"إزفستيا": سياسة ألمانيا الدفاعية بعيون روسية
تحت عنوان "تغيّر العصور" يتناول خبير معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، التابع لوزارة الخارجية الروسية، ألكسندر دافيدوف، الاتجاهات الخطيرة في السياسة الخارجية الألمانية تجاه الاتحاد الروسي ومآلات هذه الاتجاهات بناء على المتغيرات الأوكرانية.
-
"إزفستيا": سياسة ألمانيا الدفاعية بعيون روسية
في شباط/ فبراير 2022، أعلن المستشار الألماني أولاف شولتز عن "تغير العصور" في ألمانيا. كانت المهمة الرئيسة للحكومة هي تشكيل سياسة دفاعية جديدة، وتحويل البوندسفير (القوات المسلحة لجمهورية ألمانيا الفدرالية) إلى أقوى جيش في الجزء الأوروبي من الناتو. تعددت الخطب أمام البوندستاغ (مجلس النواب الألماني الاتحادي)، والمناشدات إلى سكان ألمانيا والاتحاد الأوروبي، والمفاوضات مع الحلفاء، ونُشرت مقالات رأي في الصحف الألمانية والمجلات الأمريكية حول الموضوع، فيما أعلن المستشار بلا كلل عن صورة جديدة لبلد قوي و"يمكنه الدفاع عن نفسه".
بينما ينتقد بعض السياسيين الألمان عدم مشاركة ألمانيا في دعم أوكرانيا، ويزيد الحلفاء الضغط على برلين بسبب توقف الإصلاحات العسكرية، يتم تجاهل السؤال الأهم عمليًا: ما مدى اهتمام الألمان أنفسهم بدور ألمانيا الجديد؟ بحسب استطلاعات الرأي، يعارض نحو ثلثي السكان إرسال المزيد من الأسلحة إلى كييف. في ترتيب أهم المشاكل من حيث الأولوية خلال الأشهر الستة الماضية، تراجعت أهمية الصراع في أوكرانيا في نظر الألمان بنسبة 30 في المئة، على خلفية الصعوبات المتزايدة في إمدادات الطاقة. ويستعد أكثر من 40 في المئة من المواطنين لتدهور أوضاعهم الاقتصادية في عام 2023. ويظهر اختلال في التوازن بين أولويات السياسيين من جهة، ومطالب السكان من جهة أخرى، فإن أجريت انتخابات البوندستاغ في كانون الثاني/ يناير 2023، فلن تحصل أحزاب الائتلاف الحاكم الحالي على دعم غالبية السكان.
كما لا يؤخذ رأي الناخبين في الحسبان عندما تحتاج برلين إلى مراعاة توقعات شركائها ومتطلباتهم. يقول الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير: "ينتظرون ما أن نحتل موقع القيادة، والقيادة لصالح أوروبا". كما تتعهد وزيرة الخارجية أنالينا بوربوك بدعم أوكرانيا بغض النظر عما يعتقده "الناخبون الألمان".
بدلاً من فهم الخطوات التالية للسلطات وماذا يعني بالضبط "تغير العصور"، يرى الألمان كيف تواجه الحكومة صعوبات جديدة. تعد استقالة وزيرة الدفاع الألمانية كريستين لامبريخت والتأخير في إعداد استراتيجية الأمن القومي الألماني أولى الدلائل على فشل النخب الألمانية في السيطرة على "تغير العصور" الذي أعلنوه بأنفسهم العام الماضي.
ومع ذلك، فإن عدم قدرة السياسيين على تحديد مسار جديد للتطور العسكري السياسي وعدم رغبة السكان في دعم هذا التوجه لا يرتبطان بالأحداث والصعوبات الجارية بقدر ما يرتبطان بأسباب عميقة الجذور. كانت قد تصدرت أعلى سلم أولويات سياسة ألمانيا الخارجية، إلى حد كبير، القضايا الاقتصادية من أجل دعم أكبر للصناعات الموجهة للتصدير في أوروبا واستيراد الطاقة بأسعار منخفضة.
أصبح التطور العسكري السياسي ثانويًا في سياق نقل القضايا الأمنية الكامل من سيطرة الألمان إلى سيطرة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. إن التغييرات الكبيرة التي تفرضها الحكومة الألمانية الآن يعوقها الافتقار إلى استراتيجية مستقلة طويلة الأمد، ولا تؤدي إلا إلى اعتماد أكبر على حليف كبير.
في العلاقات الروسية الألمانية، أصبح "تغير العصور" العلامة الرئيسة لفشل الدبلوماسية الألمانية. تبين أن برلين غير قادرة على إظهار الحياد بصيغة النورماندي، واستخدام أدوات الضغط على أوكرانيا لتبني التغييرات التي وعدت بها كييف، في قانون "بشأن إجراء خاص للحكم الذاتي المحلي". في كانون الأول/ ديسمبر 2022، اعترفت أنجيلا ميركل، التي شاركت في تشكيل عملية التفاوض والحفاظ عليها، بأن الهدف الأصلي لاتفاقيات مينسك كان كسب الوقت لتقوية أوكرانيا.
إن استمرار تسليم الأسلحة الثقيلة إلى كييف يحرم برلين تمامًا من فرصة التصرف كطرف غير متحيز في تسوية النزاع. في هذه الأثناء، تحدثت أنالينا بيربوك، رئيسة الدبلوماسية الألمانية، عن عدم جدوى المفاوضات، وفيما يفكر العديد من السياسيين المؤثرين، مثل الوزير الفيدرالي للاقتصاد وحماية المناخ روبرت هابيك ورئيس لجنة الدفاع في البوندستاغ ماري أغنيس ستراك زيمرمان، في أن حجم توريد المعدات العسكرية غير كاف.
أدى "تغير العصور" إلى مراجعة كاملة من قبل الألمان للتاريخ الحديث وتعزيز "ثقافة الإلغاء" تجاه موسكو. في منشورات عدد من مراكز الأبحاث الألمانية، يُنظر إلى السياسة الخارجية لروسيا بأكملها في القرن الحادي والعشرين على أنها محاولة لتحدي نظام الأمن الأوروبي. على هذه الخلفية، يتم تجاهل المبادرات التي تطرحها موسكو بانتظام لتقوية الهيكل الأمني الأوروبي وأي إنجازات في العلاقات الثنائية. يتيح التركيز على شيطنة الاتحاد الروسي تحويل الانتباه عن القضايا التي يمكن أن تشوه سمعة ألمانيا وحلفائها. أصبح انسحاب برلين المتعمد من التحقيق في أعمال التخريب التي لحقت بخطوط أنابيب الغاز "نورد ستريم "1 و"نورد ستريم 2"، مثالًا آخر على المشكلات المزعجة التي يتم التكتم عليها في ألمانيا.
إن "تغير العصور" في السياسة الخارجية الألمانية يعيد ألمانيا إلى سياسة جمهورية ألمانيا الاتحادية خلال أكثر مراحل الحرب الباردة توترًا. يفترض المسار الجديد رفض الحوار البناء مع الخصم المنهجي واقتفاء أثر الولايات المتحدة وحلفائها حصريًا. وهكذا بات تجاوز التفكير الجماعي الذي أرساه ويلي براندت، في "السياسة الشرقية الجديدة (أوستبوليتيك)"، أساس التوجهات الجديدة، وتكاد احتمالات حدوث تراجع ما في السياسة الألمانية المستجدة ليس في الأفق.
نقلها إلى العربية: عماد الدين رائف