"نيويورك تايمز: روسيا وإيران تستعرضان تحالفهما ضد أميركا
التقى بوتين بنظيره الإيراني في الكرملين، في وقت تختلف فيه الدولتان مع واشنطن.
-
رئيسي خلال قمته مع بوتين في الكرملين.
قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية إن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي قد جلس على طاولة طويلة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مسافة تباعد مراعاة لإجراءات فيروس كورونا، وذكّر رئيسي نظيره الروسي أمس بأن طهران "تقاوم أميركا منذ 40 عامًا".
وأضافت: بعد أن صارت روسيا اليوم تغوص بشكل أعمق في مواجهتها الخاصة مع الولايات المتحدة، أخبر رئيسي بوتين في تصريحات متلفزة، أنه قد حان الوقت لتحدي "قوة الأميركيين مع زيادة التآزر بين بلدينا".
وأشالرت الصحيفة إلى أنه كان هناك نوع من المسرح الجيوسياسي في الكرملين في لحظة حرجة لواشنطن وخصومها. بدأ رئيسي رحلة لمدة يومين إلى موسكو يوم أمس الأربعاء تهدف إلى إبراز الروابط المتينة بين دولتين لهما مصالح متباينة في كثير من الأحيان وتاريخ من العلاقات المتوترة، ولكن لهما، جنبًا إلى جنب مع الصين، خصم واحد هو الولايات المتحدة.
بالنسبة لبوتين، المتورط في نزاع مع الولايات المتحدة حول مناطق النفوذ وسيواجه عقوبات قاسية إذا نفذ غزوًا لأوكرانيا، فقد كانت فرصة له لإظهار أن لروسيا أصدقاء يمكنها الاتصال بهم في معاركها مع الغرب. وتماشياً مع هذه الرسالة، ستتضمن الزيارة خطاباً يلقيه رئيسي في مجلس النواب (الدوما) الروسي، وهو شرف نادر لزعيم زائر، تابعت الصحيفة.
وتشارك إيران، التي يعاني اقتصادها بالفعل بسبب العقوبات الأميركية، في مفاوضات دقيقة لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015. ومع ذلك، أعرب رئيسي عن دعمه الضمني لبوتين في أوكرانيا، وأكد وزير الخارجية الإيراني أن الرئيسين اتفقا على "إطار" اتفاق يحكم زيادة التعاون الاقتصادي والعسكري.
وأضافت "نيويورك تايمز": مع ذلك، لم يتم توقيع أي اتفاقات علنًا، ولا يزال غير واضح مدى استعداد الكرملين لبيع إيران المزيد من الأسلحة الروسية الحديثة التي طالما سعت إليها طهران. ولكن إلى جانب التدريبات البحرية المقبلة التي ستضم سفنًا حربية من روسيا وإيران والصين، بدا أن الكرملين عازمًا على إرسال رسالة مفادها أنه يواصل تعزيز العلاقات الجديدة التي يمكن أن تكون بمثابة ثقل موازن للغرب. فيما تظهر إيران بدورها أن لديها أيضًا بدائل إذا لم يتم رفع العقوبات الغربية عنها.
وقال بوتين لرئيسي: "على الساحة الدولية، نتعاون بشكل وثيق للغاية"، مشيرًا إلى الأزمتين في سوريا وأفغانستان، وتعهد بتقريب إيران من الكتلة التجارية التي تقودها روسيا والمعروفة باسم الاتحاد الاقتصادي الأوراسي.
وأشارت الصحيفة إلى أنه لا تزال هناك مجموعة من الاختلافات بين روسيا وإيران. فعلى الرغم من سنوات من العقوبات، لا يزال الاقتصاد الروسي، بعكس الاقتصاد الإيراني، مندمجًا بشكل وثيق مع الغرب. عمل بوتين على تعزيز العلاقات الوثيقة مع "إسرائيل"، التي يعتبرها القادة الإيرانيون عدواً. وفي فيينا، تعمل روسيا مع الولايات المتحدة وأوروبا لمحاولة إحياء المفاوضات المتعثرة بشأن استعادة الاتفاق الذي يقيّد برنامج إيران النووي.
وأوضحت: لكن مع اشتداد الصراع بين روسيا والغرب، أصبح المسؤولون الروس على استعداد متزايد لتجاوز هذه الاختلافات. وقال غريجوري لوكيانوف، الباحث المختص بالعلاقات الدولية في المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو للصحيفة، إن المسؤولين الروس أصبحوا أكثر انسجامًا في السنوات الأخيرة مع الموقف المعادي للغرب الأكثر تشددًا لبعض نظرائهم الإيرانيين.
وتحدث رئيسي، "وهو رجل دين شديد المحافظة أصبح رئيسًا في آب / أغسطس الماضي، لصالح علاقات أوثق مع روسيا على الرغم من شكوك الجمهور الإيراني"، بحسب الصحيفة.
وقال لوكيانوف عن رحلة رئيسي إلى موسكو: "هذه الزيارة ليست موجهة إلى الجمهور المحلي في كلا البلدين، ولكن في معظمها، موجهة إلى الغرب. هناك الآن مؤيدون أكثر في القيادة الروسية لتبني المسار الراديكالي لإيران، والذي كان يُعتبر غير مقبول في روسيا".
وقد حشدت روسيا حوالى 100 ألف جندي حول أوكرانيا، بينما طالبت بضمانات بأن حلف شمال الأطلسي (الناتو) لن يتوسع إلى أوكرانيا أو في أي مكان آخر في أوروبا الشرقية. يقول المسؤولون الغربيون إن بوتين قد يشن غزوًا لأوكرانيا في أي وقت، وهددوا بفرض عقوبات قاسية على روسيا وتقديم دعم عسكري جديد لأوكرانيا إذا فعل ذلك. أما رئيسي، فإنه في الجزء العلني من لقائه مع بوتين، لم يذكر أوكرانيا، لكنه كرر ازدراء الكرملين طويل الأمد للتحالف العسكري الغربي.
وقال رئيسي، بحسب رواية الحكومة الإيرانية عن الاجتماع، إن "نفوذ حلف الناتو تحت أي ذريعة في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى هو تهديد للمصالح المشتركة للدول المستقلة". وهو كان يشير إلى منطقتين أخريين كانتا ذات يوم داخل الاتحاد السوفياتي ولا يزال الكرملين يعتبرهما جزءًا من مجال نفوذ روسيا الشرعي.
ورأت "نيويورك تايمز" أن رئاسة رئيسي قد عززت "قوة الفصيل المتشدد الذي انتقد الحكومة الوسطية السابقة للرئيس حسن روحاني باعتبارها متوائمة للغاية مع الغرب، مما جعل إيران أقرب إلى موقف بوتين".
وأشارت الصحيفة إلى أن بوتين التقى برئيسي على الرغم من جهود الكرملين المكثفة لحماية بوتين من فيروس كورونا، حيث ينتشر متحور أوميكرون في موسكو. جلس الزعيمان على بعد حوالى 20 قدمًا، وقال المتحدث باسم بوتين في وقت لاحق لوسائل الإعلام الروسية إن ترتيب الجلوس كان بسبب "تدابير الضرورة الصحية".
وقال بوتين لرئيسي، مشيرًا إلى الطاولة الطويلة بينهما: "لا يمكن أن تحل مؤتمرات الفيديو أو المكالمات الهاتفية محل الاتصال الشخصي - حتى مثل هذا".
بعد اجتماع الأربعاء في الكرملين، نشر وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، على تويتر، أن الرئيسين "اتفقا على إطار اتفاق طويل الأمد". وفي تصريحاته أمس، قال رئيسي إن الوثيقة "سُلمت" إلى بوتين.
وقال أمير عبد اللهيان: "دخلت العلاقات بين طهران وروسيا مسارًا جديدًا وديناميكيًا وسريع الخطى. سيبدأ تعاون ممتاز في هذه المرحلة الجديدة من العلاقات".
قال مسؤولون إيرانيون إن الاتفاقية التي مدتها 20 عامًا والتي ناقشها الرئيسان بوتين ورئيسي، تركز على نقل التكنولوجيا من روسيا، وشراء المعدات العسكرية الروسية والاستثمارات الروسية في البنية التحتية للطاقة الإيرانية. وقالت إيران إن الاتفاق سيُصاغ على غرار اتفاق اقتصادي وأمني شامل تم توقيعه في أيلول / سبتمبر الماضي بين إيران والصين. وبموجب هذا الاتفاق، ستستثمر الصين نحو 400 مليار دولار في مجموعة واسعة من المشاريع في إيران في مقابل النفط المخفض لمدة عقدين.
وقال محمود الشوري، نائب مدير معهد الدراسات الإيرانية والأوراسية في طهران، في مقابلة عبر الهاتف مع "نيويورك تايمز": "نحن نسعى بالتأكيد إلى اتفاقية طويلة الأمد مع روسيا لأنها ضرورة. الأهم من الشراكة الاقتصادية مع روسيا هو التحالف العسكري والاستخباراتي".
وقالت الصحيفة إنه في روسيا، يعتقد العديد من المحللين أن احتمال زيادة التعاون العسكري الروسي مع الخصوم الأميركيين الآخرين هو أحد أفضل نقاط نفوذ الكرملين ضد واشنطن. وقالت وزارة الدفاع الروسية إن سفنًا حربية من الأسطول الروسي في المحيط الهادئ دخلت يوم الثلاثاء ميناء تشابهار الإيراني على خليج عمان قبل مناورة بحرية مشتركة مزمعة مع إيران والصين. لكن ربما يكون أكثر القضايا الشائكة التي تواجه موسكو وطهران هو مستقبل البرنامج النووي الإيراني. في تصريحاته المتلفزة يوم الأربعاء، قال بوتين لرئيسي إنه "من المهم للغاية الاستماع إلى موقفك" من المفاوضات في فيينا.
تتعثر المحادثات لإحياء اتفاق 2015، الذي يريد الرئيس الأميركي جو بايدن العودة إليه بعد انسحاب سلفه الرئيس دونالد ترامب منه في عام 2018. ويشير دبلوماسيون إلى أنه ربما لم يتبقَ أمامهم سوى أسابيع قليلة لإعادة العمل به قبل أن تنتهك إيران الحدود الأصلية بشكل كامل لدرجة أن إحياء الاتفاق سيكون بلا معنى.
في تشرين الثاني / نوفمبر الماضي، بعد فترة انقطاع بسبب الانتخابات الرئاسية الإيرانية، عادت حكومة رئيسي إلى المحادثات ورفضت التنازلات التي قدمتها الحكومة السابقة. مع بعض الضغط من روسيا، وافقت إيران بعد ذلك على التفاوض على أساس المحادثات السابقة، ولكن من دون قبول جميع التنازلات السابقة.
وقالت الصحيفة إن المحللين يعتقدون أن روسيا تواصل لعب دور بناء في محادثات فيينا، حيث ترى أنه لا إيران مسلحة نوويًا ولا هجومًا أميركيًا أو إسرائيليًا على إيران سيكون بديلًا مستساغًا للاتفاق النووي. وهذا يعني أنه من المحتمل أن يضغط بوتين على إيران للتحرك بشكل أسرع، على الرغم من أنه قد يميل إلى استخدام التعاون الروسي في المحادثات كأداة ضغط للمساومة في المواجهة بين روسيا والغرب بشأن أوكرانيا.
قال علي واعظ، مدير ملف إيران في "مجموعة الأزمات الدولية": "روسيا لا تريد إيران مع قنبلة (نووية) ولا أن تُقصف إيران. الروس بارعون جدًا في تجزئة خلافاتهم مع الغرب".
نقله إلى العربية بتصرف: هيثم مزاحم