"يديعوت أحرونوت": أفغانستان.. مقبرة الأوهام العسكرية
يشابه الانسحاب الأميركي من أفغانستان انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، بحسب موقع "يديعوت أحرونوت"، وهو بمثابة رسالة إلى إيران وغيرها من التنظيمات المعادية لأميركا بأن "الصبر يؤتي أكله".
نشر موقع "ynet" الإسرائيلي، التابع لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، مقالاً حول انسحاب أميركا من أفغانستان، وتشابه ذلك مع الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان قبل نحو عقدين، موضحاً أثر هزيمة الجيش الأميركي على أعدائه في الشرق الأوسط.
وفيما يلي النص منقولاً إلى العربية:
كانت ولا تزال أفغانستان مقبرة جيوش دول عظمى: في القرن الـ19 كان البريطانيون هم من أرسلوا عشرات آلاف الجنود إلى كابول، وفقط 16 منهم عادوا أحياء. في القرن الـ20، كان الجيش الأحمر للاتحاد السوفييتي الذي اضطر للهرب. وفي القرن الـ21 الجيش الأميركي وحلفاءه من "الناتو" الذين هربوا منها.
لقد حدث للأميركيين في أفغانستان تماماً مثلما حدث لنا في مغامرتنا اللبنانية، التي بدأت بحرب لبنان الأولى في سنة 1982، وانتهت بالانسحاب من الحزام الأمني في سنة 2000. هم استغرقهم 20 سنة كي يفهموا أن ليس لديهم ما يفعلونه هناك، ونحن استغرقنا أقل بقليل، "فقط" 18 سنة، لكن الأسباب التي بسببها الأميركيون يهربون من أفغانستان هي بالضبط نفس الأسباب التي بسببها هربنا من الحزام الأمني: محاولة تحقيق أكثر مما يمكن تحقيقه بواسطة قوة عسكرية وحلفاء موضع شك، وتراجع الاستعداد لتلقّي خسائر.
الولايات المتحدة ستخسر القليل من كرامتها كقوة عظمى عالمية بعد الفشل في أفغانستان، لكن في المحصّلة، الأميركيون سيكسبون فقط. لن يضطروا لإعادة جنودٍ إلى الوطن في أكياس جثث، ولن يرموا مليارات الدولارات في الحفرة الأفغانية التي ليس لها قاع.
وجودهم في أفغانستان خدم إيران وروسيا والصين، وكلها كان لها مصلحة بوجود حكومة مستقرة في أفغانستان، لا أن يحكمها المتطرفون الذين يهددون بتقويض الاستقرار في هذه الدول الثلاث. الآن، فيما الأميركيون يخرجون و"طالبان" تسيطر، الصينيون والروس والإيرانيون قلقون ويسارعون في محاولة إقامة علاقات مع "طالبان"، التي يشكّل تطرفها الإسلامي تهديداً لهم.
الجيش الأفغاني، الذي درّبه وجهّزه الأميركيون وأنفقوا عليه مبلغاً خيالياً بلغ 86 مليار دولار، لم ينجح في الوقوف بوجه "طالبان"، بل وحتى لم يحاول مقاومتها كما يجب. الجيش خسر منذ زمن ثقته بالحكومة، التي لم تحوّل الرواتب لعناصره وأرسلتهم إلى أماكن بعيدة ليس بينهم وبين سكانها أي صلة، بالإضافة إلى أن الجيش كان يعاني من الفساد وتعلّقه بالأميركيين. وعندما رحلوا، ببساطة تفكك، وهذا بالضبط ما حصل لنا مع "جيش لبنان الجنوبي" [العملاء] في أيار/مايو 2000، في جنوب لبنان.
تفكك "جيش لبنان الجنوبي" بدأ عندما أعلن رئيس الحكومة حينها، إيهود باراك، أنه ينوي الخروج من الحزام الأمني في جنوب لبنان، وأُنجز عندما أغلق بيني غانتس خلفه بوابة "الجدار الطيب". هذا بالضبط، ما يحدث للأميركيين الآن في أفغانستان.
"الصبر يؤتي أُكله"
بداهةً، إن عودة "طالبان" إلى السلطة ستكون لها تداعيات ما وراء حدود أفغانستان. الأمر الأول، والذي يحصل، هو موجة ضخمة من اللاجئين. أوروبا قلقة الآن من أن تغمرها موجات من اللاجئين الأفغان.
الأثر الثاني سيكون التشجيع لحركات إسلامية متطرفة في أنحاء العالم، بدءاً من "داعش" والمنظمات المسلحة المتفرعة عنها، ولـ"حماس" وللإيرانيين. لقد حصلوا على دعمٍ لاستراتيجيتهم القائلة بأن الصبر والحافز الديني يتغلبان وبُعد الوقت ليس له أهمية.
لكن الخلاصة الأهم التي يجب استنتاجها من أحداث أفغانستان هي أن هناك حدود واضحة لما يمكن تحقيقه بواسطة قوة عسكرية وتريليونات الدولارات الخضراء. في نهاية المطاف ينتصر من لديه حافزية زائدة. لدى "طالبان"، الحافزية نبعت وتنبع من دوافع دينية، وهذا الآن هو المحرّك الأقوى الذي يمكن إيجاده في أنحاء الشرق الأوسط وشرق آسيا. خلاصة أخرى هي أن دول الغرب الديمقراطي، التي تخشى من خسائر في ميدان القتال، ستحتاج إلى بلورة استراتيجيات وتكتيكات جديدة من أجل التعامل مع "الإرهاب الإسلامي".