"لوفيغارو": هل الدول التي تسلح أوكرانيا تشارك في الحرب؟
حتى لو أقر القانون الدولي بأن الحرب والحياد هي مفاهيم ذات ملامح غامضة أكثر من ذي قبل، فإن تفسيرها المستمر يثبت أن بلداً ما لا يشن حرباً ضد بلد آخر ما لم يشارك مباشرة في القتال المسلح ضده، أو ينظم ويخطط لذلك.
-
"لوفيغارو": هل الدول التي تسلح أوكرانيا تشارك في الحرب؟
صحيفة "لوفيغارو" تتحدث في مقال عن تفسيرات إستباقية لما قد ينجم عن تسليح أوكرانيا من قبل الدول الأطلسية أو غيرها تنفي عنها صفة المشاركة في الحرب ضد روسيا.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
هل تسليم السلاح لأوكرانيا يجعلنا "شركاء في الحرب"؟ هذا ما سأله المرشح الرئاسي اليساري جان لوك ميلينشون على منبر الجمعية الوطنية، وهو يخشى من "ترس" يخاطر بوضع فرنسا "تحت رحمة جميع أطراف الصراع". لكن تسليم السلاح إلى بلد في حالة حرب، هل هو صناعة للحرب؟
تعهدت فرنسا، مثل الدول الغربية الأخرى، بتزويد أوكرانيا بالسلاح لمساعدتها على مقاومة دخول القوات الروسية إلى أراضيها، وهو هجوم وصفه رئيس الجمهورية بأنه "عدوان".
حددت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي أنه تم بالفعل تسليم "عدة شحنات" عبارة عن "معدات دفاعية بالإضافة إلى دعم الوقود"، حتى لو لم تحدد فرنسا، على عكس الدول الأوروبية الأخرى، الطبيعة الدقيقة للمعدات التي تم تسليمها (بلجيكا، على سبيل المثال، تزود المدافع الرشاشة، والأسلحة السويدية المضادة للدبابات، وقاذفات الصواريخ الألمانية والصواريخ ...).
وقد تعهد الاتحاد الأوروبي، من جانبه، بدعم وتنسيق شحن هذه الأسلحة الخفيفة ومعدات الحماية، لا سيما من خلال حشد مبلغ 500 مليون يورو. لا يزال من الصعب معرفة ما إذا كانت الدول الغربية سترسل طائرات مقاتلة إلى أوكرانيا، على الرغم من الإعلانات بهذا المعنى (يبدو أن الولايات المتحدة تتفاوض في هذا الاتجاه مع بولندا).
ومع ذلك، لا ينبغي برأي المسؤولين الفرنسيين، بأي حال، تفسير هذا الدعم اللوجستي والدفاعي على أنه دخول في الحرب من قبل الدول الغربية إلى جانب أوكرانيا، مذكرين بقادة أوروبا والولايات المتحدة، الذين حددوا جميعاً أن بلادهم ليست في حالة حرب مع روسيا، وشددوا على أنهم لن يرسلوا جنودهم للقتال.
لكن في فرنسا، انتقدت شخصيات معارضة خيار إرسال أسلحة ومعدات عسكرية إلى أوكرانيا، مستنكرة قراراً خطيراً ومن المرجح أن تفسره موسكو بالعداء.
جان لوك ميلونشون قال أمام الجمعية الوطنية يوم الثلاثاء الماضي: "يؤسفني أن الاتحاد الأوروبي قرر توفير الأسلحة اللازمة للحرب"، في إشارة إلى المصطلحات التي استخدمها جوزيب بوريل، رئيس الدبلوماسية الأوروبية.
وأضاف: "هذا القرار سيجعلنا شركاء في الحرب". مصطلح تناولته أيضاً مارين لوبن على تلفزيون "بي أف أم".
لكن الاتحاد الأوروبي يدعي عكس ذلك. في مقابلة مع قناة "بي أف أم"، قال الأدميرال هيرفيه بليجان، المدير العام لهيئة الأركان العسكرية للاتحاد الأوروبي إن "القانون الدولي وقانون النزاعات المسلحة لا يجعلان البلدان التي تزود بلداً آخراً بالدفاع عن النفس، من المتحاربين. لذا فإن دول الاتحاد الأوروبي والدول الأخرى التي تساعد في هذا المجهود الحربي لا يمكن وصفها بالمتقاتلين على الرغم من المعلومات المضللة وعلى الرغم من الخطاب الذي يمكن أن يلقيه فلاديمير بوتين حول هذا الموضوع"، بحسب الجنرال الفرنسي.
إذاً ما هو بالضبط بلد "متحارب" في نزاع، وهل قرار فرنسا، جنباً إلى جنب مع حلفائها الأوروبيين والغربيين، يضعهم حقاً في هذا الموقف؟ كيف يحدد قانون الحرب الخط الأحمر، والذي بعده يمكن اعتبار دعم أحد الأطراف عملاً من أعمال الحرب ضد الطرف الآخر؟ بتسليم الأسلحة إلى أوكرانيا، هل تخوض فرنسا حرباً إلى جانبها ضد القوة النووية الرائدة في العالم؟
تشكل مجموعة القواعد التي تمت ملاحظتها (أو يجب مراعاتها من الناحية النظرية) من قبل الدول المعادية التي تشن حرباً، والتي تم تحديدها بشكل خاص من خلال الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، ما يسمى بقانون الحرب.
ومع ذلك، فإن هذا لا يقنن كل شيء، وفي بعض الأحيان يترك مناطق رمادية يكون الغموض فيها سريعاً؛ علاوة على ذلك، من الوهم بالطبع الاعتقاد بأنه يتم احترامه بدقة. للإجابة، سيتعين علينا إذاً أن ننظر إلى المبادئ النظرية، ولكن أيضاً في تفسيرها من قبل كل من الطرفين.
السؤال ليس فقط ما إذا كان توريد الأسلحة إلى أوكرانيا يشكل عملاً حربياً في حد ذاته، ولكن ما إذا كان من المحتمل أن يفسر الكرملين هذا القرار على هذا النحو.
من يصنع الحرب؟
نظرياً، ونظرياً فقط، لا تصبح الدولة "طرفاً في النزاع" (هذا هو المصطلح المستخدم في البروتوكولات الإضافية لاتفاقية جنيف، بدلاً من "المحارب" الذي لا يستخدم إلا قليلاً) فقط بعد إعلان الحرب على خصمه.
في القرون السابقة كانت هذه القاعدة محترمة بشكل غير متساوٍ. في عام 1904، لم تعتقد اليابان أنه من المفيد تحذير روسيا من الهجوم المفاجئ على بورت آرثر، والذي كان بمثابة بداية الحرب. ثم تُخضع اتفاقية لاهاي المؤرخة 18 تشرين الأول/أكتوبر 1907 بدء الأعمال العدائية إلى "تحذير مسبق لا لبس فيه، والذي يتخذ إما شكل إعلان حرب بدافع، أو إنذار نهائي بإعلان حرب مشروط" (المادة 1)؛ تنص هذه الاتفاقية على أنه "يجب إخطار الدول المحايدة بحالة الحرب دون تأخير" (المادة 2).
منذ ذلك الحين، تم إهمال القاعدة، على الأقل في الممارسة العملية. ظل الالتزام بإعلان الحرب سارياً بشكل أساسي في النظام القانوني الداخلي، لأنه أحد أكثر مؤشرات السيادة الوطنية لفتًا للانتباه، وهذا الامتياز يمنح حامله (رئيس الدولة أو رئيس الحكومة حسب البلد) سلطة قوية، وقوة رمزية.
تبقى الحقيقة أن الدول التي هي في حالة حرب لا تلجأ إليها كثيراً لأن الحرب تكاد تكون "خارج القانون" بموجب القانون الدولي الآن، لأن ميثاق الأمم المتحدة (1945) يحظر استخدام القوة في تسوية الصراعات الدولية.
إذاً لم يعد هناك دائماً إضفاء الطابع الرسمي على الدخول في الحرب، فإن الحرب على الأقل هي عمل تطوعي لدولة ذات سيادة، ويتم إخطار هذا القرار الذي يتخذه رئيس السلطة التنفيذية بشكل عام (حتى يتم التصويت عليه) في البرلمان.
ثم ننتقل من حالة السلام إلى حالة الحرب، والقانون المطبق لم يعد هو نفسه. في حالة فرنسا، من الواضح أن رئيس الدولة لا يرغب في خوض الحرب (أعلن إيمانويل ماكرون في خطابه إلى الفرنسيين في 2 آذار/مارس: لسنا في حالة حرب ضد روسيا"). وحتى لو لم يعد الذهاب إلى الحرب يتم دائماً عن طريق إعلان خاص، فإن الدولة لا تخوض الحرب من دون علمها أو رغماً عنها. شن الحرب هو إرسال قوات للقتال ضد دولة معادية.
ومع ذلك، فإن مفهوم "الحرب" يصبح أكثر دقة حيث ينشأ التضامن بين الدول، ولا سيما التضامن التجاري، والذي يتم الحفاظ عليه حتى في وقت الحرب؛ وعلى العكس من ذلك، فإن العقوبات تجعل من الممكن التعبير عن شكل من أشكال الرفض فيما يتعلق بدولة عدوانية.
في الواقع، كما يلاحظ الفقيه ميشيل فويلكل في ("هل يجب إعلان الحرب؟"، 1991): "زيادة الاعتماد الاقتصادي المتبادل جعل ممارسة الحياد أكثر صعوبة". والسؤال ليس فقط معرفة النية الدقيقة للسلطات الفرنسية من إمداد أوكرانيا بالسلاح، ولكن كيف ستدرك روسيا هذا القرار؟
بيع الأسلحة وتوريدها: ماذا يقول القانون الدولي؟
لا ينص القانون الدولي صراحة ما إذا كان إمداد دولة في حالة حرب بالأسلحة يعني شن الحرب إلى جانب ذلك البلد أم لا.
النص الرئيسي المتعلق ببيع الأسلحة هو معاهدة تجارة الأسلحة التقليدية (ATT)، التي اعتمدتها الأمم المتحدة مع استثناء ملحوظ للصين وروسيا، والتي تنص بشكل أساسي على فرض حظر على بيع أنواع معينة من الأسلحة، أو بيعها إلى دول معينة. كما تحظر "المادة 6" منها بيع الأسلحة لدولة ترتكب جرائم إبادة جماعية أو جرائم حرب.
الأكثر غموضاً هو تغير تصنيف النزاعات كثيراً. في ممارسة لتحديد الأنواع المختلفة للنزاع المسلح والإطار القانوني الذي ينطبق على كل منها، أشار الخبير القانوني من الصليب الأحمر سيلفان فيتي، إلى حكم أصدرته المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي يسمح بتحديد ما هو بالضبط السوابق القضائية بشأن هذه المسألة بموجب القانون الدولي.
هذا هو الحكم الذي أصدرته محكم الجزاء الدولية "TPI" في 15 تموز/ يوليو 1999، ضد دوسان تاديتش بسبب جرائم الحرب التي ارتكبها في البوسنة. من هذا الحكم الذي يحدد اللحظة التي تدخل فيها دولة ما نفسها في نزاع مسلح أو في حالة حرب، يستنتج سيلفان فيتيه: "يحدث صراع دولي عندما ترسل قوة أجنبية قواتها عبر إقليم لدعم حركة معارضة للحكومة المحلية أو أنها تنسق هذه الحركة وتقودها عن بعد، وتذهب إلى حد التخطيط لأعمال مجموعاتها العسكرية بالإضافة إلى تمويلها أو تدريبها أو تجهيزها أو تزويدها بالدعم العملياتي.
لذلك تتقارب آراء المتخصصين في أوروبا: فمجرد إمداد دولة تتعرض لهجوم بالسلاح، من أجل التمكين من الدفاع عنها، لا يعتبر ذلك عملاً حربياً ضد المعتدي. لكي تكون مشاركاً في الحرب، عليك إرسال عملاء مسلحين باستخدام القوة المسلحة، أي تحريك التدخل العسكري. يعني إرسال السلاح وتقديم المساعدة العسكرية والدعم لأحد المتحاربين؛ وهذا يدل على أن الدولة ليست محايدة بالتأكيد، وأنها تعرض نفسها لإجراءات مضادة (غير مسلحة) من جانب الدولة التي تعتبر نفسها متضررة إذا رأت ذلك مناسباً؛ لكن هذا ليس عملاً حربياً، كما يقول المتخصص في القانون الدولي ديفيد كومين.
لا يزال يتعين على الكرملين الموافقة على نفس التفسير لموقف الغربيين. لا يبدو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الوقت الحالي مستعد للقيام به، حيث رسم منذ ذلك الحين خطين أحمرين: من خلال تحديد أن "أي بلد يحاول فرض منطقة حظر طيران في سماء أوكرانيا سيعتبر دولة محاربة" (مثل هذا القرار يفترض في الواقع إطلاق النار على الطائرات الروسية التي تحلق فوق أوكرانيا، والذي سيكون عملاً من أعمال الحرب)؛ من ناحية أخرى، بالقول إن الإذن الذي أعطته البلدان المجاورة لأوكرانيا لإطلاق طائرات حربية أوكرانية من مطاراتها "يمكن اعتباره تورط هذه البلدان في نزاع مسلح". في الواقع، كان من المحتمل أن يجد العديد من الطيارين الأوكرانيين ملاذاً في رومانيا على وجه الخصوص.
في الختام، حتى لو أقر القانون الدولي بأن الحرب والحياد هي مفاهيم ذات ملامح غامضة أكثر من ذي قبل، فإن تفسيرها المستمر يثبت أن بلداً ما لا يشن حرباً ضد بلد آخر ما لم يشارك مباشرة في القتال المسلح ضده، أو ينظم ويخطط لذلك.
إن إرسال أسلحة إلى القوات الأوكرانية لا يجعل لدول المعنية شركاء في القتال، كما سيكون الحال إذا قررت دول الناتو، على سبيل المثال، حظر الطائرات الروسية من الأجواء الأوكرانية، بالقوة إذا لزم الأمر.
* نقله إلى العربية: حسن عبد الله