بانتظار رئيس أميركا.. ترقّب فلسطيني وغياب المبادرة
ينتظر الفلسطينيون تبدّلاً في الإدارة الأميركية، لعلّه ينعكس على سياسة الولايات المتّحدة تجاه قضية فلسطين، فيما تختلف مواقف يهود أميركا، من الإدارة الأميركية ومن يهود "إسرائيل" إلى حد كبير.
تجتهد وزارة الخارجيّة الفلسطينيّة، بتوجيه من السّلطة والرئيس أبو مازن، لعقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة مع بداية السنة القادمة، لإحلال السلام في الشرق الأوسط، بشكل يعطي الشعب الفلسطيني حقّه المشروع في إقامة دولته الفلسطينيّة المستقلّة على جزء من أرض فلسطين بحدود الرابع من حزيران/يونيو 1967.
لكن ما دامت الإدارة الأميركيّة تحمي "إسرائيل" في مجلس الأمن بالفيتو الأوتوماتيكي، فلن تستطيع فلسطين الحصول على قرار أممي يلزم "إسرائيل" بالانصياع إلى القرارات الدوليّة ذات الصّلة. وعليه، ينتظر الفلسطينيون تبدّلاً في الإدارة الأميركية، لعلّه ينعكس على سياسة الولايات المتّحدة في الشرق الأوسط وجوهر الصراع، قضية فلسطين، لكن حصلت تغييرات في الإدارة الأميركية في السابق، ولم يحصل تغيير جدّي في السياسة الأميركية، بل كانت مواقف الحزب الجمهوري أحياناً مشجعة للفلسطينيين أكثر من مواقف الديموقراطي! إذاً، هل يكفي الانتظار أو أننا بحاجة إلى خطة عمل تعتمد على ما هو جديد في أميركا ويمكن البناء عليه؟
وفي وقت لا تبتعد المعركة الانتخابيّة في الولايات المتحدة عن موضوعين أساسيين هما مكانة الدولة العميقة والنظام الديموقراطي ومكانة أميركا الدولية التي يهددها الرئيس ترامب بسياسته "الهوجاء"، كما يصفها الديموقراطيون، وفشله في معالجة أزمة كورونا التي حصدت حياة أكثر من 200 ألف أميركي، تحتدّ الأزمة السياسيّة في "إسرائيل" بين حكومة نتنياهو المتطرفة وبين المعارضة الليبرالية المتواجدة في الشارع منذ أشهر. ويتمحور الصراع أيضاً حول مسألة حماية مبادئ الديموقراطية والدولة العميقة والدفاع عنها، في مواجهة خطر الفاشية والفساد في القمة وسيطرة الفرد على مواقع القرار.
في ظلّ هذه الأجواء، تتّجه الأنظار في "إسرائيل" إلى المقارنة بين المرشحين ترامب وبايدن، وفق معايير التشابه بين إدارة ترامب وإدارة نتنياهو من جهة، ومن جهة أخرى، وفق مقياس واحد للتمييز بين المرشحين الأميركيين، بايدن وترامب، وهو: "ما هي مصلحة إسرائيل"؟ وانعكاس سياسة كل منهما في الشرق الأوسط. هكذا اعتاد الإسرائيليون أن يبنوا مواقفهم ويقيسوا علاقاتهم مع الدول وقياداتها، بما في ذلك الولايات المتحدة.
من هنا يمكن أن نفهم التأييد الكبير لإدارة ترامب في "إسرائيل" بخلاف موقف يهود الولايات المتحدة منه. ومن هنا أيضاً، يمكن أن نفهم موقف الإجماع الصهيوني في الكنيست، وتأييده اتفاقيات التحالف الإسرائيلي مع الإمارات والبحرين والسودان، وإن كانت برعاية ترامب، وهم يطمحون إلى أن تشمل السعودية وقطر وعدداً آخر من الدول العربية والإسلامية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من دون أي اعتبار لحسابات سياسيّة داخليّة.
أما يهود أميركا، فتختلف مواقفهم من الإدارة الأميركية، كما يقول الكاتب شلومو شامير، لتحددها معايير أميركية، وليست إسرائيلية، الأمر الذي يجعل غالبيتهم في تناقض مع إدارة ترامب ومع يهود "إسرائيل" إلى حد كبير، إلى درجة فقدان الصلة بين غالبية يهود أميركا وحكومة نتنياهو.
الواقع الاجتماعي والسياسي ليهود الولايات المتحدة، وفق معهد "بيو"، يقسمهم إلى 4 فئات: إصلاحيين 35%، ومحافظين 18%، ومتدينين حريديم 10%. أما الفئة الكبرى، فهي لا ترى نفسها منتمية إلى أي تيار يهودي، وتشكل 37% من يهود أميركا.
على هذه الأسس الاجتماعية، يضيف الكاتب شلومو شامير، يحدّد يهود أميركا علاقاتهم بالإدارة الأميركية، وليس على أساس موقف الإدارة من "إسرائيل". من هنا يمكن أن نفهم لماذا صوَّت 60% من الحريديم الأميركيين لصالح ترامب في العام 2016، بينما صوَّت لصالحه 16% فقط من يهود منهاتن، ولماذا تتوقع مجلة "عمي" اليهودية الأرثوذكسية أن 83% من الحريديم الأميركيين سيصوتون لصالح ترامب اليوم. من هنا أيضاً نفهم كيف صوّت 71% من يهود أميركا في العام 2016 لهيلاري كلينتون مقارنة بـ21% لصالح ترامب.
تؤكّد ذلك الاستطلاعات الأخيرة للجنة اليهودية الأميركية، فتشير إلى أنَّ 75%-80% من يهود أميركا سيصوتون في الانتخابات الحالية لصالح الحزب الديموقراطي ومرشحه بايدن، على الرغم من كل الهدايا التي قدمها ترامب لـ"إسرائيل"، ولم يكن يحلم بها أحد.
وعليه، إذا ما أخذنا المعطيات المذكورة أعلاه بعين الاعتبار، ألا يجوز لنا أن نتساءل: لماذا لا يعمل الناشطون الفلسطينيون في أميركا للنفاذ من هذه الشقوق والاختلافات لتغيير الموقف اليهودي الأميركي، حين تكون الإدارة بيد الديموقراطيين، للاعتراف بالحقوق الفلسطينية؟ هل يكفي ذلك أو أنَّ هناك اتجاهات جديدة في الحزب الديموقراطي يمكن البناء عليها أيضاً، وهناك فرصة متاحة يمكن استخدامها لتغيير موقف بايدن في حال فوزه في الانتخابات؟
يلاحظ المراقبون في "إسرائيل" وجود 3 أجنحة في الحزب الديموقراطي، إضافةً إلى الجناح التقليدي المؤيد لـ"إسرائيل" من دون محاسبة، والمعروف بتيار كلينتون، ويتصاعد دور التيار الليبرالي المنتقد للسياسات الإسرائيلية، والمتمثل بما يسمى "جي ستريت".
أما الأكثر أهمية، فهو تصاعد تأثير الجناح التقدمي اليساري بقيادة اليهودي بيني ساندرز، مع تعاظم التشبيه بين سياسة ترامب العنصرية ضد الأميركيين من أصل أفريقي، وسياسة نتنياهو واليمين الفاشي ضد الشعب الفلسطيني.
وعليه، تقول تمارة كوفمان فايتس (مستشارة أوباما لشؤون الشرق الأوسط، وباحثة كبيرة في معهد بروكنغز اليوم): "سيكون التحدّي الأكبر للرئيس القادم هو وضوح الرؤية وتحديد أهداف السياسة الأميركية في الشرق الأوسط بعد فترة من البلبلة وخيبات الأمل"، مع العلم أنّ بايدن كان قد صرَّح لوكالة الأنباء اليهودية (JTA) في أيار/مايو 2020، محذّراً "إسرائيل" من ضمّ أيّ جزء من سياسة الضم لأيّ جزء من المناطق المحتلة، لأن ذلك سيقضي على حلّ الدولتين، وهو الحل الذي يضمن بقاء "إسرائيل".
ويخشى الإسرائيليون أن يحيط بايدن نفسه بمستشارين من مجموعة أوباما السابقة أو جناح ساندرز، فيكون صوتهم هو الأعلى لتحديد السياسة الأميركية الجديدة في الشرق الأوسط. وفي حالة نجاح بايدن، لا شكَّ في أننا سنشهد نشاطاً إسرائيلياً حكومياً مكثفاً، ومن جهة نتنياهو تحديداً، لتقييد سياسته، من خلال كونغرس فاعل ومؤيد له، فهل تترك الساحة الجديدة لنشاط صهيوني معهود من دون نشاط في الاتجاه الآخر؟
هل يعقل أن يحصل تغيير في موقف بايدن من العلاقات الأميركية السورية أو الأميركية الإيرانية قبل حصول تغيير في سياسته تجاه قضية فلسطين؟ وكيف؟ علماً أن إدارة أوباما - بايدن، وتحديداً وزيرة الخارجية آنذاك هيلاري كلينتون، هي التي عملت واجتهدت مع بداية العام 2012 لإقامة ما أسمته في كتابها "خيارات صعبة": "شراكة استراتيجية بين أميركا ودول الخليج الست مجتمعة ضد إيران ولدعم الثوار في سوريا"! مع إشارتها المهمة إلى أن إدارة أوباما لم تكن مستعدة لدعم "الثوار" بالسلاح.
ربما يدل ذلك على أن خيارات كلينتون كانت مختلفة عن خيارات البيت الأبيض الذي قاده أوباما، فهل يصبح التغيير والابتعاد عن سياسة كلينتون ممكناً بعد أن فشلت كل جهود إدارتي أوباما وترامب وحلفائهم الدوليين الخليجيين والعثمانيين، ومعهم "إسرائيل"، في إسقاط الدولة السورية أو الإيرانية، واضطرار إدارة أوباما إلى التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران، الذي تراجعت عنه إدارة ترامب، وشكَّل هذا التراجع صفعة للديموقراطيين؟ هل يعود بايدن لإحياء هذا الاتفاق، على أن يكون مقترناً أو ملحقاً بتسوية القضية السورية وموقع إيران في المنطقة؟
لا بدَّ من أن مثل هذه التسوية ستشمل توازنات إقليمية، بما في ذلك مكانة روسيا ونفوذها في الشرق الأوسط مقابل النفوذ الأميركي، وقد تنقذ مثل هذه التسوية الولايات المتحدة من تداعيات فشلها في العلاقة مع المحور الإيراني السوري أيضاً.
قد تتّصل مثل هذه التسوية بتسويات أخرى في منطقة الشرق الأوسط لتشمل لبنان وفلسطين، ولا شك في أن ذلك سيقضّ مضاجع اليمين الإسرائيلي المتطرف، وربما اليمين الإسرائيلي الليبرالي أيضاً، ولكن إذا أصرت الإدارة الديموقراطية الجديدة على الاستمرار من حيث انتهى أوباما، ونجح الناشطون العرب، وخصوصاً الفلسطينيين، في اختراق أجنحة الحزب الديموقراطي بهدوء، فلن يكون أمام "إسرائيل" إلا القبول بما تريده أميركا.
لن يحدث ذلك من تلقاء نفسه، ومن دون نشاط فلسطيني فاعل وهادئ داخل الإدارة الجديدة، الأمر الذي يتطلَّب من الفصائل الفلسطينية استغلال الفرصة، بقيام أجنحة شابة ليبرالية ويسارية داخل الحزب الديموقراطي، ومعارضة هذه الأجنحة لسياسة ترامب ونتنياهو ومحمد بن سلمان على حد سواء، حتى الوصول إلى حالة الحياد الأميركي في مجلس الأمن، وهذا ممكن إذا ما اعتمدت الفصائل، على اختلاف توجهاتها الاجتماعية وعلاقاتها، نشاطاً يهدف للوصول إلى موقف سياسي موحّد وفق مبدأ "مصلحة فلسطين أولاً".
يقول دينيس روس في كتابه الأخير "Doomed to succeed" إنّ "كل رئيس للولايات المتحدة يحاول الابتعاد عمن سبقوه، وخصوصاً إذا كان السابق من الحزب الآخر، حتى يجد لنفسه حيزاً متميزاً وخاصاً".
وعليه، إذا ما فاز بايدن برئاسة البيت الأبيض، فلا شكّ في أن المعارضة الإسرائيلية الحالية ستعمل، بحكم علاقاتها مع الحزب الديموقراطي، على ضمان إحاطة بايدن بمن يتوافق مع سياستها اليمينية الليبرالية، بعيداً من جناح ساندرز وحتى أوباما. ويعود السؤال مرة أخرى: ماذا يفعل الفلسطينيون خاصة، والعرب عامة، سوى الانتظار؟