"جيروزاليم بوست": أزمة الصين وتايوان.. تحذير استراتيجي لـ"إسرائيل"

صحيفة "جيروزاليم بوست" ترى أنّ الأزمة بين الصين والولايات المتحدة بما يتعلق بتايوان، يجب أن تجعل "إسرائيل" أكثر حذراً في تعاملها مع الدولتين في ظل سعي الأخيرة لعزيز علاقاتها الاسترتيجية بواشنطن وحفاظها على علاقات ودية مع بكين.

  • صورة من زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى تايوان

تحدثت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، في مقال للمسؤول الإسرائيلي أساف أوريون، عن تأثير الأزمة الراهنة بين واشنطن وبكين على تايبيه، معتبراً أنّ الأزمة تضيّق مساحة "إسرائيل" في المناورة بينهما، ويجعلها أكثر حذراً في التعامل بين حليفتها الاستراتيجية وشريكتها الاقتصادية تجنباً لتكرار أزمات مماثلة واجهتها سابقاً.

فيما يلي النص منقولاً إلى العربية:

قبل وبعد الزيارة الأخيرة التي قامت بها رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى تايوان، تركز الاهتمام العالمي على المخاوف بشأن الأزمة المتفاقمة بين القوتين النوويتين، الولايات المتحدة والصين.

حتى وسائل الإعلام في "إسرائيل" كرست الكثير من وقت البث وأوراق الصحف لهذا الموضوع.

وبالرغم من أنّ الحدث لم يعد في الأخبار الإسرائيلية، يجب على "القدس" أن تدرك أنّ قضية تايوان ستستمر في التأثير على العلاقات بين القوتين العظميين. والأهم من ذلك، أنّ الأحداث في تايوان يمكن أن يكون لها تأثير كبير على الأمن القومي لـ "إسرائيل"، والأزمة الأخيرة هي تحذير استراتيجي للقدس من تقلص مساحة المناورة بين القوتين العظميين. 

وبحسب ما ورد، حذّر دبلوماسي كبير في الحزب الشيوعي الصيني السفير الإسرائيلي في بكين مؤخراً من أنّ العلاقات بين البلدين تمر بنقطة اختبار حرجة، وحذّر من الآثار السلبية للضغوط الأميركية. وأوضح التقرير، الذي ربما يكون قد بالغ في نقاط الحديث الصينية المألوفة، أنّ خلفية التحذير كانت انضمام "إسرائيل" إلى بعض القرارات الدولية بشأن حقوق الإنسان، والتي تعتبرها الصين تدخلاً في شؤونها الداخلية وتبعية لخط الولايات المتحدة. و"إسرائيل" من جانبها غير راضية عن مواقف الصين تجاه القضية الفلسطينية ودعمها لإيران، وتصويتها المستمر ضد "إسرائيل" في المحافل الدولية.

وقدّر مسؤولون إسرائيليون أنّ تحذير مسؤول الحزب الشيوعي الصيني كان مرتبطاً أيضاً بالتوترات الصينية - الأميركية حول تايوان وزيارة بيلوسي للجزيرة في أوائل آب/أغسطس الماضي. قبل الزيارة وبعدها، تركز الاهتمام العالمي على المخاوف من الأزمة التي تتكشف بين الولايات المتحدة والصين، القوتين النوويتين، واحتمال التصعيد، إذ تمت مراقبة الحركة الجوية والبحرية من كلا الجانبين عن كثب، وحتى وسائل الإعلام الإسرائيلية أولت الموضوع أهمية.

وفي الوقت الذي انتقلت فيه الدورة الإخبارية في "إسرائيل" إلى عملية "بزوغ الفجر" في غزة والاقتراب من الانتخابات، ظلت قضية تايوان على جدول الأعمال العالمي، وفي 14 آب/أغسطس الماضي، وصل وفد آخر من السياسيين الأميركيين المنتخبين إلى الجزيرة، وتبعته وفود أخرى.

ما أهمية قضية تايوان بالنسبة لـ "إسرائيل"؟

يجب على "إسرائيل" استيعاب حقيقتين، ذُكرتا أعلاه: قضية تايوان ستستمر في التأثير سلباً على العلاقات بين القوتين العظميين، والأحداث في تايوان يمكن أن يكون لها تأثير كبير على الأمن القومي لـ "إسرائيل".

كانت زيارة بيلوسي تهدف إلى إرسال رسالة دعم لتايوان وديمقراطيتها، لإظهار وقوف الولايات المتحدة إلى جانب شركائها، وعلى وجه الخصوص، لإظهار عزمها على الوقوف بحزم ضد الصين في المحيطين الهندي والهادئ. وانتقدت الصين بشدة الزيارة باعتبارها انتهاكاً صارخاً لسيادتها ووحدة أراضيها، واستفزازاً أميركياً ينتهك سياسة "الصين الواحدة" والتفاهمات القائمة حول الموضوع.

وأعلنت الصين عن تدريبات عسكرية مشتركة، وأصدرت إخطارات بشأن الملاحة وإغلاق المجال الجوي والبحري في 6 مناطق حول تايوان. كما نفذت قيادة المسرح الشرقي في الصين مناورات تضمنت تدريبات حصار مشتركة، وهجمات على أهداف في البحر والبر، والسيطرة على المجال الجوي، وغارات بحرية وحرب ضد الغواصات. كما حلقت الصواريخ الباليستية فوق تايوان، فيما عبرت السفن والطائرات البحرية الصينية خط الوسط بين تايوان والقارة واخترقت منطقة تحديد الدفاع الجوي للجزيرة. 

واستمرت التدريبات لمدة أسبوع إلاّ أنّ الصين أعلنت أنها ستواصل الدوريات والتدريبات المنتظمة في المنطقة لتكون جاهزة لحرب. وأجرت تايوان من جانبها تدريبات دفاعية ورفعت مستويات التأهب لدى القوات ذات الصلة.

بالإضافة إلى الإجراءات العسكرية، فرضت بكين عقوبات على بيلوسي وعائلتها، وأعلنت تعليق الحوار والتعاون مع الولايات المتحدة. 

كانت هناك أيضاً تقارير عن قيود على التجارة بين تايوان والصين، وعن هجمات إلكترونية واسعة النطاق على الجزيرة. ترافقت هذه الخطوات مع رسائل حازمة من الصين، بما في ذلك "الكتاب الأبيض" الأول منذ 20 عاماً، والذي ينص على أن توحيد تايوان مع الصين هو عملية حتميّة لا يمكن إعاقتها، وأن من يلعب بالنار سوف تلتهمه في النهاية.

قدر مسؤول كبير في البنتاغون أنّ الصين لن تهاجم تايوان خلال العامين المقبلين.

والسؤال هنا، هو كيف يؤثر كل هذا على "إسرائيل"؟ لطالما طغت علاقات القوّة العظمى على علاقات "إسرائيل" مع الصين: في الحرب الكورية، والحرب الباردة، وفي السبعينيات، عندما بدأت واشنطن تحولاً استراتيجياً وأقامت علاقات مع بكين.

في الواقع، بدأت صادرات "إسرائيل" الأمنية ومساعدتها للصين في سنة 1979 بمباركة من الولايات المتحدة، ولم تتأسس العلاقات الدبلوماسية بين "إسرائيل" والصين إلاّ في سنة 1992، بعد سقوط الاتحاد السوفيتي ومؤتمر مدريد للسلام (1991).

ومع ذلك، في العامين 1995-1996 اندلعت أزمة مضيق تايوان الثالثة. ورداً على ما رأت أنّه تحركات من قبل رئيس تايوان للابتعاد عن مبدأ "الصين الواحدة"، أطلقت الصين صواريخ ونفذت تدريبات بالذخيرة الحية ومناورات إبرار برمائية في مضيق تايوان. وردت الولايات المتحدة بإرسال مجموعتين من حاملة الطائرات إلى المضيق، كإظهار للقوة والتصميم على استخدامها عند الضرورة. 

بالنسبة للصين، زادت الأزمة من إحساسها بالتهديد العسكري الذي تشكله الولايات المتحدة، وأدت إلى عملية حشد قوة كبيرة. من ناحية أخرى، استيقظت واشنطن على احتمال أنّ الصين، شريكتها الاقتصادية لمدة عقدين، يمكن أن تضع نفسها كمنافس عسكري ضد القوات الأميركية. 

بعد سنوات قليلة، اندلعت أزمات خطرة بين واشنطن والقدس حول تصدير طائرة الإنذار المبكر "فالكون" وذخائر "هاربي" من "إسرائيل" إلى الصين. وانتهت بإلغاء صفقة "فالكون"، وإقالة كبار المسؤولين في وزارة الأمن الإسرائيلية، وإنشاء دائرة مراقبة الصادرات الدفاعية، وإقرار قانون مراقبة الصادرات الدفاعية (2007)، ووقف جميع هذه الصادرات إلى الصين. وبذلك، أثارت الأزمة العسكرية بين الصين والولايات المتحدة حول تايوان موجات هدّدت علاقات "إسرائيل" مع أكبر حليف لها، وقلصت بشكل كبير من مجال المناورة مع الصين. 

الأزمة الرابعة التي أعقبت زيارة بيلوسي لتايوان، المحدودة حتى الآن، هي علامة فارقة أخرى في تدهور العلاقات بين القوتين العظمتين، وشملت بالفعل استخدام الوسائل العسكرية (السفن والطائرات والصواريخ) والوسائل السياسية والاقتصادية. بالنسبة لـ "إسرائيل"، يجب أن يُنظر إليه على أنه تحذير استراتيجي لخفض عتبة حساسية القوتين العظمتين وتضييق مساحة القدس للمناورة بينهما. 

تسعى "إسرائيل" إلى تعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، والحفاظ على علاقات مثمرة وودية مع الصين قدر الإمكان، مع مراعاة اعتبارات الأمن القومي. وفي الوقت نفسه، يتوجب عليها أن تدرس بعناية جميع جوانب علاقاتها مع الصين وتحديد مجالات الحساسية التي يمكن أن يكون لها آثار على أمنها القومي بشكل عام، وعلى علاقاتها مع الولايات المتحدة بشكل خاص. وأن تتذكر أنّ تايوان هي مصلحة أساسية لبكين ومصلحة مهمة لواشنطن، وبالتالي ستستمر الجزيرة في أن تكون بؤرة للانفجارات المحتملة لمزيد من الأزمات لسنوات قادمة. 

بصرف النظر عن الصادرات العسكرية والأمنية إلى الصين، والتي امتنعت "إسرائيل" عنها طوال عقدين من الزمن، سيكون من الصواب تركيز الانتباه على مسائل التقنيات المتقدمة، وهي مواضيع حوار استراتيجي أعلنه رئيس الوزراء يائير لابيد، والرئيس جو بايدن، بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" خلال زيارته لها.

علاقات "إسرائيل" مع تايوان في المجالات الثقافية والاقتصادية مفيدة للطرفين، ضمن معايير مقبولة للصين، ومن الصواب مواصلة تطويرها بهذه الطريقة.

في ضوء الأحداث الأخيرة في تايوان، يجب على "إسرائيل" في الوقت الحالي أن تتصرف بحساسية أكبر تجاه واشنطن، حليفتها الاستراتيجية، وتجاه بكين، شريكتها الاقتصادية المهمة، إلى حد أنه إذا تعيّن عليها الاختيار بينهما، يكون الخيار واضحاً.