"نيويورك تايمز": صعود اليساريين في أميركا اللاتينية
ساهم تزايد عدم المساواة والاقتصادات المتعثرة في تأجيج موجة انتصارات اليسار التي قد تمتد قريباً إلى البرازيل وكولومبيا.
-
زيومارا كاسترو المرشحة الاشتراكية التي فازت برئاسة هندوراس.
تناولت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية انتصارات اليسار الأخيرة في أميركا اللاتينية. وقالت في تحقيق موسع لها إنه في الأسابيع الأخيرة من عام 2021، صوتت تشيلي وهندوراس بشكل حاسم لرئيسين يساريين ليحلا محل القائدين اليمينيين، مما أدى إلى تحول كبير عبر أميركا اللاتينية.
وأضافت الصحيفة أنه هذا العام 2022، فإن السياسيين اليساريين هم المرشحون للفوز في الانتخابات الرئاسية في كولومبيا والبرازيل، خلفاً لشاغلَي المنصب اليمينيين، الأمر الذي من شأنه أن يضع اليسار واليسار الوسطي في السلطة في أكبر ستة اقتصادات في المنطقة، والتي تمتد من تيخوانا إلى تييرا ديل فويغو.
فقد أدت المعاناة الاقتصادية، واتساع عدم المساواة، والمشاعر القوية المناهضة لمنصب الرئيس وسوء إدارة مواجهة وباء كورونا، إلى الابتعاد عن قادة يمين الوسط واليمين الذين كانوا مهيمنين قبل بضع سنوات. فاليسار وعد بتوزيع أكثر إنصافًا للثروة، وتحسين الخدمات العامة، وتوسيع شبكات الأمان الاجتماعي بشكل كبير. لكن القادة الجدد في المنطقة يواجهون قيودًا اقتصادية خطيرة ومعارضة تشريعية يمكن أن تحد من طموحاتهم، كما يواجهون ناخبين مضطربين ممن أبدوا استعداداً لمعاقبة من يفشل في الوفاء بوعوده.
وتنقل الصحيفة عن محللين قولهم إن مكاسب اليسار يمكن أن تعزز الصين وتقوّض الولايات المتحدة، في الوقت الذي تتنافسان فيه على النفوذ الإقليمي، مع وجود مجموعة جديدة من قادة أميركا اللاتينية الذين هم في أمس الحاجة إلى التنمية الاقتصادية، وأكثر انفتاحًا على استراتيجية بكين العالمية لتقديم القروض والاستثمار في البنية التحتية. قد يجعل التغيير من الصعب على الولايات المتحدة الاستمرار في عزل الأنظمة اليسارية الشمولية في فنزويلا ونيكاراغوا وكوبا.
وقال بيدرو مينديز لوريرو، أستاذ دراسات أميركا اللاتينية في جامعة كامبريدج، إنه مع ارتفاع التضخم وركود الاقتصادات، سيجد قادة أميركا اللاتينية الجدد صعوبة في إحداث تغيير حقيقي في مشاكل عميقة. وقال إن الناخبين إلى حد ما "ينتخبون اليسار لمجرد أنه يمثّل المعارضة حاليًا".
وبلغ الفقر أعلى مستوياته منذ 20 عامًا في منطقة مكّنت فيها طفرة السلع قصيرة الأمد، الملايين من الصعود إلى الطبقة الوسطى بعد مطلع القرن. وتواجه العديد من الدول الآن بطالة كبيرة، ويعمل أكثر من 50 في المائة من العمال في المنطقة في القطاع غير الرسمي.
وأدت فضائح الفساد والبنية التحتية المتداعية ونقص التمويل المزمن لأنظمة التعليم والصحة إلى تآكل الثقة في القادة والمؤسسات العامة.
وعلى عكس أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما فاز اليساريون برئاسات في أميركا اللاتينية، فإن أصحاب المناصب الجدد اليوم مثقلون بالديون، والميزانيات الهزيلة، وقلة فرص الحصول على الائتمان، وفي كثير من الحالات، بالمعارضة الشديدة.
وقال إريك هيرشبيرغ، مدير مركز دراسات أميركا اللاتينية واللاتينية في الجامعة الأميركية، إن سلسلة انتصارات اليسار نتجت عن السخط الواسع النطاق. وأضاف: "هذا يتعلق بقطاعات الطبقة المتوسطة والعاملة التي تقول: (ثلاثون عامًا في الديمقراطية، ولا يزال يتعين علينا ركوب حافلة متداعية لمدة ساعتين للوصول إلى عيادة صحية سيئة)". وأشار إلى الإحباط والغضب و"الإحساس العام بأن النخب قد أثرت نفسها، وأنها فاسدة، ولم تعمل للصالح العام".
وقالت "نيويورك تايمز" إن فيروس كوفيد قد دمّر أميركا اللاتينية ودمر الاقتصادات التي كانت محفوفة بالمخاطر، لكن التحول السياسي في المنطقة قد بدأ قبل الوباء.
كان الإنجاز الأول هو انتخاب أندريس مانويل لوبيز أوبرادور في المكسيك، الذي فاز بالرئاسة بأغلبية ساحقة في تموز / يوليو 2018. وأعلن في خطابه ليلة الانتخابات: "ستتوقف الدولة عن كونها لجنة في خدمة الأقلية وستمثّل جميع المكسيكيين، الفقراء منهم والأغنياء".
في العام التالي 2019، انتخب الناخبون في بنما حكومة يسار الوسط، وحققت الحركة البيرونية في الأرجنتين عودة مذهلة واحتفل الرئيس ألبرتو فرنانديز، وهو أستاذ جامعي، بانتصاره على الرئيس المحافظ من خلال وعده "ببناء الأرجنتين التي نستحقها".
في عام 2020، تغلب لويس آرس على منافسيه المحافظين ليصبح رئيسًا لبوليفيا. وتعهد بالبناء على إرث الزعيم السابق إيفو موراليس، الاشتراكي الذي تركت الإطاحة به في العام السابق، الأمة لفترة وجيزة في يد رئيس يميني.
في نيسان / أبريل الماضي، صدم بيدرو كاستيلو، وهو مدرّس، المؤسسة السياسية في بيرو بفوزه بالرئاسة على المرشح اليميني كيكو فوجيموري. انتقد كاستيلو، الوافد السياسي الجديد، النخب وعرض قصة حياته - معلم عمل في مدرسة ريفية من دون مياه جارية أو نظام صرف صحي - كتجسيد لإخفاقات هذه النخب.
في هندوراس، فازت زيومارا كاسترو، الاشتراكية التي اقترحت نظامًا للدخل الأساسي الشامل للأسر الفقيرة، بسهولة على منافسها المحافظ في تشرين الثاني / نوفمبر الماضي لتصبح رئيسة منتخبة.
جاء آخر فوز لليسار في الشهر الماضي في تشيلي، حيث تغلب غابرييل بوريك، طالب سابق وناشط يبلغ من العمر 35 عامًا، على منافس من اليمين المتطرف من خلال وعده برفع الضرائب على الأغنياء من أجل تقديم معاشات تقاعدية أكثر سخاء وتوسيع الخدمات الاجتماعية.
وأشارت الصحيفة إلى أن الاتجاه نحو اليسار لم يكن عالميًا. ففي السنوات الثلاث الماضية، دفع الناخبون في السلفادور وأوروغواي والإكوادور حكوماتهم إلى اليمين. وفي المكسيك والأرجنتين، خسرت أحزاب يسار الوسط في الانتخابات التشريعية العام الماضي، مما أدى إلى تقويض رئسيهما.
وقال إيفان إليس، أستاذ دراسات أميركا اللاتينية في الكلية الحربية للجيش الأميركي، إنه لم تكن في ذاكرته أبداً أميركا لاتينية "حيث يهيمن عليها مزيج من القادة اليساريين والشعبويين المناهضين للولايات المتحدة". وقال: "في جميع أنحاء المنطقة، ستكون الحكومات اليسارية مستعدة بشكل خاص للعمل مع الصينيين في العقود المبرمة بين الحكومات"، وربما "فيما يتعلق بالتعاون الأمني وكذلك التعاون التكنولوجي".
وقالت جينيفر بريبل، أستاذة العلوم السياسية في جامعة ريتشموند التي تدرس أميركا اللاتينية، إن الخسائر الفادحة للوباء في المنطقة جعلت المبادرات اليسارية مثل التحويلات النقدية والرعاية الصحية الشاملة تحظى بشعبية متزايدة. أضافت: "يتمتع الناخبون في أميركا اللاتينية الآن بإحساس أقوى بما يمكن أن تفعله الدولة وأهمية انخراط الدولة في جهود إعادة توزيع (الثروة) وتقديم الخدمات العامة.. ومن الواضح أن اليسار يمكنه التحدث في ذلك بشكل مباشر أكثر من اليمين".
في كولومبيا، حيث من المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية في أيار / مايو المقبل، يحتل غوستافو بيترو، رئيس بلدية بوغوتا اليساري السابق، تقدمًا ثابتًا في استطلاعات الرأي.
وقال سيرجيو جوزمان، مدير شركة كولومبيا لتحليل المخاطر، وهي شركة استشارية، إن تطلعات بيترو الرئاسية أصبحت قابلة للحياة بعد أن ألقى معظم مقاتلي فارك، وهي حركة عسكرية ماركسية، أسلحتهم كجزء من اتفاق سلام تم التوصل إليه في عام 2016. وأضاف: "القضية الآن هي الإحباط، والنظام الطبقي، والتقسيم الطبقي، من يملكون ومن لا يملكون".
قبل عيد الميلاد بقليل، وقفت سونيا سييرا، 50 عامًا، خارج المقهى الصغير الذي تديره في بوغوتا. وقالت إن أرباحها تراجعت وسط الوباء، وإنها كانت غارقة في الديون بعد أن دخل زوجها المستشفى بسبب مرض كوفيد، فالموارد المالية شحيحة للغاية. وأضافت، مقتبسة كلمات أغنية شهيرة في كولومبيا: "هناك الكثير من العمل وليس هناك ما يمكن إظهاره من أجل ذلك. أنا لا أبكي، لكن نعم، هذا مؤلم".
في البرازيل المجاورة، أدى الفقر المتزايد والتضخم والاستجابة الفاشلة للوباء إلى جعل الرئيس جايير بولسونارو، اليميني المتطرف، يبدو خاسراً في التصويت المقرر إجراؤه في تشرين الأول / أكتوبر المقبل. إذ حقق الرئيس السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، وهو أحد اليساريين الذين حكموا البرازيل من عام 2003 إلى عام 2010، تقدمًا ملحوظًا، قدره 30 نقطة مئوية على بولسونارو في مباراة مباشرة، وفقاً لاستطلاع حديث.
وقال موريسيو دا سيلفا، 31 عامًا، وهو مساعد مدير في متجر للمستلزمات الزراعية في ريو دي جانيرو، إنه يأسف للتصويت لصالح بولسونارو في عام 2018، وأنه يعتزم دعم دا سيلفا. وأضاف: "اعتقدت أن بولسونارو سيحسّن حياتنا في بعض الجوانب، لكنه لم يفعل ذلك. كل شيء مكلف للغاية في السوبر ماركت، وخاصة اللحوم، مما دفعني إلى تولي وظيفة ثانية".
نقله إلى العربية بتصرف: هيثم مزاحم