باحث إسرائيلي: سياسة "إسرائيل" تجاه إيران لن توقف برنامجها النووي
زعم الكاتب أن إيران تواصل تخصيب عشرات الكيلوغرامات من اليورانيوم إلى درجة نقاء 60%، وتواصل تركيب أجهزة طرد مركزي متطورة في منشأة تحت الأرض في فوردو، وإنتاج معدن اليورانيوم.
كتب داني سيترينوفيتش، وهو باحث إسرائيلي غير مقيم في مركز "المجلس الأطلسي" البحثي الأميركي، خدم كرئيس وحدة إيران في قسم الأبحاث التابع للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، مقالة في موقع المركز تناول فيه السياسة الإسرائيلية تجاه إيران.
وأشار الكاتب إلى تصعيد "إسرائيل" لهجماتها على إيران في الأسابيع الأخيرة. وقال إنه على عكس الاستراتيجية الحكومية السابقة (حكومة بنيامين نتنياهو)، التي ركزت على تخريب البرنامج النووي لإيران واغتيال علمائها النوويين، يبدو الآن أن استراتيجية حكومة نفتالي بينيت قد توسعت لاستهداف العلماء والضباط الآخرين المسؤولين عن برامج الصواريخ والطائرات بدون طيار (UAVs)، وكذلك أعضاء "قوة القدس" التابعة لحرس الثورة الإسلامية.
ووفقاً لوعده بتنفيذ الإعدامات بالآلاف، وافق بينيت على ما يبدو على هذه الهجمات (من بينها اغتيال الضابط البارز في قوة القدس في حرس الثورة الإيراني، العقيد حسن صياد خدايي في 22 أيار / مايو الماضي).
وأضاف الكاتب أن عملية الاغتيال هذه تضاف إلى عمليات الاغتيال والتخريب الأخيرة المنسوبة إلى "إسرائيل"، بما في ذلك الهجمات الإلكترونية، والهجوم على مستودع سري للطائرات بدون طيار في 14 شباط / فبراير، والوفاة المشبوهة لمهندس في موقع عسكري كبير لتطوير الصواريخ في 24 أيار / مايو، ووفاة اثنين من علماء تخصيب اليورانيوم ومطوري الطائرات بدون طيار في 4 حزيران / يونيو، بحسب زعمه. ففي 7 حزيران / يونيو، ألمح بينيت بشدة إلى مسؤولية "إسرائيل"، قائلاً للجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست: "لقد ولت الأيام التي تقوم فيها إيران بإيذاء إسرائيل مراراً، وتنشر الرعب عبر الفروع في منطقتنا، وتخرج من دون أن يصاب بأذى، قد ولّت ... نحن نعمل في كل مكان، في جميع الأوقات، وسنواصل القيام بذلك"، في إشارة إلى عقيدة الأخطبوط التي صاغها بينيت.
وانتقد أعضاء بارزون في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بيان بينيت، زاعمين أن مثل هذه التصريحات تزيد من الدافع الإيراني للانتقام من "إسرائيل"، وقالوا إنه من الأفضل حالياً التزام الصمت.
ورأى الكاتب أن أهم ما يميز هذا الإنجاز الإسرائيلي هو إقناع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بضرورة ترك حرس الثورة الإيراني على قائمة وزارة الخارجية الأميركية للمنظمات الإرهابية الأجنبية. جعلت القائمة السوداء، التي حظيت بالكثير من الثناء في "إسرائيل"، من الصعب جداً على إيران قبول العودة إلى الامتثال للاتفاق النووي لعام 2015، والتي تتوافق جيداً مع الموقف الإسرائيلي الرسمي المعارض لخطة العمل الشاملة المشتركة، على الرغم من أن العديد من المسؤولين الإسرائيليين السابقين يعتبرون الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي خطأ.
وزعم أنه يبدو أن "إسرائيل تنجح في خلق حالة من الفوضى والارتباك في صفوف النظام الإيراني. كما أقامت ردعها ضد إيران بطريقة تعزز كذلك الصورة الأمنية لرئيس الوزراء بينيت داخلياً في وقت تتعرض فيه حكومته الائتلافية لخطر الانهيار".
وأشار الكاتب إلى أن حقيقة البرنامج النووي الإيراني، التي تم الكشف عنها في 6 حزيران / يونيو خلال اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، تكشف عمق التقدم الإيراني في هذا المجال على الرغم من جهود "إسرائيل" لإفشال ذلك. فإيران تواصل تخصيب عشرات الكيلوغرامات من اليورانيوم إلى درجة نقاء 60 في المائة، وتواصل تركيب أجهزة طرد مركزي متطورة من نوع IR6 في منشأة تحت الأرض في فوردو، وإنتاج معدن اليورانيوم. وقال إنه كان من الممكن حظر كل هذه الأنشطة بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة التي تعارضها "إسرائيل" بشدة وضغطت بنجاح عندما كان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في منصبه (انسحب ترامب من الاتفاق في عام 2018 على الرغم من عدم انتهاك إيران للاتفاق).
وأضاف الباحث الإسرائيلي: في مواجهة هذه التطورات، تستمر "إسرائيل" في اتخاذ موقف مشكوك فيه بالمطالبة "بصفر تخصيب" مع الاعتماد على "الخطة ب" غير الواقعية. إن استمرار العقوبات الاقتصادية والعمليات السرية المختلفة والتهديد بقصف المنشآت النووية الإيرانية لم يوقف البرنامج النووي الإيراني ولم يغيّر سلوكه، ومن المشكوك فيه أن ينجح في المستقبل. فلم يعد مفهوم "الضغط الأقصى" في عهد ترامب يعمل في عالم يفتقر إلى النفط ومستعد لتجاوز العقوبات. وتوضح هذه الحقيقة عائدات إيران من صادرات النفط في ظل نظام العقوبات الحالي. ليست إيران فقط بارعة بالفعل في تجاوز العقوبات، ولكن الحرب الأوكرانية وسعت "تحالف الخاضعين للعقوبات"، بما في ذلك روسيا والصين، المستعدتين لتحدي التهديدات الأميركية. كما أن إدارة بايدن غير راغبة في الضغط بقوة أكبر، بالنظر إلى ارتفاع أسعار البنزين. كما يخشى جيران إيران العرب عبر الخليج من دفع إيران إلى الزاوية ويبدو أنهم ليسوا حريصين على فرض العقوبات على إيران، وهو الموقف الذي أدى إلى قيام إدارة ترامب بانتقاد صريح لدولة الإمارات العربية المتحدة لغضها البصر عن التهرب من العقوبات.
وتابع الكاتب: الفكرة القائلة بأن هناك "تهديداً عسكرياً موثوقاً به" ضد برنامج إيران النووي هي كذلك فكرة غير صحيحة. كانت المرة الأخيرة التي شعرت فيها إيران بالتهديد الحقيقي في عام 2003، عندما غزا عشرات الآلاف من القوات الأميركية العراق. بقيت قوات أميركية أخرى في أفغانستان وخشيت طهران من أن تكون التالية في قائمة الغزو. هذا النوع من التهديد لا يمكن أن يعود ببساطة في ضوء الأزمات الأخرى الأكثر إلحاحاً ورغبة الولايات المتحدة في تقليص وجودها العسكري في الشرق الأوسط. لذلك، بينما تستمر "إسرائيل" في التمتع بنجاحات تكتيكية مثيرة للإعجاب، لكن من الناحية الاستراتيجية، فإن "إسرائيل" لم تحقق هدفها في منع إيران من امتلاك برنامج نووي متقدم.
وأوضح الكاتب أن "إسرائيل" لا تزال تحتفظ بعقلية قديمة عمرها عقد من الزمن وهي لا تفهم أن العالم قد تغير وأن برنامج إيران النووي على وجه التحديد قد تطور. فقاعدة السياسة الإسرائيلية لا تزال قائمة على فكرة أن بإمكان المرء حرمان إيران من قدراتها النووية، على الرغم من أن برنامج إيران النووي لم يكن كما كان قبل عقد من الزمان. نجحت إيران في تجاوز الحواجز التكنولوجية الكبيرة، لا سيما في مجال التخصيب وإنتاج أجهزة الطرد المركزي. فالمعرفة افي إيران واسعة وموجودة في أذهان عدد لا يحصى من العلماء النوويين، أكثر بكثير مما يمكن القضاء عليه.
وتابع: حتى لو اختفت المنشآت النووية بأعجوبة غداً، ستكون إيران قادرة على إعادة بنائها في غضون بضعة أشهر بسبب المعرفة التكنولوجية الموجودة في البلاد. ووفقاً لمسح أجراه مجلس شيكاغو، يحظى البرنامج النووي بالدعم في إيران، وحتى لو تغير زعيم الدولة أو النظام غداً، فمن غير المرجح أن يتم التخلي عن البرنامج. كما أن الهجمات الإسرائيلية على سوريا ولبنان لم تغيّر موقف إيران ولم تقوّض حزب الله اللبناني. وقد تقدمت "إسرائيل" إلى مقدمة المعركة ضد إيران بطريقة تعرضها للرد الإيراني.
وقال الكاتب: بالنظر إلى هذه الحقائق، لا تحقق "إسرائيل" سوى انتصار مكلف على إيران. في أحسن الأحوال، فإن الهجمات الإسرائيلية قد تعطّل البرنامج. في أسوأ الأحوال، هذه الهجمات تحفّز إيران على التحرك بشكل أسرع. تحتاج "إسرائيل" إلى إعادة حساباتها وتبني استراتيجية تتوافق مع الوضع الحالي للبرنامج النووي الإيراني وستسمح لها بمزيد من التأثير على الرأي العام الدولي.
وخلص الكاتب إلى أن "إسرائيل" تكدس نجاحات تكتيكية بينما إستراتيجيتها تجاه إيران تفشل. هناك فجوة متنامية بين تصريحات كبار المسؤولين الإسرائيليين والواقع على الأرض. لا بد من انتهاج سياسة متوازنة تأخذ بعين الاعتبار حالة البرنامج النووي الايراني قبل فوات الآوان، وعلى المسؤولين الإسرائيليين أن يتذكروا أن حشر إيران في الزاوية وتغيير معادلة الردع بين الدول قد يؤدي إلى رد حاد من طهران قد ينتهي بمواجهة إقليمية.