يمكنكم قتلنا وسجننا.. لكن لا يمكنكم إغلاق عيون وآذان الناس
"سوف تقتلك الصحافة، لكنها ستبقيك على قيد الحياة أثناء العمل فيها"، عبارة قالها الصحفي الأميركي هوراس غريلي، مؤسس صحفية New-York Tribune، وآمن بها الكثير من الصحفيين حتى قتلوا، أو دفعوا حياتهم ثمناً لقول الحقيقة.
ليس جمال خاشقجي أولهم، وعلى ما يبدو لن يكون آخرهم، فعمليات قتل واغتيال الصحفيين مستمرة وفي تزايد، والضوء الذي سلّط على خاشقجي، حُجب عن صحفيين آخرين، قتلوا وسجنوا وعذبوا من دون أن يُحرّك العالم ساكناً.
واختارت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 2 تشرين الثاني / نوفمبر، يوماً دولياً لـ"إنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين"، وهو اليوم نفسه الذي قُتل فيه الصحفيين الفرنسيين كلود فيرلون وجيزلين دوبون، في محطة "إذاعة فرنسا الدولية" (RFI) عام 2013، بعد أن أجريا مقابلة مع زعيم سياسي محلي شمال مالي.
وأفادت منظمة "اليونسكو" في تقرير لها اليوم الجمعة، أنّه "قد لقي 182 صحفياً مصرعهم بين عامي 2016 و2017 أثناء أداء عملهم، كما أنّ العام 2018 شهد مقتل 86 صحفياً"، كما أكدت أنّه "لقي أكثر من ألف صحفي حتفهم بين عامي 2006 و2017 في جميع أنحاء العالم".
وأوضحت المنظمة أنّه "قد تخطت نسبة الصحفيين الذين قتلوا العام الماضي في البلدان التي لا تشهد نزاعات مسلحة (55%) لأول مرة في التاريخ نسبة الصحفيين الذين قتلوا في البلاد التي تشهد نزاعات مسلحة". وأشارت المنظمة إلى أنّه شهد العقد المنصرم زيادة ملحوظة في عدد الصحفيات اللواتي لقين حتفهن خلال عملهن، فقد رصدت المنظمة في عام 2017 "مقتل 11 صحفية، وهو أكبر عدد للضحايا من الصحفيات منذ 2006"، كما أنّ الصحفيات معرضات أكثر للتحرش الجنسي واللفظي والمضايقات على الإنترنت.
وفي تفصيلها للأرقام، أكدت المنظمة أنّ "93% من حالات قتل الصحفيين هي لصحفيين محليين و7% فقط من المراسلين الأجانب، وأنّ 93% من الصحفيين الذين قتلوا هم من الرجال بينما 7% منهم من النساء". وبخصوص المناطق التي يقتل فيها الصحفيون، حازت المنطقة العربية على النسبة الأعلى بـ33.5%، و26% في آسيا ومنطقة المحيط الهادىء، و22.9% من أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، و11.6% من افريقيا، و4% من أوروبا الوسطى والشرقية، و2.5% من أوروبا الغربية وأميركا الشمالية.
وتحدثت المنظمة عن أنّه "لا تزال ظاهرة الإفلات من العقاب على هذه الجرائم متفشية، إذ لا تقدّم للعدالة إلا جريمة واحدة فقط من بين 10 جرائم ترتكب ضد الصحفيين".
ومن ناحيتها، أحصت منظمة "مراسلون بلا حدود"، مقتل 62 صحفياً و11 صحافياً مواطناً و4 صحفيين معاونين في العام 2018. وبخصوص سجن الصحفيين، أكدت المنظمة أن "186 صحفياً و150 صحفياً مواطناً و19 معاوناً صحفياً يقبعون في السجن الآن".
وتتربع كل من مصر وتركيا والمملكة العربية السعودية على عرش الدول التي تسجن الصحافيين، بحيث يُسجن اليوم 27 صحفياً في كل من مصر وتركيا، و13 صحفياً في السعودية. كما تصنف المنظمة كلاً من السعودية ومصر وتركيا واليمن والسودان وسوريا والصين وكوريا الشمالية في أسفل مؤشر حرية الصحافة في العالم خلال العام 2018 من أصل 180 دولة.
كما نشرت منظمة Press Emblem Campaign غير الحكومية، تقريراً جديداً لها، أكدت فيه أنّه "بلغ عدد القتلى الصحفيين أثناء أدائهم مهام وظائفهم، خلال الأشهر الـ10 الأولى من العام الجاري، 106 لقوا مصرعهم في 36 دولة، وتجاوز هذا الرقم عدد قتلى الصحفيين خلال العام 2017، حين سجلت 99 جريمة قتل بحقهم".
وتصدرت أفغانستان قائمة الدول الأخطر على حياة الصحفيين (17 حالة)، لتتبعها المكسيك (15)، فيما حلّ اليمن في المرتبة الثالثة (8 حالات). ودعت المنظمة التي تحظى بصفة استشارية لدى الأمم المتحدة، المجتمع الدولي إلى "إجراء تحقيقات مستقلة في قتل الصحفيين ومحاسبة المسؤولين عن تلك الجرائم قضائياً".
ومن جهته، ناشد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، أمس الخميس، "الحكومات والمجتمع الدولي توفير الحماية للصحفيين وخلق الظروف التي يحتاجونها لمزاولة عملهم". وأضاف: "أحيي الصحفيين الذي يؤدون عملهم كل يوم بالرغم مما يتعرضون له من ترهيب ويتهددهم من أخطار. فعملهم - وعمل من قضى من زميلاتهم وزملائهم - يذكّرنا بأن الحقيقة لا تموت أبداً".
وكانت "الميادين" من الوسائل الإعلامية التي قدمت شهيداً في مسيرتها، وهو الزميل المصوّر عمر عبد القادر، الذي استشهد خلال تغطيته المعارك في مدينة دير الزور في العام 2014.
صحفيين قتلوا أو سجنوا بسبب تحقيقاتهم
وغالباً ما يُقتل العديد من الصحفيين بسبب تحقيقات استقصائية أنجزوها وكشفت حقائق ترتبط بقضايا فساد وتمسّ شخصيات سياسية وعامة.
1-الصحفية البلغارية فيكتوريا مارينوفا:
تُعتبر عملية قتل مارينوفا من أكثر الجرائم الوحشية التي قد يتعرض لها الصحفيون في العالم، بحيث عُثر عليها مقتولة بعد تعرضها للاغتصاب بتاريخ 6 تشرين الأوّل / أكتوبر 2018، بعد عرضها الحلقة الأولى من برنامجها "الكاشف" على قناة "TVN" البلغارية، والتي كشفت فيها تورط شركات خاصة في قضايا فساد مرتبطة بهدر في إنفاق أموال الاتحاد الأوروبي.
2- الصحفية المالطية دافني كاروانا غاليزيا:
"هناك أوغاد في كل مكان تنظر إليه الآن، لقد أصبح الوضع مؤسفاً"، كانت هذه آخر تغريدة كتبتها غاليزيا على حسابها على تويتر في 16 تشرين الأول / أكتوبر 2017، قبل أن يتمّ تفجير سيارتها بسبب عملها على تحقيق يستند على وثائق بنما، ويكشف عن تورط رجال أعمال بارزين، وشخصيات سياسية بملفات الفساد والتهرب الضريبي في بلدها، أبرزهم رئيس الوزراء المالطي جوزيف موسكات.
3- الصحفيين وا لون وكياو سوي أو:
وجهت ميانمار في كانون الأوّل / ديسمبر الماضي، تهمة "انتهاك أسرار الدولة" إلى الصحفيين وا لون وكياو سوي أو في وكالة "رويترز"، وحكمتها بالسجن لمدة سبع سنوات، بعدما أجريا تحقيقاً استقصائياً عن مجزرة ارتكبها الجيش وراح ضحيتها عشرة من مسلمي الروهينغا في ولاية راخين. وأطلقت حملة تضامن واسعة مع الصحفيين، وانتشر هاشتاغ #ArrestUsToo (اعتقلونا نحن أيضاً)، وقال أحدهما بعد الحكم عليه: "يمكنكم وضعنا في السجن، ولكن لا يمكنكم إغلاق عيون وآذان الناس".
السعودية.. سجن كبير للصحفيين
ضج العالم مؤخراً بحادثة مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول، لكن خاشقجي ليس الوحيد الذي عمدت المملكة إلى إسكات صوته، بل سبقه العديد من الصحفيين الذين لا يزالون يقبعون داخل السجون حتى اليوم، نذكر منهم:
1-رائف بدوي:
احتجز المدون رائف بدوي منذ 17 حزيران / يونيو 2012، بتهمة "إهانة الإسلام"، وحُكم عليه عام 2014، بالسجن لمدة 10 سنوات بالإضافة إلى 1000 جلدة، مع منعه من السفر لمدة 10 سنوات أخرى بعد انتهاء فترة حبسه وغرامة تقدر بحوالي 226 ألف دولار.
2- وليد أبو الخير:
اتهمت السلطات السعودية مؤسس "مرصد حقوق الإنسان" وليد أبو الخير بـ"تحريض الرأي العام ضد السلطات وإهانة القضاء والإدلاء بتصريحات كاذبة وغير موثقة مع نية الإساءة إلى سمعة المملكة والتحريض ضدها، بالإضافة إلى إنشاء جمعية غير مرخص لها"، وهو محتجز منذ 15 نيسان / أبريل 2014، وحُكم عليه بالسجن لمدة 15 سنة، مع منعه من مغادرة البلاد لمدة 15 سنة أخرى بعد انتهاء فترة حبسه.
3- إيمان النفجان:
تحتجز إيمان النفجان منذ مايو/أيار 2018، وجريمتها غير معروفة، ولكن تكفيها صفتيّ "ناشطة نسوية" ومؤسسة "مدونة المرأة السعودية" لتكون متهمة من قبل السلطات السعودية بـ"الاعتداء على أمن المملكة واستقرارها، وإجراء اتصالات مشبوهة مع جهات أجنبية". وهو الحال نفسه مع المدونة نسيمة السادة المحتجزة منذ 1 آب / أغسطس 2018، بعد أن تعرضت للمنع من مغادرة البلاد، بسبب نشاطها وكتاباتها.
4-طراد العمري:
ߔ䰟䴰 الإعلام تحجب بكل أسف موقع الصحيفة التي نشر فيها مقالي "السعودية: تبقى أو لا تبقى"، وهي تخالف توجه الملك في "رحم الله من أهدى إلي عيوبي".
— TURAD طراد العمري (@Saudianalyst) ٨ نوفمبر ٢٠١٦
تعتبر منظمة "مراسلون بلا حدود" العمري من عداد المختفين منذ تشرين الثاني / نوفمبر 2016، وذلك بعد تغريدة له انتقد فيها حجب مقال حساس له، واعترض فيها على موجة الخنق التي تطال وسائل الإعلام في السعودية. كما تؤكد المنظمة اختفاء العديد من الصحفيين السعوديين في السنوات الأخيرة.
فلسطين.. الإحتلال يمعن في قتل وقمع الصحفيين
منذ بداية مسيرات العودة في 30 آذار / مارس الماضي، قتل الإحتلال الإسرائيلي صحفيان فلسطينيان بالرصاص الحيّ، وهما المصوّر ياسر مرتجى مؤسس وكالة "عين ميديا" المستقلة، ومراسل إذاعة "صوت الشعب" و"شبكة بيسان الإخبارية" أحمد أبو حسين، بالإضافة إلى اصابة نحو 20 صحفياً، بالرغم من أنهم يرتدون سترة تظهر بوضوح طبيعة عملهم الصحفي.
كما تستمر قوّات الإحتلال الإسرائيلي باعتقال الصحفيين الفلسطينيين بتهمة "التحريض على الكراهية"، بالإضافة إلى إغلاقها لـ17 وسيلة إعلامية ووكالة أنباء فلسطينية خلال العام الماضي، بحسب المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية "مدى".
وتحدث المركز عن مقتل 43 صحافياً على أيدي قوات الاحتلال منذ العام 2000، معتبراً أنّ هذا الرقم "ما كان ليتصاعد بهذه الوتيرة، لو تمّت ملاحقة ومعاقبة المرتكبين".