"هآرتس": الجيش الإسرائيلي يجد صعوبة في تحليل الواقع

تقول صحيفة "هآرتس"، في عددها الثلاثاء، "لغاية الآن، الجيش الإسرائيلي واجه صعوبة في تقديم أفكارٍ أساسية للتعامل مع موجة العمليات، ويبدو أنه من المتوقّع استمرارها. في هذه الأثناء، الآمال بأن يذوي العنف من تلقاء نفسه مع انتهاء شهر رمضان خابت".

  • جنديان إسرائيليان قرب موقع عسكري إسرائيلي (أرشيف)
    جنديان إسرائيليان قرب موقع عسكري إسرائيلي (أرشيف)

الكاتب الإسرائيلي، عاموس هرئِل، يكتب في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن الذكرى الأولى لمعركة "سيف القدس"، ويحاول تصوير حالة "الجيش" الإسرائيلي الذي عمل على تصدير تقييمات غير واقعية للوضع ولنتائج المعركة، ويصف حالة الاحتلال جراء موجة العمليات الأخيرة في المناطق المحتلة، وكيف يمكن أن تؤثر على المستوى السياسي في القادم من الأيام.. وفيما يلي نص المقال كاملاً منقولاً إلى العربية..

 

موجة الإرهاب تفيد بأن الوضع في المناطق (الفلسطينية المحتلة – الضفة) لم يتغيّر بصورة مهمة بعد عامٍ على العملية في غزة. عندما تكون الحكومة في أزمات، والمؤسسة الأمنية والعسكرية تجد صعوبة في وقف الهجمات، فإن الخلافات يمكن أن تتفاقم بين المستوى السياسي والجيش.

لا يمكن فحص نتائج عملية "حارس الأسوار"، التي يصادف اليوم مرور عامٍ على بدئها، من دون النظر إلى الواقع الأمني في الأسابيع الأخيرة. هناك صلة واضحة بين الفترتين. صحيح أن جولة القتال الأخيرة في الجنوب خلّفت وراءها فترة طويلة نسبياً من الهدوء في غلاف غزة، وبدأت في أعقابها استثمارات اقتصادية استثنائية في البنى التحتية المنهارة في القطاع، لكن موجة العمليات الحالية في "إسرائيل" وفي الضفة الغربية، بتشجيعٍ فاعل من قيادة حماس في غزة، تفيد أن الوضع لم يتغيّر بصورة مهمة. في نهاية المطاف، "حارس الأسوار" ستُذكَر، هذا إذا ذُكرت، كتعادلٍ إضافي مُحزن، ضمن سلسلة مستمرة وربما لا تنتهي.

جولة القتال الأخيرة في غزة بدأت أصلاً في القدس. احتكاك لا لزوم له بين الشرطة وشبانٍ عرب، عند باب العمود وفي جبل الهيكل (الحرم القدسي)، ووفّر لزعيم حماس يحيى السنوار فرصة لصب الزيت على النار. عندما ناقضت حماس تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية، وأطلقت 6 قذائف صاروخية على القدس، حكومة بنيامين نتنياهو وبيني غانتس الانتقالية ردّت بشدة. 

واستمر تبادل القصف 12 يوماً أُطلقت خلالها آلاف القذائف الصاروخية على "إسرائيل"، وسلاح الجو قصف آلاف الأهداف في أراضي القطاع. أيضاً بعدما تحقق وقفٌ لإطلاق النار، بوساطة مصرية، لم يتغيّر الكثير ما وراء القتلى والدمار في الجانبين.

الإنجازات التي سجّلها كل طرف لنفسه كانت لها علاقة ضعيفة بالقصف المتبادل. السنوار حاول ونجح في كسر سياسة الفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية التي اعتمدتها حكومة نتنياهو. القذائف الصاروخية التي أُطلقت على القدس أعطت الإشارة لمواجهات قاسية بين عرب ويهود داخل الخط الأخضر، وزادت تأييد حماس وسط العرب، ووسط الفلسطينيين في الضفة. إنجازه الثاني كان في نفس حقيقة بقائه حياً، ومنظمته بقيت واقفة على قدميها، في ختام جولة القتال.

صورة السنوار التي نُشرت بعد وقف النار، وهو يجلس على كرسيٍّ في مكتبه المدمّر، كانت مصحوبة برسالة متحدية: لا يغيّر شيئاً ما تفعله إسرائيل، حماس مستعدة لمواصلة الصراع. هذا كان السرد الذي التقطه الجمهور الفلسطيني، وإلى حدّ ما الإسرائيليون أيضاً. 

في الواقع، كانت لحماس إنجازات عسكرية ضعيفة. غالبية الخسائر في "إسرائيل" نتجت عن قصف الصواريخ، بعضها نجح بالفعل في تشويش الحياة في الوسط لعدة أيام. غالبية محاولات حماس لإدخال مخربين عبر أنفاق إلى الأراضي الإسرائيلية، أو المهاجمة بواسطة مسيّرات، أو غوّاصين عبر الساحل الجنوبي، كلها أُحبطت. في المقابل، أيضاً النجاحات الإسرائيلية كانت محدودة، مقارنةً بالقصة التي يحاول الجيش الإسرائيلي سردها.

صحيح أنه وقعت أضرار لجهاز الأبحاث والتطوير في حماس، وأُصيب كثيرون من مسؤوليها، ودُمّرت أنفاق دفاعية وهجومية، وانتُزع شعور الأمان من قادتها في الأنفاق التي حفروها تحت الأرض، لكن في الحقيقة بهذا انتهى الموضوع. مسألة عملية مهاجمة "المترو" لا تزال مفتوحة ومشحونة. في الوقت الذي يصرّ فيه رئيس الأركان، أفيف كوخافي، على أنها كانت إنجازاً كبيراً، كثيرون في القيادة الأمنية يرون في القصف الكبير للأنفاق خسارة ذخرٍ استخباري حقق مقابلاً محدوداً فقط.

ترتيبات محدودة 

بعد عام، وَضعُ "إسرائيل" مع حماس لا يزال مقلقاً جداً. صحيح أن حكومة بينيت – لابيد انفكّت عن العادة المُشينة من نقل دولارات بحقائب من قطر إلى السلطة في غزة؛ وفي المقابل أقرّت الحكومة خطوة دراماتيكية – دخول 12 ألف عامل وتاجر (وفي المستقبل 20 ألفاً) من القطاع للعمل في "إسرائيل" – إلى جانب ضخ أموال للاستثمار في البنى التحتية المنهارة، لكن "إسرائيل" فشلت في جهودها في الوصول إلى أكثر من ذلك. أولاً، حماس اكتفت بترتيبات محدودة وامتنعت عن حل مشكلة الأسرى والمفقودين المحتجزين لديها؛ وثانياً، قادة المنظمة واصلوا التحريض على عملياتٍ في الضفة وداخل "إسرائيل"، مثلما يحدث بزخمٍ أكبر منذ بدء الموجة الحالية. 

"إسرائيل" اضطرت للرد على ذلك بوقف دخول العمال من غزة. هذا يعني أن سياسة الفصل فشلت إلى حدٍ كبير. لا يمكن التعامل مع غزة كساحة منفصلة والأمل بألا تواصل حماس التدخّل فيما يجري في الضفة. بالعكس، حماس لديها مصلحة مزدوجة في فعل هذا: من أجل الحفاظ على نار الصراع في "إسرائيل"، وكذلك بهدف إحراج السلطة الفلسطينية في رام الله وتقويض سيطرتها على الأرض.

إنها ليست انتفاضة جماعية، لكن يكفي هجوم قاتل واحد كل عدة أيام من أجل التقويض الكلّي لشعور الأمن الشخصي في الداخل الإسرائيلي، وبالنسبة لحماس هذا نجاح ضخم. من هنا الارتباك في "إسرائيل"، التي لا تنجح في ردع حماس عن التحريض عن بُعد، في خطابات قادتها وبواسطة الشبكات الاجتماعية. وهكذا أيضاً وُلدت مقترحات بحلولٍ سحرية، مثل اغتيال السنوار. 

لصدّ الموجة 

في البيانات الإعلامية، وكذلك في المشاورات الأمنية، تمسّك الجيش الإسرائيلي بخطٍ وحيد يشمل زعمَيْن: حماس لا تزال مردوعة بعد الضربة التي تلقّتها في "حارس الأسوار"، والصلة بينها وبين موجة الإرهاب الجديدة [الحالية] هي صلة غير مباشرة فقط. عملياً، يبدو أن الحاجة للدفاع عن إنجازات العملية الأخيرة تُشوّش تحليل الواقع الحالي. أيضاً في المستوى السياسي انتبهوا لذلك. 

الوضع السياسي للحكومة في أسوأ حال: الائتلاف بالكاد ينجو، ومشاعر القلق وسط الجمهور تتزايد على خلفية موجة الهجمات، والإجراءات الهجومية جداً في الساحة الفلسطينية يمكن أن تُخرج القائمة العربية الموحدة من الحكومة نهائياً. لكن إحباط رئيس الحكومة، نفتالي بينيت، لا ينبع من ذلك فقط. في الواقع، من اللحظة التي بدأت فيها الهجمات، الجيش يبث بأن سلسلة الإجراءات الحالية ستكون كافية من أجل صد الموجة؛ تعزيز القوات على خط التماس، عمليات اعتقال في شمال الضفة، وعقوبات اقتصادية على القطاع.

لغاية الآن، الجيش الإسرائيلي واجه صعوبة في تقديم أفكارٍ أساسية للتعامل مع الأزمة، ويبدو أنه من المتوقّع استمرارها. في هذه الأثناء، الآمال بأن يذوي العنف من تلقاء نفسه مع انتهاء شهر رمضان خابت. وفي الشهر الجاري تنتظر مواعيد حساسة: يوم النكبة ويوم القدس [الإسرائيلي] (ومعه مسيرة الأعلام لحركات اليمين في البلدة القديمة). 

في الخلفية يمثُل عدم الرغبة المفهوم في الأركان العامة في التورط في حربٍ لا لزوم لها، لكن على ما يبدو أيضاً الخشية من أن الحكومة في حالة أزمات متعددة ستواجه صعوبة في إدارة قتال لمدة زمنية. لكن كلما طالت الأزمة كلما برزت الفجوة بين الطريقة التي ينظر بها بينيت إلى الأمور، في مقابل وزير الأمن غانتس ومسؤولي الجيش الإسرائيلي. من المتوقع أن يزيد استمرار الهجمات من حدّة الخلافات، بطريقة تنزلق فيها إلى النقاش العام.