ميدالية "التطبيع".. "إسرائيل" رفعت رايتها في الخليج!

لم يعد التطبيع أمراً مخجلاً لدى البعض، بل خرج من خلف كل تلك الأبواب المغلقة، وارتفع من تحت الطاولة إلى العلن. وفي بعض دول الخليج، برز تطبيع رياضي تحت عنوان "السلام وتقبّل الآخر".

  • ميدالية "التطبيع".. "إسرائيل" رفعت رايتها في الخليج!
    الوفد الرياضي الإسرائيلي المشارك في أولمبياد خاص أقيم في الإمارات

 لم يكن التعاون مع "إسرائيل" يوماً وجهة نظر قط، ولم يكن "الفتى العربي" يبادر، أو يجاهر، بتعامله مع الكيان الذي غزا أرضاً عربية اسمها فلسطين وعاصمتها القدس، لأنه يعلم أن ذلك سيترك وصمة عار على جبينه، وسيمنحه "ميدالية" من الخزي والوقاحة.

وبعد أن كان البعض يخفِت صوته ويخفي يده الممدودة إلى "إسرائيل" في آبار النفط، وفي خزائن الذهب والمال، ويصافح من تحت الطاولة أيدي مسؤولي "إسرائيل"، لم يعد البعض اليوم يكترث لما سيقال عنه، بل يحمل شعار "السلام" المزيف، ليبرر فعلته.

هذه الأيادي التي صافحت معلنة تطبيعها مع المحتل، لم تقتصر على جوانب سياسية أو أمنية، بل تكثفت وطالت عالم الرياضة، الذي يعدّ مضماراً "مهماً" لتمرير تلك الرسائل، لما له من شعبية وحضور وخصوصاً لدى فئة الشباب.

ليس غصباً.. إنما بالتراضي!

  • ميدالية "التطبيع".. "إسرائيل" رفعت رايتها في الخليج!
    ميري ريغيف وزيرة الرياضة الإسرائيلية في الإمارات عام 2019

كانت بعض دول مجلس التعاون الخليجي "السباقة" في فتح باب التطبيع الرياضي على مصراعيه، فاستضافت على أراضيها فرقاً ومنتخبات إسرائيلية، وبعضها أرسل لاعبيه للمنافسة على أرض تغتصبها وتديرها "إسرائيل".

البداية من الإمارات المتحدة، التي لم تقتصر المشاركة الإسرائيلية في المحافل الرياضية التي أقيمت فيها على مشاركة واحدة أو اثنتين، بل تكررت في العديد من المرات، وأعطت فرصة لمحتل فلسطين بأن يرفع رايته في أرض عربية، ولكن هذه المرة ليس غصباً، إنما بالتراضي.

العام 2019 كان حافلاً بالحضور الإسرائيلي في الإمارات، حيث أعربت وزارة الخارجية الإسرائيلية عن "فخرها بارتفاع علمها في دولة عربية"، عندما شارك وفد رياضي في أولمبياد خاص أقيم في الإمارات، وكان أكبر وفد إسرائيلي رياضي في بطولة على أرض عربية، وضم 25 لاعباً ولاعبة، إضافة إلى تغنّي الوزارة في ما بعد بحصاد أعضاء البعثة الإسرائيلية الكبيرة، ميداليات ومراكز متقدمة في البطولة العالمية.

لم تكن تلك المرة الأولى، ففي العام ذاته، شارك فريق "الجودو" الإسرائيلي في بطولة دولية نظمتها أبو ظبي، كما تمت دعوة وزيرة الثقافة والرياضة في ذلك الوقت، ميري ريغيف، وسط حفاوة بالغة من اللجنة المنظمة. وهي التي بكت عندما ارتفع العلم الإسرائيلي في البطولة!

وفي شباط/فبراير الماضي الماضي، أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن فريقاً إسرائيلياً سيشارك في سباقٍ للدراجات الهوائية يُقام في الإمارات، وذلك عبر صفحات الوزارة الرسمية على مواقع التواصل. وجاءت تلك الخطوة تزامناً مع ما يجري في الأروقة السياسية من الترويج لـ"صفقة القرن".

أحد الدراجين المشاركين شعر بـ"دفء الحضن العربي"، كما عبر، إذ قال الدراج الإسرائيلي عومر غولدشتاين لقناة إسرائيلية: "الشعور رائع. الإمارات مكان مميز يحبس الأنفاس. لقد استقبلوني بالأحضان. الناس هنا ودودون جداً".

في العام 2018، شارك دراجون إماراتيون وبحرينيون في "طواف إيطاليا" الشهير الذي استضافه الكيان الصهيوني، والذي تسبب في أزمة كبيرة دفعت اللجنة الأولمبية الفلسطينية إلى الاعتراض والمطالبة بسحب الدراجين فوراً.

وغرّد يومها فريق أبو ظبي الإمارات للدراجات الهوائية على "تويتر": "شكراً للقدس على هذا التقديم المُميز للفريق. نحن جاهزون للمشاركة في السباق غداً"، في حين نشرت حسابات إسرائيلية صوراً للفريقين أيضاً.

قطر أيضاً ليست بعيدة عن مسار التطبيع؛ في العام 2018، أقيمت بطولة العالم للجمباز في الدوحة، وكان "حضن النظام القطري" مفتوحاً للمنتخب الإسرائيلي الذي حضر واستقبل بحفاوة من المسؤولين القطريين، إضافة إلى إجراءات أمنية مشددة لحماية الوفد الزائر خلال تنقلاتهم داخل الدوحة وفي مقر إقامتهم بالفندق.

المشاركة الإسرائيلية كانت الثالثة في المحافل الرياضية في قطر، حيث استضافت الدوحة من قبل لاعب التنس الإسرائيلي ودي سيلع في بطولة قطر المفتوحة للتنس في العام نفسه، بالإضافة إلى مشاركة منتخب الكيان الصهيوني في بطولة العالم لكرة اليد للمدارس.

في الشارع القطري، لم يحظى هذا الأمر بالاستحسان والقبول، إذ أطلقت حينها مجموعة من الشباب القطري حملة إلكترونية ضد التطبيع، رافضةً مشاركة الفريق الإسرائيلي في قطر، وداعية في بيان عبر صفحتها على "تويتر"، مستخدمي المنصة، أن يتبنوا وسم "#يلا_تطبيع" أو باللغة الإنكليزية "#GoNormalization" المقتبسة فكرته من وسم منظمي البطولة الذين استخدموا وسم "#يلا_جمباز" و"#GoGymtastic".

لكن ذلك لم يمنع قطر عن الاستمرار بنهج التطبيع الرياضي؛ في العام 2019، استضافت الدوحة النسخة الـ17 من بطولة العالم لألعاب القوى، حيث كانت المرة الأولى في الشرق الأوسط التي يقام فيها حدث رياضي بهذه القيمة، شارك في البطولة أكثر من 213 دولة من حول العالم، بما في ذلك رياضيون ورياضيات يمثلون الكيان المحتل، وكانت إحداهن من جيش الاحتلال، علاوة على المنصات الإعلامية المملوكة للاحتلال التي جاءت لتغطية الحدث، حيث نُقلت البطولة عبر قناة "KAN 11" التي تديرها هيئة الإذاعة الإسرائيلية.

في السياق نفسه، لطالما رفضت الدول العربية اللعب في الضفة الغربية، لأن الدخول إليها يحتاج إلى تأشيرة وموافقة إسرائيلية، ولكن العام 2019 كان عاماً تخطت فيه بعض دول الخليج الخطوط الحمر، فالمنتخب السعودي لكرة القدم سافر إلى فلسطين للعب مباراة أمام منتخب فلسطين ضمن تصفيات كأس العالم في قطر 2022 وكأس آسيا 2023.

السلطات الفلسطينية رحّبت بالزيارة، ولكن بعض الفصائل رفضتها بشكل قاطع، واعتبرتها نوعاً من أنواع التطبيع. ولا شكّ في أن ختم جواز السفر بالختم الإسرائيلي يمنح العدو الصهيوني الشرعية ويعطيه صفة "الدولة".

تُسوّق هذه السلوكيات على أنها دعوات إلى السلام مع "إسرائيل"، وأنها هدفها تعزيز الاستقرار في المنطقة، لكن المنطقة بتاريخها وثقافتها وأصالتها ترفض من جاؤوا غصباً إليها وسرقوا خيراتها وأرضها.. هذا ما يثبته التاريخ، وتفرضه الوقائع، مهما حاول البعض تشويه الحقائق.

اغتصبت فلسطين في يوم النكبة، وفي يوم القدس العالمي إحياء لقضية فلسطين في نفوس كل المقاومين، وبين اليومين تاريخ نضال وتضحيات.. في زمن القدس، تغطية خاصة حول فلسطين والقدس، ومحاولات التطبيع المستمرة، التي بدأت تأخذ بعداً أكثر مباشرة ووقاحة.