"هآرتس": نشر الأكاذيب ثقافة متجذرة في الجيش الإسرائيلي

صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تقول إنّ عمق ثقافة الكذب ووجودها في المؤسسة العسكرية تدفع إلى التشكك في إعلان جيش الاحتلال جاهزيته لأي هجمة.

  • قادة بالجيش الإسرائيلي (صورة أرشيفية)
    رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي (صورة أرشيفية)

كتب تسفي برئِل في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن انتشار ثقافة الكذب ونشر الأكاذيب في جيش الاحتلال، بما في ذلك الكذب على الجمهور الإسرائيلي.

فيما يلي النص منقولاً إلى العربية:

مثل الحَفر في جرح بثرة تفوح منها رائحة كريهة، أنتج يانيف كوبوفيتس (12/09/2022) صورة مَرَضية مخيفة لأكاذيب الناطق باسم الجيش الإسرائيلي. بدءاً من قضية قتل الصحفية شيرين أبو عاقلة، مروراً بقتل عبد المجيد أسعد ابن الثمانين سنة على يد جنود [كتيبة] "نيتساح يهودا"، وصولاً إلى قصف تخشيبة عائلة السواركة في غزة، الذي قُتل فيه 8 من أفراد العائلة بينهم 5 أطفال – وهذا مجرد بعض الحالات المثيرة للقشعريرة التي وُصفت في المقالة. 

إلى ذلك، يجب أن نضيف مئات، وربما آلاف، الأحداث التي قُتل وأُصيب فيها سكان فلسطينيون أبرياء على مدى عشرات سني الاحتلال، وظروف إصابتهم حظيت بردٍ بارد، وفي أغلب الحالات كاذب مفاده أنّ "الجيش الإسرائيلي عمل وفق الإجراءات"، وفي حالاتٍ نادرة "الجيش الإسرائيلي يفحص ويحقق" – ولا في أي حادثة منها "الجيش الإسرائيلي يعتذر". 

هذه ليست حوادث شاذة أو أخطاء يمكن تصحيحها من خلال "تجلية الإجراءات" أو تغيير أوامر فتح النار. إنّها ثقافة كذب متجذرة حظيت بشرعية إلى أن تحولت إلى جزءٍ لا يتجزأ من "قيم الجيش الإسرائيلي". في مقالة استثنائية كتبها اللواء احتياط إسحاق بريك في موقع "ميدا"، في شباط/فبراير الماضي، كتب من بين جملة أمور: "ليس للجنود، للضباط غير الآمرين، للضباط وللقادة، حتى في المستويات العليا، أي مشكلة في الكذب على المستوى المسؤول، والمستوى المسؤول يحب هذا، لأنّ هذا لا يفرض عليه مواجهة المشاكل التي لا تُعرض عليه، ويمكنه أيضاً مواصلة تقديم صورة جيداً للمستوى الأعلى". 

فيما خص التحقيقات التي يُجريها الجيش الإسرائيلي بعد وقوع حوادث، يشير بريك إلى تجذّر "ثقافة كذب، تستر، تدوير زوايا، إخفاء معلومات وتنسيق إفادات المتورطين حيال تحقيقات وتحقيق الشرطة العسكرية. بدل معالجة رأس الثعبان – الذي هو الضباط الكبار الذين يغضّون الطرف ومسؤولون مباشرةً عن ثقافة الكذب، في أغلب الحالات يعالجون أمر حارس الكتيبة من أجل رفع العتب". صحيح أنّه كلام جارف ظالم بحق الكثير من الضباط والجنود، لكن الظاهرة الموصوفة ليست كاذبة. 

عمق ثقافة الكذب ووجودها مديداً لسنوات يقودان إلى خلاصة واحدة لا غير: على رأس المؤسسة العسكرية تقف قيادة ليس فقط مدركة للأكاذيب التي تنشرها، بل وأيضاً تمنحها شرعية حيث أنها تعتبرها جزءاً لا يتجزأ من الحرب عموماً، وعلى الوعي بشكلٍ خاص. لكن هناك فارقٌ سحيق بين نشر أكاذيب كجزءٍ من حربٍ نفسية ضد عدو، وبين استخدام الكذب كأداة لنفض اليد من المسؤولية، لصد انتقاد ومنح دعمٍ لجنود وقادة ارتكبوا خطيئة في مكانٍ مطلوب فيه اجتثاث وتطهير اللوثة. هذا النوع من الكذب يتعامل مع الجمهور الإسرائيلي نفسه كأنه عدو، يجب "العمل عليه" كي يستمر في تصديق أخلاقيات الجيش وكفاءة قادته وفي صوابية عمله التنفيذي. 

الثقة التي يجهد الجيش الإسرائيلي لتنميتها بمساعدة مكتب العلاقات العامة الضخم المسمّى وحدة الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، لها أهمية استراتيجية هائلة. من دونها لن يكون بالإمكان التعامل بجدية مع تقارير الجيش عن حجم التهديد المنعكس على "إسرائيل" وعن قدراته العملياتية في إدارة معركة مستقلة ضد إيران ومواجهة حماس والجهاد الإسلامي، وتصديق أنّ مطالباته حول الميزانية مناسبة، وفي الأساس الاعتماد عليه في المحافظة على حياة الجنود. لكن عندما يكذب ضابط صغير على قائده حول ظروف قتله لفلسطيني، والقائد يساعده في هذا الكذب ليقفز من دون إعاقة، وصولاً إلى مكتب رئيس الأركان، وعندما يغلّف الناطق باسم الجيش الإسرائيلي الكذب بستارة كثيفة من الزيف، لماذا يصدّق أحد نفس هذا الناطق ونفس رئيس الأركان بأن عملية تنفيذية في جنين هي حيوية، وأنّ الهجمات في سوريا ناجحة على الدوام، وعموماً، أنّ "الجيش الإسرائيلي مستعد لكل سيناريو"؟ 

رئيس أركان خائف على ثقة الجمهور بالجيش الإسرائيلي يجب عليه تبنّي سياسة صفر تسامح مع الأكاذيب، على كل مستوى وفي كل رتبة، وضمن هذا عدم استخدام ناطقين يرون في الكذب ذخراً استراتيجياً.