هل يطلق لبنان صندوق عودة النازحين رغم المشورة الدولية المشبوهة؟
الأسد عرّج على مسألة الفساد في ملف النازحين سواء من قبل بعض المسؤولين في الدول المضيفة أو الهيئات الدولية، وهذا ما يتجلى في لبنان بصورة واضحة لا تحتاج للكثير من التمحيص، فالسوريون وكذلك اللبنانييون يسمعون عن مئات الملايين من الدولارات التي تصرف على النازحين دون أن يلمسوا ذلك، والأهم دون وجود أي هيئة تدقق في الحسابات!

سطّرت الأسبوع المنصرم "مجموعة الأزمات الدولية" في تقريرها الأخير والمنشور على موقعها الإلكتروني واحدة من أخطر التوصيات لمن يعنيهم الأمر. فالمنظمة الدولية غير الحكومية والتي تعد من المصادر العالمية الأولى للتحليلات والمشورة التي تقدمها للحكومات، والمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والبنك الدولي اوصت بما حرفيته "على القوى الدولية الفاعلة أن تساهم بتحقيق وصول مساعدات إنسانية أفضل إلى الجنوب وألا تشجع عودة اللاجئين إلى أن تتحسن الظروف". وتحسين الظروف عبارة مطاطة وقد تطول لثماني سنوات جديدة.
وعليه لم يعد ما أجرته السلطات اللبنانية من تحقيقات في وقت سابق وبخاصة من قبل الأمن العام ووزارة الخارجية عن تورط منظمات دولية بتحريض النازحين على عدم العودة إلى بلادهم سراً، فالمعنيون ولو بلبوس غير حكومي باتوا يجاهرون بتلك التوصيات المحرضة على عدم العودة.
فما سر هذا الاصرار الدولي على عرقلة عودة النازحين إلى سوريا؟ وهل في جعبة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون الحامل لواء هذه القضية لبنانياً حل لذلك؟
لعل الرئيس السوري بشار الأسد أدق من أجاب على السؤال الأول في خطابه الأخير أمام مسؤولي الادارة المحلية المنتخبين حيث قال:
"العامل الأساسي الذي أبطأ عودة الكثير من اللاجئين خارج سوريا إلى داخل الوطن هو حقيقة أن الدول المعنية بملف اللاجئين هي التي تعرقل عودتهم فلا يخفى عليكم أن الدعامة الأساسية للمخطط المرسوم لسورية من خلال الحرب، أو إحدى الدعامات الأساسية، كانت موضوع اللاجئين".
وكشف الأسد أن موضوع اللاجئين ابتدأ التحضير له منذ حوالى عام قبل الحرب من خلال التحضير لمعسكرات اللاجئين في عدد من الدول المجاورة والهدف من هذا الشيء كان في ذلك الوقت البدء بالتحضير لخلق معاناة إنسانية.. زيادة عدد اللاجئين.. إدانة الدولة السورية، وطبعاً كلما زاد عدد اللاجئين كانت الإدانة أقوى وكان تعاطف الرأي العام العالمي ضد سوريا أكبر، وبالتالي كلما كانت إمكانية فرض عقوبات أشد على الشعب السوري ممكنة أكثر على اعتبار أن الدولة السورية هي المعنية أو المسؤولة عن هذه المعاناة".
الأسد عرّج على مسألة الفساد في ملف النازحين سواء من قبل بعض المسؤولين في الدول المضيفة أو الهيئات الدولية، وهذا ما يتجلى في لبنان بصورة واضحة لا تحتاج للكثير من التمحيص، فالسوريون وكذلك اللبنانييون يسمعون عن مئات الملايين من الدولارات التي تصرف على النازحين دون أن يلمسوا ذلك، والأهم دون وجود أي هيئة تدقق في الحسابات!
وفضلاً عن عامليْ السياسة والفساد يبدو أن هناك عاملين آخرين أساسيين يضافان إلى لائحة أسباب عرقلة عودة النازحين. الأول يتمثل بعدم رغبة الهيئات الدولية ومن يقف خلفها وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية بإلتحاق من بلغوا سن الخدمة العسكرية (التجنيد) في الجيش العربي السوري وبالتالي المشاركة في قتال بقايا المجموعات التكفيرية والقوى التقسمية المدعومة من الأميركيين.
ولذلك غالباً ما يرافق لقاءات المسؤولين الأممين مع النازحين التحذير من العودة وخطورة الإلتحاق بالقوى العسكرية. فضلاً عن المطالبات العلنية بإلغاء خدمة الإحتياط العسكرية للعائدين وهذا ما يتنافى مع العدالة الاجتماعية بحيث يقاتل المقيم دفاعاً عن أرضه ويعفى النازح من ذلك الواجب والشرف!
أما السبب الأساسي الرابع فهو عرقلة جهود اعادة الإعمار، فورشة الإعمار غير المرحب بها أميركياً لا تحتاج فقط الى رؤوس الاموال بل إلى اليد العاملة وهذا ما تؤمن جزءاً أساسياً عودة النازحين.
وعليه عوامل عدة تتكتل لإصرار المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الاميركية لعرقلة عودة النازحين ولعل ابرزها الاستغلال السياسي والمالي فضلا عن عرقلة اعادة الاعمار والتحاق الشباب السوري بجيش بلاده.
وأمام هذه العراقيل ما الحل؟وهل يقف لبنان مكتوف اليدين؟
بالتفاف شعبي حول أولوية عودة النازحين ودعم كنسي تجلى بمواقف بطريرك الموارنة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وقوة دفع من حزب الله الذي أسس ملفاً خاصاً بعودة النازحين وعين على رأسه النائب السابق نوار الساحلي يبدو رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عازماً على تحقيق نقلة نوعية في ملف النازحين في اضافة الى جهود الامن العام ومديره اللواء عباس ابراهيم الذي جاهد وحيداً على خط العودة رغم تعرضه للكثير من العرقلة ولعل ابرزها من الوزير السابق لشؤون الدولة للنازحين معين المرعبي.
ومن بين المؤشرات الجدية على طريق عودة النازحين ما يلي:
انتزاع حقيبة الدولة لشؤون النازحين من فريق تيار المستقبل العاجز عن مخالفة الاجندة الدولية وخاصة السعودية والامريكية وتعيين صالح الغريب من الحزب الديمقراطي الذي يرأسه الوزير طلال ارسلان الصديق الشخصي والسياسي للرئيس الاسد. تغيير أولويات الغريب بدفعه الى افتتاح اجندته الوزارية بزيارة سوريا ولقائه وزير الادارة المحلية حسين مخلوف في دلالة لا تحتاج الى الكثير من التحليل.
ومن المؤشرات الايجابية ما تضمنه البيان الوزاري للحكومة الجديدة وفيه احتضان وتبني للمبادرة الروسية لعودة النازحين.
إلا أن هذه المؤشرات غير كافية وتحتاج إلى خطوات أكثر عملية. ولعل من بين تلك الأفكار الأكثر واقعية هي تأسيس صندوق لعودة النازحين في محاكاة لصندوق المهجرين الذي عرفه اللبنانيون بعد انتهاء الحرب الاهلية، واعتماد الية دفع التعويضات للنازحين للعودة الى ديارهم.
الا أن هذا الحل يحتاج الى تأمين الاموال اللازمة،فضلا عن شجاعة تحدي الارادة الخارجية الرافضة لعودة النازحين والمعرقلة لجهود اعادة اعمار سوريا.
وعليه ستشهد المرحلة المقبل المزيد من شد الحبال محليا وإقليمياً ودولياً في مسألة النازحين، واذا لم يتحل اللبنانيون بشجاعة الإقدام نحو سوريا وصرف المساعدات الدولية للنازحين داخل الاراضي السورية فلبنان أمام تجربة تحاكي اللجوء الفلسطيني بما يحمل من مأساة للشعبين المقيم والنازح.
يذكر أن زيارة سيقوم بها مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي إلى بيروت الأسبوع المقبل.