سون.. يعيش في حلمه وسرّ نجاحه والده!
سون هيونغ مين، اللاعب الكوري الجنوبي يتصدر العناوين الرياضية في الأسابيع الماضية، لكن السر خلف هذا اللاعب وشخصيته الفريدة يكمن في علاقته مع والده، ومشاعره الإنسانية، حيث لم يفصل بين إنسانيته ومكانته كلاعب كرة قدم.
يعتبر البعض لاعب كرة القدم ذاك المحظوظ الذي ربح ورقة اليانصيب، ليكون الناجي من العمل في المصانع أو على كرسي مكتب. ينظر إليه كثرٌ على أنه الرجل الذي يُدفع له الكثير من المال ليقدم المتعة فقط. وكلما ازدادت شهرته وأمواله أصبح أسيرًا أكثر؛ أسير الواجب بتقديم المزيد من المتعة والسعي إلى الإنتصار.
في الحقيقة، تدفع العاطفة الجمهور في الكثير من الأحيان إلى تجريد اللاعب من إنسانيته، فينسون بذلك أنه قد يتعرض لإصابة تنهي مسيرته وترافقه كامل أيامه. لم يصل أي لاعب للقمة بسهولة بل مرّ بمراحل عديدة تحمل فيها الكثير، منها التعوّد على التدريب اليومي، والنظام الغذائي والاجتماعي المضبوط، وضغوطات نفسية وإصابات جسدية منذ صغره حتى نضوجه.
ومن هذه الصعوبات أيضًا، أن تترك منزلك في كوريا الجنوبية في سنّ صغيرة وتذهب للاحتراف في بلد بعيد عن أهلك. وهذا ما حدث مع سون هيونغ مين الكوري الجنوبي، نجم توتنهام الإنكليزي، الذي يمكن اعتباره واحدًا من أفضل اللاعبين في تاريخ آسيا وربما أفضلهم من الناحية الفنية، سون الذي يظهر عاطفة كبيرة داخل الملعب وخارجه آخرها بكاؤه بعد إصابة أندريه غوميز في مباراة ايفرتون وتوتنهام الأخيرة.
"هذا الشبل من ذاك الأسد"
ترك سون كوريا الجنوبية في سن السادسة عشر متوجهًا إلى مدينة هامبورغ الألمانية تاركًا فريق طفولته سيول ليلعب في فريق هامبورغ تحت 17 عامًا. تمت ترقيته لفريق الشباب تحت 19 عامًا فيما بعد، وعاد إلى كوريا لناديه على سبيل الإعارة في العام 2009 لمدة ستة أشهر. وبعد العودة بعام نجح سون في إثبات موهبته ليصعد السلم إلى الفريق الأول.
لم يحتج سون إلى الكثير من الوقت ليثبت علوّ كعبه، ففي العام 2013 انتقل إلى واحد من أعرق الأندية في ألمانيا، باير ليفركوزن. ومن جديد أثبت قيمته الكروية ليسافر إلى لندن منضمًا إلى ناديه الحالي توتنهام، حيث تطور بشكل ملفت ليصبح في الموسمين الماضيين واحداً من أفضل اللاعبين في العالم. يحكي سون في مقابلة له، كيف اضطر إلى تعلم الألمانية والإنكليزية وكمّ الصعوبات التي واجهته في التواصل والتأقلم مع البيئة الجديدة.
قبل كل هذه الصولات والجولات قصصٌ يحملها سون معه عن والده الذي قرر أن يجعل من أبنائه لاعبي كرة قدم، حيث كان الوالد وونغ جونغ الأب لاعبًا للكرة أيضًا.
يروي سون في إحدى مقابلته كيف ساعده والده على تجنب المشكلات والعقبات، وكيف عمل على تدريبه وتطويره. لا شك أن موهبة سون الكروية فطرية، لكن الوالد عمل على تطويرها، حيث كان يجبره على ركل الكرة دون إسقاطها لمدة 4 ساعات متواصلة دون أن تسقط إلى الأرض، وكان سون يبلغ في ذلك الوقت العاشرة فقط.
يقول سون حول هذه القصة: "بعد نحو 3 ساعات، بدأت أرى الكرة الواحدة 3 كرات، وبدأت أرى الأرض حمراء اللون، وشعرت بتعب شديد"، ويضيف "نعم، لم تسقط الكرة على الأرض ولا مرة واحدة طوال هذه المدة".
يشير سون إلى حكاية أخرى عن والده والعقوبة "عندما كنت في العاشرة أو الثانية عشرة من عمري، جاء والدي لتدريب فريق كرة القدم بالمدرسة التي كنت ملتحقاً بها، وكنّا نحو 15 أو 20 لاعباً. وكنّا نشارك في تدريب لركل الكرة وعدم السماح لها بالسقوط على الأرض لمدة 40 دقيقة. وعندما كان يُسقط أي منا الكرة على الأرض، لم يكن والدي يقول أي شيء. لكن عندما سقطت الكرة مني أنا على الأرض، طلب والدي منا أن نعيد التدريب من البداية مرة أخرى. وأدرك اللاعبون أن والدي قام بذلك نظراً لأنني نجله، وقد كان غاضباً في حقيقة الأمر. لكن عندما تنظر إلى الأمر الآن، تدرك أنه كان على صواب".
هذه الذكريات التي يرويها سون تعكس الدور الذي لعبه والده في بناء شخصيته المثابرة، إضافة إلى أن سون العالمي اليوم لم يصل إلى ما هو عليه من فراغ، إنما كان هناك من يقوم ببناء شخصيته كلاعب قبل العمل على تطويرها فقط من الناحية الجسدية والفنية.
سون يعيش داخل حلمه… الرجل العاطفي
يظهر سون مبتسمًا دائمًا، وفي مقابلة لتيري هنري مع سون لشبكة سكاي سبورتس سأله عن سبب هذه الابتسامة الدائمة، وباختصار شديد أجاب إنه يعيش في حلمه، وأمنية كل طفل يحب كرة القدم أن يصبح لاعب كرة قدم محترف.
وفي مقابل هذه الإبتسامة الكثير من الدموع التي ذرفها سون، بعضها مرتبط بالخسارة وأخرى مرتبطة بالانتصارات. لقد تعلم سون من والده أن يسعى دائمًا إلى الإنتصار ولا بديل عن ذلك.
في عام 2011 خسر سون مع منتخب بلاده نهائي كأس آسيا. في كأس العالم 2014 خسرت كوريا من الجزائر وخرجت من كأس العالم من دور المجموعات.
في العام 2015 خسرت كوريا نهائي كأس آسيا من جديد وكان سون متوهجًا في ذلك العام مع ناديه ومنتخبه.
وفي كأس العالم 2018 خسرت كوريا أمام المكسيك. في كل هذه المباريات بكى سون على خسارة منتخب بلاده.
في العام نفسه انتصرت كوريا الجنوبية على ألمانيا ليخرجا سويًا من البطولة، يومها أيضًا بكى سون من شدة سعادته في هذا الإنجاز.
ويختصر سون كل هذه المشاعر تجاه موطنه بقوله "إنني أشعر بأنني سفير لبلدي، وهو الدور الذي يتعين علي أن أقوم به على أكمل وجه. وهناك مثال آخر، فعندما نلعب الساعة الثالثة مساء، فإن هذا التوقيت يتزامن مع منتصف الليل في كوريا الجنوبية. وعندما نلعب في دوري أبطال أوروبا الساعة الثامنة مساء، تكون الساعة في كوريا الجنوبية الخامسة صباحاً، لكن الجمهور ينتظر خلال هذه الأوقات المتأخرة من الليل لمتابعة المباريات. وبالتالي، يتعين علي أن أرد الدين لهم، وأن أكون على قدر المسؤولية".
"إن لم تحترم الآخرين فأنت لا تساوي شيئاً"
تصدر سون عناوين الصحف في الأسابيع الأخيرة، خصوصًا بعد الإصابة التي تعرض لها أندريه غوميز لاعب ايفرتون في لقاء فريقه أمام "السبيرز"، حيث تسببت دفعة من سون بخلل في توازن غوميز الذي تعرض لإصابة قاسية أنهت موسمه مع "التوفيز".
لم يكن سون هو من ضرب قدم غوميز لكنه تأثر بشكل كبير أثناء المباراة وبعدها، خصوصًا أنه أخذ يبكي بعد إصابة غوميز المؤلمة. تصرفات سون جراء هذه الحادثة سلطت الضوء عليه من قبل الإعلام، خصوصًا أنه كان المرشح أن يغيب عن مباراة دوري أبطال أوروبا التي تلت مباراة ايفرتون، لكن سون حضر أمام ريد ستار بلغراد وقدم أداءً عاليًا، مسجلًا هدفين (4-0).
لم يحتفل سون، بل توجه مرتين بالإعتذار لغوميز رغم أنه لم يكن سبب الإصابة المباشر، وفي الحديث للإعلام اعتذر شفهيًا أيضًا وأشار إلى أنها كانت حادثة غير مقصودة، الملفت في حديث سون قوله "احتراماً لكرة القدم أيضًا عليّ أن أنسى الحادثة وأركز على أدائي لخدمة فريقي".
أظهر سون في تصرفه هذا شخصية محترفة كرويًا إضافة إلى عكسه لذلك الإنسان الذي يحمله في داخله.
وفي سياق متصل، كان سون قد تحدث في وقت سابق عن درسٍ تعلمه من والده حيث يروي "لقد أخبرني والدي عندما كنت صغيراً بأنه لو كنت في طريقي نحو المرمى ورأيت أحد لاعبي الفريق المنافس ساقطاً على الأرض بسبب الإصابة، فيتعين علي أن ألعب الكرة خارج الملعب وأذهب لأطمئن عليه. لأنه إذا كنت لاعباً جيداً ولا تحترم الآخرين، فأنت لا تساوي شيئاً. ولا يزال والدي يخبرني بهذا الأمر حتى الآن. في بعض الأحيان يكون هذا الأمر صعباً، لكننا بشر قبل أن نكون لاعبي كرة قدم، وبالتالي يتعين علينا أن نحترم بعضنا، سواء داخل الملعب أو خارجه".
يمكن اعتبار سون هيونغ مين مثلًا يُحتذى به في تأسيس اللاعبين داخل المدارس، وربما تتحول قصص سون مع والده في المستقبل إلى درس يقدم داخل صفوف الأكاديميات التي تعمل على بناء اللاعبين من الناحية النفسية والجسدية.