معركة الباب وآفاق التفاهم الروسي ــ التركي

الجيش التركي يسعى إلى حسم معركة الباب السورية أملاً بالاتجاه إلى منبج، في إطار ما سماه الرئيس التركي: "إبلاغ الروس والإيرانيين بمسعى إنشاء منطقة آمنة وانتطار إدارة ترامب للتفاهم معها في هذا الشأن". لكن موسكو وحلفاؤها قد لا يقدمون لتركيا هدية مجانية يأمل أردوغان الفوز بها في الوقت الضائع.

الرئيس التركي يقرر تعزيز القوات في أوغوزلي وكركميش على الحدود السورية
الجيش التركي يتلقى هزيمته الأولى على مشارف مدينة الباب السوري، في خسارته 35 من جنوده بحسب المرصد السوري المعارض وجرح العشرات. لكن الرئيس التركي يقرر تعزيز القوات في أوغوزلي وكركميش على الحدود السورية، أملاً بحسم سريع في مراهنة على التفاهم مع موسكو. فمعركة الباب هي "معركة وجود بالنسبة إلى تركيا" على ما يكشف رئيس الوزراء بن علي يلدريم لأنها "معركة كبرى تجري باسم وحدة تركيا". وفي هذا القول نصيب وافر من التعبير عما يهدّد وحدة تركيا دولة وتراباً إذا فشلت مراهناتها القديمة ــ المتجددة على إنشاء حديقتها الخلفية داخل الأراضي السورية. ولعلّ سياسة تصدّع الوحدة القومية التي ينتهجها حزب العدالة والتنمية ضد الأقليات القومية وضد المعارضات السياسية والحريات، لا تترك ما يعوّل عليه الرئيس في سدّة السلطنة غير انتصار بيّن في سوريا أوّلاً وامتداد إلى العراق بعدها.


ربما يكون هذا المأزق الوجودي هو ما دفع الرئيس التركي إلى ما يمكن وصفه بإعادة التموضع أثناء معركة حلب وفي لقاء موسكو الثلاثي مع طهران. فتحذير الطيران السوري بقصفه محاذاة مدينة الباب، يتضمّن في الوقت نفسه مخرجاً لتركيا في انضمامها إلى جهود فصل النصرة عن "المعارضة المعتدلة" في حلب وما بعد حلب. وقد ساعدتها النصرة وحليفاتها في ذلك من حيث لم تدرِ أنقرة وتتوقع. لقد اشترطت موسكو على أنقرة خطوات ملموسة تدلّ على إعادة التموضع التركي منها وساطة تركية لتسهيل إغاثة المدنيين في شرقي المدينة وانسحاب المسلّحين إلى خارجها، وبموازاة هذه الخطوة تسهيل المباحثات الروسية مع بعض الفصائل المسلّحة في تركيا تحت إشراف السفير الروسي "أندريه كارلوف" الذي جرى اغتياله على الأرجح لدوره الحاسم في تحضير مؤتمر أستانا في كازاخستان، وتعزيز التقارب الروسي ــ التركي في هذا الأمر كما أشار الرئيس الروسي. لكن جبهة النصرة وحليفاتها التي استشعرت مخاطر إعادة التموضع التركية في انتقالها من الحليف الأكثر تأثيراً في الدعم والرعاية إلى وسيط، قفزت عن العباءة التركية في تصعيد تعجيزي على الفصائل العسكرية الموالية لتركيا. فبينما سعت تركيا لاندماج الفصائل في جيش موحّد تتوارى فيه النصرة خلف مسميات أخرى، اشترطت النصرة على الفصائل اندماج المسميات المتعددة (جيش الفتح، الهيئة الإسلامية،....) تحت أمرة الجولاني وتسليم السلاح والمستودعات وكذلك مواجهة "درع الفرات" وقلب الطاولة على طموحات أنقرة.

ما يهم موسكو للتفاهم مع أنقرة، هو في المقام الأول الجهود التركية لفصل النصرة عن الجماعات الأخرى، ولا سيما استعداداً لمعركة إدلب حيث تضمن "غرفة العمليات العسكرية" 35 ألف مقاتل برواتب منتظمة جلّهم من النصرة وحليفاتها بحسب مصادر أميركية. وربما تتقاطع دمشق وطهران مع هذه المساعي، كما عبّر بيان موسكو الثلاثي عن موافقة تركيا على مواجهة النصرة و"داعش". لكن تركيا ذات النفوذ الواسع والتأثير القوي في دعمها ورعاية الجماعات المسلّحة زرافات ووحدانا، قد لا يكون بوسعها نقل البندقية من كتف إلى كتف بالسهولة التي تتمناها. يدل على هذا المأزق المستجد تغاضي الجماعات المسلّحة كاملة على محاولة وزير الخارجية التركي دغدغتها في إشارته الفاقعة لحزب الله بمعيّة النصرة و"داعش". ويدل عليه أيضاً عدم سيطرتها على فوضى الاجتماعات التي تعقد حالياً بين الجماعات المسلّحة في تركيا تمهيداً لمؤتمر أستانا. لدرجة أن التذرر بين أحرار الشام وجيش المجاهدين وجماعات استقم والزنكي....، يتفاقم خلافاً في داخل الجماعة الواحدة والمجموعات بين بعضها البعض، كلما حاولت تركيا الإمساك بطرف خيط من الخيوط. وربما لهذا السبب يفصح المتحدث الروسي باسم الكرملين "ديمتري بيسكوف" عن عدم تقرير أي شيء حتى الآن بالنسبة لمباحثات أساتانا.

ما تضمنه تركيا في يدها اليوم هو "درع الفرات". وبه تحاول تحقيق إنجاز عسكري بالسيطرة على مدينة الباب السورية، وإنجاز سياسي في الوقت الضائع بانتظار إدارة ترامب بالسيطرة على منطقة تمتد من جرابلس إلى أعزاز. لكن "داعش" الذي كان مستعداً للانسحاب من الباب كما انسحب من جرابلس قبل التموضع التركي الجديد، يهدّد على لسان خطيب "داعشي" في الموصل بمقبرة الباب ونقل الحرب إلى إسطنبول بحسب زعمه. وفي أغلب الظن لا تقدّم موسكو وحلفاؤها هدايا مجانية للحكومة التركية مكافأة لها في تموضعها على جنب واحد قابل للتقلّب بانتظار استقرار الرئيس التركي على الجنب الذي يريح سوريا.