موسكو تنتظر من واشنطن نديةً في العلاقات ولكن ليس على حساب المصالح والحلفاء

عاصمة الشمال الفنلندي، مدينة روفانييمي، استضافت اجتماعاً لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأميركي مايك بومبيو. هذا الحدث الذي عقد على هامش اجتماع مجلس القطب الشمالي، من الصعب بمكان، التقليل من أهميته لجملة من الأسباب.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي دونالد ترامب

أولاً، جاء الاجتماع بعد بضعة أيام على إجراء مكالمة هاتفية طويلة بين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب. تحدث رئيسا روسيا والولايات المتحدة لمدة ساعة ونصف الساعة، وبعد ذلك نشر سيد البيت الأبيض في مدونته على تويتر تغريدة رنانة حول "المستقبل المشرق" للعلاقات مع روسيا.

ثانياً، كان من المهم أن نفهم كيف سيتطور الحوار بين لافروف وبومبيو، خصوصاً أن هذا الحوار يكاد ينعدم بينهما حتى الآن.

وهذه القناة مهمة جداً، إن لم تكن الأهم بين البلدين، بالنظر إلى تراكم خلافات جوهرية عميقة بين روسيا والولايات المتحدة أكثر من المعتاد. ومن بينها القضية النووية الإيرانية، وانسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى، والحادثة في مضيق كيرتش كجزء من الخلاف حول أوكرانيا، وسوريا، وفنزويلا في نهاية المطاف.

لقاءٌ بناءٌ لم تغب عنه الغرائب

لافروف وبومبيو

الغرائب لم تغب عن لقاء الوزيرين في بلاد البابا نوئيل (سانتا كلاوس). طائرة لافروف تأخرت كثيراً قبل الإقلاع من موسكو، لأن الوزير كان يحصل على التوجيهات من رئيسه. وفي المحصلة وصل لافروف إلى روفانييمي قبل دقائق فقط من موعد اجتماعه مع بومبيو، وفي البروتوكول الذي سبق اللقاء وقف بومبيو والعلم الروسي خلفه، أما لافروف فكان العلم الأميركي خلفه.

رئيس الدبلوماسية الروسية انتبه إلى هذه الحقيقة واصفاً إياها "بالتقليد الغريب"، لأنها ليست الحادثة الأولى.

محادثة الوزيرين خلف الأبواب المغلقة استمرت لأكثر من ساعة، ووفقاً لوزير الخارجية الروسية فإن اللقاء كان بناءً وخطوةً جيدةً جداً تطويراً لخطوات سابقة تم التطرق إليها خلال المكالمة الهاتفية بين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب.

وثم اتضح أن المقصود هو أن لافروف وبومبيو سوف يجتمعان مرة أخرى في غضون أيام في سوتشي. وربما سيستقبل بوتين أيضاً بومبيو، لتهيئة الأرضية لمؤتمر قمة جديد بين الرئيسين. اللافت أن الوزيرين تحدثا عن أجواء إيجابية وبناءة للاجتماع بينهما.

سيرغي لافروف:
"حظينا بمحادثة جيدة وبناءة. ونظرنا في عدد من القضايا الإقليمية المدرجة على جدول الأعمال الدولي الراهن، وناقشنا المسائل المتعلقة بالاستقرار الاستراتيجي".

الوزير الروسي كان دبلوماسياً جداً، وتجنب التصريحات القاسية عن البيت الأبيض، مبيناً أن واشنطن تدرك أنه من المستحيل حل الأزمة الفنزويلية بالوسائل العسكرية. 

مايك بومبيو أشاد هو الآخر بالمحادثات.

ووفقاً لما ذكره فقد تم التطرق إلى طائفة واسعة من المواضيع.

وأشار إلى أن الطرفين يعتزمان إحراز تقدم كبير بشأن المسائل التي تتقاطع فيها مواقف روسيا والولايات المتحدة.

هل هي بداية ذوبان الجليد؟

ترامب يهدي بوتين كرة

السؤال المطروح الآن هو: ما الذي ينتظر العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة؟ هل من الممكن إيجاد نقاط تقاطع جديدة على الأقل؟ محاولات "إعادة تفعيل" العلاقات كانت كثيرة بالفعل، لكن ذلك لم يؤدي حتى الآن إلى اختراقات.

وعلى الرغم من كل المشاكل في علاقات روسيا مع الغرب، إلا أن موسكو ترى من الضروري إجراء حوار استراتيجي مفتوح، ولكن في الوقت نفسه تؤكد تمسكها بالمواقف المبدئية في دفاعها عن المصالح القومية وعن حلفائها وعن ثوابت الشرعية الدولية. 

بوتين سدد الكرة إلى ملعب ترامب الذي يقول بشكل دوري إنه يريد تحسين العلاقات مع روسيا، وعلى هذه التصريحات يتلقى الكثير من اللوم من خصومه. ولكن بعد نشر تقرير موللر، يبدو الرئيس الأميركي أكثر ثقة بالنفس. فهل سيبدأ بالذوبان الجليد العائق لتحسين العلاقات الروسية الأميركية؟

الخلافات كثيرة بين البلدين: أوكرانيا، إيران، سوريا، فنزويلا. وفي مجلس القطب الشمالي في فنلندا أعرب وزير خارجية الولايات المتحدة عن قلق محادٍ للذعر من طموحات روسيا في خطوط العرض لشمال الكرة الأرضية.

مايك بومبيو: "يترك الجنود الروس بالفعل آثار البساطيل العسكرية على ثلج القطب الشمالي. موسكو أعلنت رسميا عن زيادة وجودها العسكري في المنطقة في عام 2014، عندما إعادت فتح قاعدة عسكرية هناك تعود لزمن الحرب الباردة". 

لكن مع ذلك يتواصل الحوار بين روسيا والولايات المتحدة. وفي الشهر المقبل ستتاح لفلاديمير بوتين ودونالد ترامب فرصة للتحدث وجهاً لوجه في مؤتمر قمة مجموعة العشرين في أوساكا اليابانية.

وفي أروقة السلطة الروسية يعتقد أن الأميركيين بدأوا يفهمون أن لا سبيل أمامهم إلا أن يوافقوا عاجلاً، أفضل من آجل، على اللعب على قدم المساواة مع روسيا بقواعد سليمة وجماعية للعبة بشأن القضايا الإقليمية والعالمية الراهنة، وأن على كل بلد أن يحترم مصالح البلد الآخر ومناطق نفوذه، أي لا مفر من الندية في العلاقات!

اخترنا لك