قواعد جديدة للاشتباك: كيف هزم الفلسطينيون نتنياهو

المجلة الأميركية تشير إلى أنّ الفلسطينيين خاضوا المعركة الأخيرة في غزة بشكلٍ موحدة، وفرضوا شروطهم في توقيت الرد وفي وقف اطلاق النار، ونجحوا بكسر قواعد الاشتباك مع الاحتلال، كما لم يحدث من قبل أبداً.

  • صواريخ المقاومة الفلسطينية خلال عملية ثأر الأحرار
    صواريخ المقاومة الفلسطينية خلال عملية ثأر الأحرار

تحدثت مجلة "كاونتربنش" الأميركية، عن العدوان الأخير على غزة، مشيرةً إلى أنّ تصدير الأزمات السياسية الإسرائيلية إلى فلسطين، هو "تكتيك قديم استخدمه الاحتلال طوال عقود"، لكن المقاومة الفلسطينية القوية بشكل متزايد، أكدت لكل من يعنيه الأمر في "تل أبيب"، أنّ خيار العدوان على غزة لم يعد خياراً سهلاً، على حدّ تعبيرها.

فيما يلي النص المنقول إلى العربية:

برر الاحتلال الإسرائيلي حروبها العدوانية على الفلسطنيين، باسم "الأمن ومحاربة الإرهاب". ولم يكن التحدي الأكبر الذي واجهته "إسرائيل" خلال 8 عقود من هذه الحروب، هو المقاومة الفلسطينية لوحدها فقط، بقدر ما كان التحدي دائما أنّ لا تتشوه صورتها أمام الرأي العام العالمي، المخدوع نسبياً بأنّ دولة الاحتلال تُشكل واحة فريدة لـ"الديمقراطية". 

بالطبع، ساهمت المنظومة الغربية بمعظمها، في أكبر عملية تزوير للحقائق والوقائع وللتاريخ، وإلقاء اللوم على الضحايا الفلسطنيين، كونهم تسببوا بالعنف الإسرائيلي. وللأسف، نجح الاحتلال بـ"أسرلة" الوعي في تلك المجتمعات، ليس بسبب عبقريته، بل بسبب الحصار شبه الكامل على الصوت الفلسطيني، في جميع القطاعات. و يستمر هذا الحظر حتى يومنا هذا، ويتمدد إلى منصات التواصل الاجتماعي المهيمنة، ومن بينها منصة "فيس بووك".

مع ذلك، الكفاح الفلسطيني من أجل الحقيقة والنزاهة لم يتوقف طوال 75 عاماً، والنجاحات الفلسطينية اليوم أكبر بكثير من كل محاولات "إسرائيل" وداعميها، لفرض رقابة على الصوت الفلسطيني أو تهميشه أو إسكاته. ويبدو أنّ أيام إخفاء الجرائم الإسرائيلية أو إلقاء اللوم على الضحايا قد ولت. ولقد خسرت "إسرائيل" معركة العلاقات العامة بسرعة كبيرة، بالتزامن مع خسارتها الأخيرة في العدوان على غزة.

هناك أسباب تجعل من الدعاية الإسرائيلية تعيش أسوأ أيامها. بغض النظر عن النضال اللذين يقوده المثقفون والناشطون الفلسطينيون في الساحات العالمية، فلقد أصبح الخطاب الدعائي الإسرائيلي ضعيفاً وغير مقنع. و الاحتلال اليوم منقسم على نفسه أكثر من أي وقت مضى منذ نشوئها. من الصحيح أنّ الإسرائيليين غالباً ما يتحدون في أوقات الحرب، إلا أنّ وحدتهم هذه المرة باهتة وليست قوية.

 لقد أدّى صعود حكومة يمينية وفاشية في "تل أبيب"، إلى احتجاجات حاشدة كشفت عن تفسخات حادة داخل تجمعات الاحتلال، مما ضاعف الحصار على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، المتهم أصلاً والمحاصر بتهم الفساد، والذي لم يجد حرجاً بالعدوان على غزة كي يجد متنفساً له، ولارضاء ائتلاف حكومته المتطرفة. 

تصدير الأزمات السياسية الإسرائيلية إلى فلسطين، هو تكتيك قديم استخدمه الاحتلال طوال عقود. لكن المقاومة الفلسطينية القوية بشكل متزايد، أكدت لكل من يعنيه الأمر في "تل أبيب"، أنّ خيار العدوان على غزة لم يعد خياراً سهلاً. وعلى سبيل المثال، كانت حرب العدوانية على غزة في العام 2021، بمثابة تذكير مؤلم عن الحسابات الخاطئة والحمقاء من جانب "تل أبيب"، وكيف حصدت نتائج عكسية وسيئة.

لذلك، لجأ نتنياهو إلى نموذج مختلف بعدوانه هذه المرة، فقام ببحرب مصغرة تستهدف مجموعة فلسطينية واحدة، مثل، "عرين الأسود" في نابلس، و"الجهاد الإسلامي" في غزة. 

لقد نجح هذا التكتيك في الماضي، ولم يعد كذلك اليوم، لأنّ المقاومة الفلسطينية راكمت خبرات من سلسلة الحروب العدوانية التي يشنّها الاحتلال، وتفرض متغيرات على قواعد الاشتباك وحرمان دولة الاحتلال من التحكم بزمن ومكان الحرب.

وفشلت "إسرائيل" في فهم الاستراتيجية الفلسطينية الجديدة، وافترضت أنّ استفرادها لفصيل فلسطيني مُعين لوحده، سيؤدي إلى انقسام بين الفلسطنيين، ولم تنتبه "تل أبيب"، أنّه حين قامت بعدوانها على "الجهاد الإسلامي" في العام 2021، ظلت المقاومة الفلسطينية موحدة ومعززة بغرفة العمليات المشتركة التي تضم جميع الفصائل.  

أراد نتنياهو تجاهل كل هذه الرسائل الواضحة من الفلسطنييين، ليس فقط في غزة، ولكن أيضاً من خلال المقاومة الموحدة في الضفة الغربية، وربما بدافع يأسه سعى إلى تحويل الانتباه عن أزماته السياسية المتعددة واستعادة "الردع".

بعد فترة وجيزة على اغتيال كبار قادة "الجهاد الإسلامي"، الشهداء: جهاد الغنام، وخليل البهتيني، وطارق عز الدين، ظهر نتنياهو في مؤتمر صحافي مع عدوه اللدود، وزير الدفاع، يوآف غالانت، ليشرح بالتفصيل انتصار "إسرائيل" المفترض لكن لغة النصر لم تصمد لفترة طويلة، حيث فرضت المقاومة خوفاً بصمتها خوفاً على كل سكان المستوطنات الإسرائيلية، واختبأ ما يقرب من مليوني محتل في الملاجئ، كما لو كانوا ينتظرون عقابهم.

وبعد 35 ساعة من الصمت المحير، انهمرت صواريخ المقاومة، على مستوطنات، "سديروت" و"عسقلان" و"نتيفوت" وصولاً إلى "رحوفوت" و"تل أبيب"، وفجأة، أصبحت حرب "الردع"، التي أطلق عليها "الجيش" الإسرائيلي اسم "الدرع والسهم"، كابوساً لنتنياهو. والأهم، أنّ المقاومة خاضت المعركة موحدة، وفرضت شروطها في توقيت الرد وفي وقف اطلاق النار، ونجحت بكسر قواعد الاشتباك مع الاحتلال، كما لم يحدث من قبل أبداً.

نقلها إلى العربية: حسين قطايا