"كاونتر بانش": فك شيفرة التطرف الإسرائيلي
موقع "كاونتر بانش"يقول إن اعتراف رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الوقح بالتوسع الإسرائيلي يشير إلى غموض مسارات الدبلوماسية منذ 4 عقود على الأقل.
-
"كاونتر بانش": سيطر نهج "الزومبي"، على الدبلوماسية الدولية خلال عقود
نشر موقع "كاونتر بانش" الأميركي، اليوم السبت، مقالاً لـريتشارد فوالك، هو أستاذ فخري في القانون الدولي _"جامعة برينستون"، ورئيس القانون العالمي بـ"جامعة كوين ماري" _لندن، وباحث مشارك في مركز أورفاليا للدراسات العالمية بجامعة كاليفورنيا، تحت عنوان "فك شيفرة التطرف الإسرائيلي".
وفيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:
حدد بنيامين نتنياهو، الخطوط الأساسية لحكومة "إسرائيل" برئاسته، قائلاً: "للشعب اليهودي، حق لا جدال فيه في جميع مناطق أرض إسرائيل. وسنعمل على تعزيز وتطوير الاستيطان في الجليل والنقب والجولان ويهودا والسامرة".
اعتراف نتنياهو الوقح بالتوسع الإسرائيلي، يلقي بظلال من الغموض على المسارات الدبلوماسية منذ 4 عقود على الأقل. و يتحدى الأمم المتحدة، والسلطة الفلسطينية، والحكومات، و منظمات "المجتمع المدني"، في جميع أنحاء العالم، الذي عليه الاعتراف أخيراً بأن حل الدولتين قد مات.
التأكيد العلني لهذه الخطة، التي كانت سرية في السابق، في أنها قد تبدو في مراحلها النهائية، وأن الائتلاف المتطرف الحاكم في "تل أبيب"، على وشك اطلاقها من جعبته. مع ان أي مراقب يدرك، أنّ الخطة الصهيونية، قد أعدت و سبقت إنشاء "إسرائيل" في عام 1948، وتهدف إلى بسط السيادة الإسرائيلية على كامل فلسطين المحتلة، مع استثناء محتمل لغزة.
ادعاء نتنياهو، بأن "إسرائيل"، لديها وكالة حصرية في "الأرض الموعودة"، نيابة عن كل اليهود، هو تحدٍ مباشر للقانون الدولي. بالإضافة إلى ذلك، يتعارض بيان نتنياهو بشكل مباشر مع إصرار إدارة بايدن، على إعادة التأكيد على دعم حل الدولتين، مهما كان بعيد المنال.
سيطر نهج "الزومبي"، على الدبلوماسية الدولية خلال عقود، لايجاد حل للصراع، مما سمح بشكل مفيد للأمم المتحدة والمنظومة الغربية على ضفتي الأطلسي، بالحفاظ على احتضانهم لـ"إسرائيل"، دون أن يبدو أنهم يرمون الشعب الفلسطيني تحت الحافلة.
كانت عملية التوسع الإسرائيلي هذه مخفية عن الرأي العام الدولي، بمزيج من الهيمنة الإسرائيلية والتواطؤ الأميركي، على الرواية العامة. الأمر الذي خدع الصهاينة في "الشتات" بشكل خاص، بافتراض أن "إسرائيل" منفتحة على تسوية سياسية وأن الفلسطينيين هم من يرفضونها.
هذا التضليل اعتمده المشروع الصهيوني منذ أكثر من قرن مضى، وفحواه تمرحل ما يمكن تحقيقه في أي وقت، ثم الانتقال إلى المرحلة التالية في خطة استعمارية كاملة.
أصبح هذا النمط التوسعي الاحتلالي، من الأولويات الصهيونية بشكل خاص في الفترات التي أعقبت وعد بلفور عام 2017، الإعلان الاستعماري سيئ السمعة، بدعم بريطاني لـ "وطن قومي للشعب اليهودي" في فلسطين. من خلال استيعاب الهجرة اليهودية خلال فترة إدارة الانتداب من عام 1923 إلى عام 1948. ثم جاء قرار التقسيم 181، الصادرعن الأمم المتحدة، الذي تجاهل فقط حقوق الفلسطينيين في تقرير المصير، وقسم بلادهم دون استفتاء مسبق، وغير من مكانة وحجم الوجود اليهودي داخل دولة فلسطين، وحولها إلى دولة يهودية ذات سيادة على نصف فلسطين بالكامل.
استقبل الصهيونيون مثل هذه القرارات بإيجابية، لكن رفضها ممثلو الشعب الفلسطيني والحكومات العربية، مما أدى مباشرة إلى حرب عام 1948، والتي أدت إلى "النكبة"، وتهجير ما يقدر بنحو 750 ألف فلسطيني، وتوسع الاحتلال للأرض الفلسطينية من 55 بالمئة إلى 78.
ثم جاءت حرب عام 1967، "النكسة"، التي أخرجت الأردن من الضفة الغربية والقدس الشرقية، وطردت موجة أخرى من الفلسطينيين، وتم إنشاء العديد من المستوطنات اليهودية غير القانونية، كأمر واقع يمنع من قيام دولة فلسطينية محاذية في الضفة الغربية والقدس، باعتبارها "العاصمة الأبدية" للدولة اليهودية.
مع ذلك، تتجاهل الحكومات الإسرائيلية، رفض الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة، مراراً وتكراراً إدراج القدس كعاصمة لدولة الاحتلال.
استمرت تمثيلية "اتفاق أوسلو" الدبلوماسية لمدة 20 عاماً، بتشريح الحقوق الفلسطينية الى قطع صغيرة ليسهل قضمها. ويبدو واضحاً أن "السلام" في المخيال الاستراتيجي الإسرائيلي، غير ذي صلة ب "اتفاق أوسلو"، الذي احتاجه الاحتلال، لتجنب الضغط الدولي بمظاهر المفاوضات، ولكسب الوقت اللازم لجعل الحركة الاستيطانية كبيرة ومشتتة بما يكفي لتصبح غير قابلة للنقض.
في العام 2018 ، اعلنت "تل أبيب" عن سيادة اليهود على "أرض إسرائيل الموعودة"، بما في ذلك الضفة الغربية بأكملها. بخطوة كبيرة كشفت عن الأهداف المتكاملة للمخططات الصهيونية، التي يقرها اليوم نتنياهو، خلال أداء اليمين الدستورية لحكومته المتطرفة.
مع ذلك، وعلى الرغم من النجاحات الواضحة للخطة الصهيونية الطويلة، فإن بعض وجهات النظر تشكك من زاوية سياسية بحتة بهذه النجاخات. فلقد تمسك الشعب الفلسطيني بحزم بتقرير المصير طوال القرن الماضي. ولقد تعززت روح المقاومة والنضال بعمق في الثقافة الفلسطينية، الصامدة ولا تختفي أبداً.
بالإضافة إلى ذلك، تمكّن الفلسطينيون من تحقيق انتصارات مهمة في حرب الشرعية التي يخوضها الطرفان، للسيطرة على مساحات رمزية ومعيارية في الساحات الأممية الواسعة. وعلى مدار العقد الماضي، تقبل الفضاء الدولي بشكل متزايد الرواية الفلسطينية، على أن "إسرائيل" "دولة استعمارية استيطانية".
علاوة على ذلك، وبشكل أكثر رسمية، فإن الاتهام "الراديكالي" للفصل العنصري الموجه إلى "إسرائيل" قد تم التحقق منه على مدار السنوات الست الماضية من خلال تقارير موثقة بعناية صادرة عن الأمم المتحدة (الإسكوا)، و"هيومن رايتس ووتش"، و"منظمة العفو الدولية"، وحتى منظمة غير حكومية إسرائيلية مستقلة.
لقد أصبح من الصعب دفع الظلم تجاه الحقوق الفلسطينية تحت البساط، والرأي العام العالمي، وخاصة في الغرب، أكثر تعاطفاً وإقتناعاً إلى حد ما بالرواية الفلسطينية، وكذلك هناك سابقة جداً مهمة في تحرر جنوب إفريقيا من نظام الفصل العنصري.
تضمنت الانتصارات الفلسطينية الرمزية الأخرى اعترافاً دبلوماسياً واسع النطاق بالدولة الفلسطينية من قبل العديد من الحكومات في جنوب الكرة الأرضية، و على عضوية الأمم المتحدة بدون حق التصويت. كذلك رفع الفلسطينيون قضايا مظالمهم المتراكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية، التي أصدرت حكمها في عام 2021، بالتحقيق في مزاعم الفلسطينيين بارتكاب "إسرائيل" جرائم دولية في فلسطين المحتلة.
أدركت المنظمات غير الحكومية الإسرائيلية، خطورة هذه التطورات، كما فعلت الحكومة الإسرائيلية. فانهيار نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، كان نتيجة لمزيج من المقاومة ونزع الشرعية الرمزية للاحتلال بالتضامن العالمي.
مع ذلك، احتفظت "تل أبيب"، بدعم ثابت من الحكومة الأميركية، ولو بالترافق مع مخاطر جذب مزيد من الاهتمام إلى جوهر سياسات "إسرائيل" وممارساتها وأيديولوجيتها العنصرية.
هاجمت "إسرائيل" كل من ينتقدها في الماضي أو الحاضر. ولم توفرالأمم المتحدة، باعتبارها معادية للسامية. وقامت بتشويه سمعة الخبراء والقانونيين الدوليين والمؤسسات التي يعملون فيها. وقد أدى ذلك إلى نفث ستار دخاني، كافٍ لتمكين بايدن وكبار البيروقراطيين في الاتحاد الأوروبي من الحفاظ على ثقتهم في المشروع الأجوف المتمثل في "دولتين لشعبين".
الآن، على الغرب أنّ يعرف أن سياسته محتضرة. خاصة بعد أن أخبرهم نتنياهو بذلك بغرور، من خلال حكومته العنصرية التي تعد الشعب الفلسطيني بنكبة ثانية.
نقله إلى العربية: حسين قطايا