ألفونسو ديفيز.. من ركام الحرب إلى العالمية

ألفونسو ديفيز، لاعب بايرن ميونيخ، يعد من أبرز المواهب في الدوري الألماني، وفي العالم حالياً، بعد أن لعب موسماً استثنائياً مع بايرن، لكنه لم يصل إلى ألمانيا بسهولة، إنما ولد من رحم الحرب ليصل إلى العالمية.

  • ألفونسو ديفيز مع كأس دوري أبطال أوروبا
    ألفونسو ديفيز مع كأس دوري أبطال أوروبا

لم يكن العام 1999 سعيداً للقارة الأفريقية. لقد كان المشهد في غرب القارة السمراء مؤلماً ومظلماً، حيث اشتعلت الحرب الأهلية الثانية في ليبيريا، واستمرت حتى العام 2003. وبعيداً من تفاصيل الحرب وأمرائها، بقيت صور الأطفال الذين استُخدموا للحرب وجُندوا للقتال وحمل الذخيرة محفورةً في أذهان العالم. 

غطّى الألم سماء ليبيريا، وانطلقت الكثير من العائلات للبحث عن الهجرة من أجل السلام. فتحت الدول المجاورة أبوابها، وأقيمت مخيمات للاجئين في ساحل العاج وغانا. وفي مخيم "بودوبورام"، على مقربة من العاصمة الغانية أكرا، ابتسمت الدنيا لعائلة ديفيز، ليبصر ألفونسو النور في العام 2000. 

ألفونسو ديفيز، الظهير الأيسر لبايرن ميونيخ، نهض من تحت الركام، وكان حالماً. وقفت الحياة إلى جانبه، من مخيمات غانا الفقيرة إلى العالمية. قصة ديفيز المليئة بالصعاب لا تشبه قصة "أسطورة" ليبيريا في كرة القدم جورج وياه، اللاعب الأفريقي الوحيد الذي فاز بالكرة الذهبية، لكنّها تروي الكثير من الشغف والسعي في الوصول إلى القمّة.  

بعد أن ولد في مخيم للاجئين، ابتسم القدر لعائلته التي أتيحت لها فرصة الهجرة إلى كندا. وفي شمال القارة الأميركية، بدأ ديفيز رحلته نحو الاحتراف. ترعرع ألفونسو في مدينة ألبرتا الكندية، وحصل على الجنسية والمواطنة، وعرف بين أصدقائه بالفكاهة والسخرية، وكان أحد أكثر الطلاب المحبوبين في مدرسته في كندا.

بدأ ديفيز مسيرته الكروية في أكاديمية "فانكوفر وايتكابس"، وكان يبلغ من العمر 13 عاماً. وهناك، كان مدربوه يتحدثون عن موهبة استثنائية وسرعة فائقة لشاب يافع يمتلك الكثير من الاندفاع البدني، حتى أطلق عليه لقب "روبن الجديد"، وأخذ صيته يذيع أكثر فأكثر خارج الأكاديمية وبين الفرق المحترفة، ليصبح بعدها بعامين فقط أصغر لاعب يظهر في دوري كرة قدم رئيسي في أميركا الشمالية، حين شارك في أول مباراة احترافية له، ولم يتجاوز وقتها 15 عاماً.

في العام 2016، انتقل ديفيز إلى فانكوفر في العام نفسه. فتحت أوروبا أبوابها للاعب الكندي الأفريقي، حين وجه إليه مانشستر يونايتد دعوة للحضور والعيش لمدة أسبوعين في المدينة والتدرب فيها. استغرق يونايتد الكثير من الوقت للتفكير في ما إذا كان سيتعاقد معه، وكان بايرن قد سمع باسمه. وبتوصية من المدير الرياضي للفريق "البافاري" حسن صالح حميديتش، تعاقد مع بايرن مطلع العام الماضي (2019). 

لم يلعب ديفيس في موسمه الأول كأساسي، ولكن مع وصول المدرب الجديد لبايرن هانزي فليك تغيرت الأمور، إذ تحول من لاعب احتياطي إلى واحد من أهم المواهب في الدوري الألماني، وربما في العالم. 

اسم ديفيز لمع أكثر في مباراة تشيلسي ضمن منافسات الدور الـ16 من دوري أبطال أوروبا، عندما انتصر بايرن على "البلوز" بثلاثة أهداف نظيفة. وكـ"الطائر الملون" الّذي يزين السماء بألوانه، كان الكل مبهوراً به. وبعد المباراة، توجه الجميع لتحيته. 

توّج ديفيس مع بايرن بالثلاثية التاريخية الدوري الألماني وكأس ألمانيا ودوري أبطال أوروبا، وشارك هذا الموسم في 29 مباراة من "البوندسليغا"، الذي أسدل الستار على منافساته بعد أن توج بايرن للمرة الثامنة على التوالي باللقب. وسجل ديفيس 3 أهداف هذا الموسم، كما لعب 10 تمريرات حاسمة في مختلف البطولات، 4 منها في دوري أبطال أوروبا الذي لعب فيه 8 مباريات.

يمتلك ديفيس موهبةً استثنائية. ولا شك في أنه اذا استمر بالعطاء نفسه، فسيكون الأفضل في العالم في مركزه، برفقة مجموعة أخرى من اللاعبين الشبان.

عائلة ديفيس خرجت من رحم المعاناة، وكانت تنتقي الطعام من بين الجثث. نجت وولد ديفيس، لتحمل قصته الكثير من الأمل للأجيال المقبلة.