تقرير: قمة واشنطن من أجل الديمقراطية نحو آفاق جديدة من النفاق
موقع "wsws" الأميركي يتحدث عن "قمة الديمقراطية" الثانية التي عقدها الرئيس الأميركي جو بايدن، ويقول إنّها تقوم على إعادة تدوير مفاهيم الحرب الباردة، ضمن معايير مزدوجة تغض النظر عن ممارسة حلفائها للتوحش.
-
"wsws": قمة واشنطن من أجل الديمقراطية نحو آفاق جديدة من النفاق
نشر موقع "wsws" الأميركي، اليوم الأحد، تقريراً للكاتب الأميركي باتريك مارتن تحت عنوان "قمة واشنطن من أجل الديمقراطية نحو آفاق جديدة من النفاق" والذي يتناول القمة التي عقدها الرئيس الأميركي جو بايدن مؤخراً.
وفيما يلي نص التقرير منقول إلى العربية:
عقدت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن"قمة الديمقراطية" الثانية بحضور نحو أكثر من 100 دولة هذا الأسبوع. وكان الرئيس بايدن قد افتتح الاجتماع بتخصيص 690 مليون دولار لتعزيز الديمقراطية، بما لا يتجاوز واحد في المائة من المبالغ التي أنفقتها الإمبريالية الأميركية خلال العام الماضي على حربها ضد روسيا في أوكرانيا. إضافة إلى موازنة البنتاغون الذي يصرف 690 مليون دولار كل سبع ساعات.
معظم الذين شاركوا في قمة بايدن من راغبي السجود لأميركا، وهم من عملاء الإمبريالية الذين فقدوا أي ذرة من الصدق أمام شعوبهم في ممارستهم لـ"الديمقراطية" المحتفى بها في واشنطن.
وسائل الإعلام الأميركية الكبرى اعترفت بخواء حدث القمة المذكورة، وبالكاد قامت بتغطيتها بلا ضجيج أو بروباغندا مصاحبة. ولم يظهر المحللون الأميركيون على شاشات التلفزة من أجل تضخيم الحدث، ووجدت أنه كلما قل الحديث عن هذه القضية الكئيبة كان ذلك أفضل. لكن هذا لا يعني أنّ وسائل الإعلام غير منضوية في النفاق الكبير للسياسة الخارجية الأميركية.
يستحق حدث القمة هذا إلى الدراسة، كي يستفاد منه في مواجهة زيف مزاعم الولايات المتحدة، بأنّها تقود صراع "الديمقراطيات" ضد "المستبدين". وفي الحقيقة، هي تقوم بإعادة تدوير مفاهيم الحرب الباردة، من ضمن معايير مزدوجة تغض النظر عن ممارسة حلفائها للتوحش، وتستنفر جهودها لخلق مزاعم ضد كل من لا يتبع أوامر المركز الأميركي، الزاعم تمثيله الأوحد لـ"عالم حر ضد الأنظمة الشمولية الستالينية".
كانت قمة الديمقراطية في الواقع قضية غير ديمقراطية على الإطلاق. وإدارة بايدن وحدها من يمنح الحكومات "شرف" الدعوة لها بلا أي معيار ديمقراطي مطلقاً، وإلا كيف يمكن تفسير الترحيب بالأنظمة التي تسجن أو تطرد أو تجرد معارضيها من أي حقوق؟ أم أنّ الدعوات اقتصرت على الحكومات الداعمة للسياسات الخارجية الأميركية، ولا سيما الحرب بالوكالة التي يخوضها حلف "الناتو" ضد روسيا في أوكرانيا، أو المنخرط في الاستعدادات العسكرية الأميركية لمواجهة مع الصين.
رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يعود سجله في الترويج للعنف الطائفي الهندوسي ضد الأقلية المسلمة إلى أكثر من 20 عاماً، ومنذ أن أصبح رئيساً للحكومة الوطنية في عام 2014، أقام حزبه الشوفيني الهندوسي "بهاراتيا جاناتا" دولة استبدادية تقوم بشكل منهجي بقمع المعارضة الشعبية وإغلاق الصحف وسجن المعارضين. مع ذلك، لا تزال الهند توصف بشكل روتيني بأنّها "أكبر ديمقراطية في العالم".
كذلك، شملت الدعوات إلى "قمة الديمقراطية" الفليبين، التي يرأسها الآن الرئيس فرديناند ماركوس جونيور، الذي يشيد بالدكتاتورية العسكرية الوحشية لوالده باعتباره العصر الذهبي للبلاد. كذلك، حضرت البيرو، حيث الأغلبية اليمينية في الكونغرس، مدعومةً من الجيش، قامت بإطاحة وسجن الرئيس المنتخب وارتكبت مذابح بحق العمال الريفيين والفلاحين. وعلى المنوال نفسه، تمت دعوة حكومة كينيا، التي أمر رئيسها الشرطة بشن هجمات وحشية على احتجاجات المعارضة لأنه قام بتزوير الانتخابات جهراً. وبولندا، حيث حظرت حكومة حزب القانون والعدالة اليمينية المتطرفة الإجهاض، وجرمت البحث العلمي في دور الفاشيين البولنديين في الهولوكوست، وعملت بشكل منهجي على إنشاء دولة ذات حزب واحد تهيمن متزمت وعدواني دينياً.
وتمت دعوة تايوان، على الرغم من أنّها ليست دولة وجزء من الصين، التي تعتبر الحاكم الشرعي للجزيرة من قبل معظم دول العالم، ومن قبل الولايات المتحدة نفسها. ومع ذلك، فقد تم الترحيب بحكومة تايبيه، كاستفزاز إضافي ضد بكين، كجزء من التحريض الأميركي على صراع عسكري في شرق آسيا.
كذلك، حضر أقرب حلفاء الولايات المتحدة، وفي مقدمتهم "إسرائيل" شرطي الإمبريالية في الشرق الأوسط، وأوكرانيا حصان طروادة المنظومة الغرية في الحرب ضد روسيا.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يواجه أكبر احتجاجات واسعة النطاق منذ نشوء "إسرائيل"، كرد فعل على تقييد المحاكم وفرض ديكتاتورية فعالة للمستوطنين اليمينيين.
تحدث خلال القمة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، مكرراً مناشداته المستهلكة لتقديم مساعدات عسكرية خارجية للحرب بين الولايات المتحدة و"الناتو" ضد روسيا. مع إن حكومته تدير دولة بوليسية بحكم الأمر الواقع، حيث يتم الترحيب بالمتعاونين النازيين في حقبة الحرب العالمية الثانية مثل ستيبان بانديرا باعتبارهم الآباء المؤسسين للبلاد، واللغة الروسية - التي يتحدث بها في المنزل ما يقرب من نصف سكان البلاد - تم حظرها بصلافة شوفينية.
الحقوق الديمقراطية ليست أفضل حالاً في المركز الإمبريالي من الأطراف. فقد أعلن بايدن في تصريحاته أنه عندما عقدت القمة الأولى في عام 2021، كان الشعور السائد في العديد من الأماكن في العالم أنّ أفضل أيام الديمقراطية قد ولت. والآن يدّعي أنّه بفضل التزام القادة و إصرار الناس في كل مناطق العالم، عقدت القمة الثانية للديمقراطية.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، المتحدث البارز في الاجتماع "الديمقراطي"، لم يذكر إصرار المتظاهرين في المدن الفرنسية ضد سياسته المجحفة بحق المتقاعدين.
لم يشر بايدن إلى حقيقة أنّ أحد الحزبين الرئيسيين في الساحة السياسة الأميركية، أي الحزب الجمهوري، أصبح حزباً فاشياً في كل شيء باستثناء الاسم، كما هو الحزب الديمقراطي، العدو المركزي لحقوق العمال لمصلحة الطبقة الحاكمة، التي ترعى عنف الشرطة الممنهج وتحاصر المهاجرين.
أما بالنسبة إلى حقوق العمال، فقد أقرّ الكونغرس الذي يسيطر عليه الديمقراطيون مشروع قانون يحظر إضراب 110 آلاف من عمال السكك الحديدية ويفرض عليهم ما تم رفضه سابقاً.
وقّع بايدن مشروع القانون هذا بحماس. وتعمل إدارته مع النقابات لقمع إضرابات عمال النظافة ومصانع السيارات والمعلمين والعاملين في مجال الرعاية الصحية.
وأحدث مبادرات بايدن حول الديمقراطية هي إصدار أمر تنفيذي جديد لمنع المسؤولين الحكوميين من استخدام برامج التجسس التجارية. قدّم بايدن هذا كإجراء لتقييد المراقبة غير القانونية، لكن الغرض الفعلي منه هو الاحتفاظ بقوة التجسس على الأميركيين لوكالات المخابرات الأميركية، التي تتمتع بالفعل بقدرات مراقبة شبه مطلقة، كما أظهر إدوارد سنودن في فضخه الشجاع لوثائق المخابرات الأميركية في عام 2013.
تكرس حكومة الولايات المتحدة التي يُفترض أنّها ديمقراطية كل جهودها لاعتقال وسجن شخصيات مثل سنودن و جوليان أسانج، الذين كشفوا المؤامرات المعادية للديمقراطية للحكومة الأميركية ضد جميع سكان العالم.
لم يصوت الشعب الأميركي للحرب التي تخوضها إدارة بايدن ضد روسيا والاستعداد للحرب مع الصين، لكن حياتهم تتعرض لخطر شديد من صراعات تهددهم بالتحول إلى محرقة نووية.
كما أظهر تاريخ مراراً وتكراراً، فإنّ الديمقراطية هي أول ضحية للحرب. لا يوجد دفاع عن الحقوق الديمقراطية خارج النضال الأكثر عناداً ضد الحرب الإمبريالية. وكلا هذين النضالين، ضد الحرب ومن أجل الحقوق الديمقراطية، يتطلب تعبئة مستقلة للطبقة العاملة ضد النظام الرأسمالي.