أعمالها الخيريّة
في ظل تأزم الوضع الإنساني في اليمن عام 2016، أنشأت الدكتورة أنجيلا أبو أصبع مؤسسة "أنجيلا للتنمية والاستجابة الإنسانية"، كمبادرة غير ربحية متخصصة في المجال التنموي والاستجابة الإنسانية. مشاريع الإغاثة هي اليوم من أولويات المؤسسة، بحيث تعمد إلى القيام بمسوحات ميدانية لتقييم الوضع الإنساني والاحتياجات التي على أساسها ستقوم بتقديم المساعدة.
وأجرت المؤسسة مؤخراً مسحاً ميدانياً للأسر النازحة من أهالي الحديدة في أمانة العاصمة، وتمّ من خلاله توزيع سلال غذائية لهم. كما أطلقت مشروع الحقيبة المدرسية، لتوزيعها على الأطفال المحتاجين الذين يستمرون في تعليمهم رغم كل الظروف القاسية والصعبة التي يعيشونها.
وتعتمد المؤسسة بشكل أساسيّ على تبرعات فاعلي الخير داخل وخارج اليمن، وتناشد اليمنيين دائماً لتقديم الدعم لكي لا تتوقف أعمالها الخيريّة.
ظروف عمل قاسية يفرضها العدوان
ولا يقلّ العمل الإعلاميّ أهمية عن العمل الميداني والإنساني بالنسبة للمبادرات والمؤسسات المستقلة في اليمن، فهي تعمد بشكل دائم عبر مواقعها الإلكترونية وصفحاتها على مواقع التواصل الإجتماعيّ إلى نشر نشاطاتها وطلب المساعدة وشرح الوضع الإنسانيّ الصعب ليصل إلى أكبر عدد ممكن من الناس في العالم.
الكثير من هذه المبادرات التي تأسست بعد الحرب، تعمل في حالة من الخطر الدائم، نتيجة العدوان والقصف المستمر، لكن ذلك لا يوقفها عن تقديم المساعدات في محاولة منها لتخفيف أعباء الحصار.
يؤكد الرديني للميادين نت أنّ "كل طواقم المبادرات، معرضة لأن تكون هدفاً واضحاً لصواريخ الطائرات السعودية"، مشيراً إلى تحديات أخرى تتعلق بـ"الارتفاع الكارثي لأسعار المواد الأساسية والمواد النفطية، الأمر الذي يعرقل عملنا الذي يعتمد بشكل أساسي على تبرعات الناس". وبالرغم من كل المحاولات، تشكو الدكتورة محرم من "قلّة عدد المنظمات والقصور في عملها، في ظلّ وضع أسوأ ممّا يمكن تصوّره".
ويستبعد فاعلو الخير في اليمن تحسن الأوضاع الإنسانية قريباً في ظل الحرب والحصار، متوقعين استمرار المعاناة حتى في حال انتهاء الحرب، لقسوة ما تعرضت له اليمن في السنوات الأخيرة. ويدعو كل من الرديني ومحرم إلى إنهاء الحرب سريعاً، "لأنّنا شعب عظيم يستحق الحياة"، تقول محرم للميادين نت.