"يديعوت أحرونوت": العنف متجذّر بعمق في الثقافة الإسرائيلية.. ولن يختفي
تحدثت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية عن غياب الأخلاقيات والقيم في "المجتمع الإسرائيلي"، بالإضافة إلى تفشي العنف بشكلٍ كبيرٍ في "الثقافة الإسرائيلية".
-
"يديعوت أحرونوت": العنف الذي يمثل جزءاً مركزياً من التجربة الإسرائيلية له جذور تاريخية عميقة
نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية مقالاً لـ نثنائيل فولوخ، يتحدث فيه عن غياب الأخلاقيات والقيم في الداخل الإسرائيلي وتفشي العنف بشكلٍ كبيرٍ في "الثقافة الإسرائيلية".
وفيما يلي نص المقال منقولاً حرفياً إلى العربية:
أراد آباء الصهيونية يهودياً قوياً ونجحوا أكثر من اللازم: اليهودي هنا أصبح بلطجياً. أدى الاندماج مع وعي الضحية، الذي كل العالم ضده، إلى التجربة الإسرائيلية اليومية العنيفة.
سلسلة الأحداث العنيفة التي اجتاحت "إسرائيل" في الأسابيع الأخيرة لم تظهر من العدم، ولا حلول سحرية تجعلها تختفي. للعنف الإسرائيلي أسبابٌ كثيرة. يدعي البعض أنها تنبع من ثقافة بلاد الشام، وآخرون يتّهمون تراخي النظام القضائي. هنا سأقدم تفسيراً آخراً. لا أدعي أن هذا تفسير وحيد، لكن العنف الذي يمثل جزءاً مركزياً من التجربة الإسرائيلية له جذور تاريخية وثقافية عميقة. وهذا أيضاً هو السبب الذي يجعل من الصعب جداً، وربما المستحيل، معالجته بصورة ناجعة.
أولاً، عندما صاغ مؤسسو الحركة الصهيونية مبادئها، من اليمين واليسار، بمن فيهم هرتزل وجابوتنسكي وقبلهما، كانوا يطمحون إلى خلق يهودي جديد، حديث، مستقل وقوي. لم يعد اليهودي القديم المنفي يعتمد على إحسان الغوييم [الأغيار – غير اليهود]. في هذا نجحت الحركة الصهيونية بلا شك. لكنها نجحت أكثر من اللازم. وقع اليهودي القوي في حب قوته وأصبح بلطجياً. والبلطجي لا يميز كثيراً بين ضحاياه. إن اليساريين الذين يرون الاحتلال مصدر فساد الثقافة الإسرائيلية مخطئون. الاحتلال هو نتيجة العنف الإسرائيلي وليس سببه. ولذلك يتم توجيه نفس العنف أحياناً ضد غير يهود وأحياناً ضد يهود. ما وراء الخط الأخضر وفي داخله.
ثانياً، كان النهج اليهودي دائماً مبنياً على فصلٍ واضح بين "نحن" و"هم". من جهة اليهود، ومن الجهة الأخرى كل البقية. بالطبع، فإن تجربة الاضطهاد في المنفى أضافت إلى هذا الشعور بأن العالم كله ضدنا. من الواضح أن هذا الشعور ليس له أي مبرر اليوم، عندما يعيش اليهود الإسرائيليون في واحدة من أقوى دول العالم - اقتصادياً وعسكرياً ودبلوماسياً. لكن التخلي عن شعور الضحية ليس بالأمر السهل. هناك شيء ما يبعث على الارتياح: الضحية لا تتحمل أي مسؤولية ولا يجب اتهامها بشيء. وكل شيء مباح لها لأنها ضحية تقاتل من أجل حياتها. الانتقال بين شعورٍ جماعي كهذا وبين الشعور الفردي سريع، ويكاد يكون تلقائيًا. إذا كان كل شيء مسموحًا به "لليهود"، فعندئذ أنا، اليهودي الفرد، مسموح لي أيضاً أن أفعل ما أريد. أيضا على حساب يهود آخرين.
يمكن للتاريخ اليهودي أن يفسر أيضاً "صاحبك" إسرائيل [التعامل مع الغريب مباشرةً كصاحب ورفع اللياقات]. لقد عاش اليهود دائماً معاً، وغالبًا ما كانوا مكتظين في غيتاوات. كان لدى العائلات الكثير من الأطفال. التجارب الثقافية الرئيسية كانت كلها مشتركة، وعلى رأسها الذهاب إلى الكنيس. يعتقد البعض أن هناك شيئاً جميلاً في هذا الصحبة اليهودية والإسرائيلية، لكن مع ذلك، فإن أي شيء غير متناسب ليس جيدًا. هناك فرق بين الصحبة وعدم احترام الآخر، والانتقال بين أحدهما والآخر يحدث بسرعة دون ملاحظة ذلك. لقد نقشت الليبرالية الحديثة على رايتها حقوق الفرد، لكن من الصعب احترام ذلك عندما يتصاحب الجميع مع الآخرين.
كل هذا يقودنا إلى السبب الرئيسي للعنف الإسرائيلي المميز، والذي يصعب تفسيره. عالم الاجتماع اليهودي الألماني نوربرت إلياس وصف في كتابه "سيرورة التحضر" كيف تطورت عادات الآداب الأساسية تدريجياً في الثقافة الأوروبية، تلتها ثقافة أعلى على مستوى الدول. تتمثل إحدى الطرق المبسطة إلى حد ما لتلخيص هذا الكتاب الطويل والمعقد في القول بأنه حيثما لم يتعلم الناس بعد كيف لا يضعون أصابعهم في أنوفهم في الأماكن العامة، فلا ينبغي أن يُتوقع منهم تطوير نظام اجتماعي وسياسي تقدمي.
توفر نظرية إلياس مفتاحاً لفهم العنف الإسرائيلي النموذجي. كلنا نعرف هذا العنف. نشهده في كل مكان. ومن يسافرون إلى الدول الغربية المتقدمة، في أوروبا أو أميركا، على سبيل المثال، يشعرون بذلك دائماً عند عودتهم إلى "إسرائيل". التعارض مذهل. من أماكن يمسكون لك فيها الباب مفتوحاً كي تمر، ومن أماكن يقول فيها كل شخص تقريباً "من فضلك" و"شكراً لك"، الانتقال إلى الأجواء الإسرائيلية يكون مدهشاً في كل مرة، وليس بالمعنى الجيد للكلمة.
تشمل التجربة الإسرائيلية اليومية المألوفة لنا جميعاً الوقاحة وعدم احترام الآخرين والدفع في طابور والسائقين الذين لا يتوقفون بأغلبهم للمشاة عند ممر المشاة، حتى لو كان طفلًا صغيراً أو امرأة عجوز. وهي تتضمن رمي الأوساخ في الأماكن العامة والتطفل على مساحة الآخر إلى حد تلامس تفوح منه رائحة العرق. هناك ازدراء واضح لدرجة الوقاحة اللفظية. لا يمكن الحديث أصلاً عن "من فضلك" و"شكراً جزيلاً" و"آسف" على الإطلاق. لا يوجد صبر، لذلك لا يوجد تسامح أيضاً.
شعور أنا فقط ولا يهمني أحدٌ غيري لم يعد نِحلة مجموعة معينة في المجتمع الإسرائيلي. يتقاسمه الجميع، رجالاً ونساءً، شباباً وكباراً، يهوداً وعرباً، يمينيون ويساريون، مزراحيم [شرقيين] وأشكيناز [غربيين]، أغنياء وفقراء. حتى ذلك الشخص الذي يعبر عن اشمئزازه من أعمال عنف صارخة - حتى لو لم يعترف بذلك - له دور في تلك الأفعال، إذا لم يتصرف مثل شخص مثقف فيما يسمى بحسب الظاهر الأشياء الصغيرة. لأنه في مجتمع لا يحترم فيه الأشخاص الطبيعيين بعضهم البعض في الأمور اليومية، لن يتردد الأشخاص غير الطبيعيين في اللجوء إلى العنف الشديد. هناك تطابق لا مفر منه بين الأشياء. كما أن الافتقار إلى الأدب وعدم الاحترام للآخرين هو بمثابة عنف. وغني عن القول، حسب مقولة نوربرت إلياس، إن مجتمعًا كهذا ليس لديه فرصة للتعامل مع مشاكل اجتماعية وسياسية مصيرية.
فماذا نحن فاعلون؟ الجواب واحد ووحيد، وكلنا نعرفه - التربية. منذ زمن بعيد، أكد نظام التعليم في "إسرائيل" على "القيم اليهودية"، مما يعني أن القيم غير اليهودية تعتبر أدنى في نظره. إذا كان هناك بالفعل اختلاف بين القيم اليهودية وغير اليهودية، فيجب أن نسرع في تبني الأخيرة تحديداً. الإصرار على أننا مختلفون عن الغوييم [غير اليهود]، أفضل منهم، متفوقون عليهم، أكثر أخلاقية منهم، قادنا إلى الواقع الكئيب لإسرائيل في سنة 2022. بدلاً من ذلك، يجب أن نبدأ في تربية أطفالنا على القيم الإنسانية والليبرالية والحديثة.
في صميم هذه القيم احترام الآخر. ليس التباهي المتبجح بمقولات مثل "أحب قريبك كنفسك" أو "ما تكرهه لنفسك لا تفعله لصديقك"، بل التطبيق المتواضع لهذه المبادئ في الحياة اليومية. ما يسمى بـ "القاعدة الذهبية". هذه قاعدة عالمية وليست اختراعاً يهودياً.
لكن لا توجد حلول سحرية في التربية. إنها بطبيعتها تستغرق سنواتٍ طويلة. تغيير الثقافة الإسرائيلية العنيفة بشكل جذري سيتطلب الأقل جيلًا، وهذا فقط أيضاً في حال بدأنا في معالجته اليوم وعلى الفور. على خلفية وضع نظام التعليم الإسرائيلي، لا مجال للتفاؤل.