غليان ينذر بحرب أهلية تغذيها عنصرية ترامب

المؤسسة الرسمية تجد تبريرات جاهزة لانخراط مجموعات عنصرية في الجهد العسكري نظراً " لحاجة القوات العسكرية الملحّة لرفد صفوفها بمقاتلين وهي تخوض جملة حروب متوازية، في أفغانستان والعراق".

ظاهرة تجذر التجمعات العنصرية من البيض تعود إلى الحرب الأهلية الأميركية
يشهد المجتمع الأميركي اتساعاً ملحوظاً وانتعاش رقعة اقتناء السلاح بكافة أنواعه والإتجار به بعد فوز ترامب بالرئاسة، وعودة الجنود من مسارح المعارك الخارجية بخبرات مكتسبة استغلتها المجموعات اليمينية بفعالية، في التدريب ونقل الخبرات، نظراً لحسن تنظيمها وتموضعها في أماكن بعيدة نسبياً عن مراكز الدولة ووفرة مواردها وإمكانياتها المادية.

ظاهرة تجذر التجمعات العنصرية من البيض، سواء في المجتمع أو مؤسسات الدولة، ليست وليدة الأمس، بل تعود إلى الحرب الأهلية الأميركية التي انتهت "رسمياً" عام 1865، وولادة أشهر منظمة عنصرية كو كلاكس كلان عام، 1866 بيد أن تداعياتها لا تزال ماثلة بقوة إلى اليوم، يدل عليها تباين "التطور الحضاري" ومستويات الازدهار الاقتصادي بين "الشمال والجنوب."

المواجهة والاشتباكات الأخيرة رافقها عنصريين متناقضين بشدة اجتمعا في آن ومكان واحد: مدينة جامعية وديعة تشّع بالعلم والمعرفة تتعرض"لغزو  "ميليشيات مسلحة، بل حضرت مدججة بالعتاد والأسلحة، بصرف النظر عن هدف أو مبررات حضورها.

ولعل العنصر الأهم والذي فاقم الأزمة وعرّى التناقضات الداخلية كان موقف الرئيس ترامب الذي جاء على خلاف كافة التوقعات لموقف واضح مطلوب من مسؤول رسمي رفيع؛ إذ أحجم عن إدانة الطرف المتسبب بالاشتباكات وعَقده مساواة بين المعتدي والضحية. وحصد على إثر ذلك حملة انتقادات قاسية في اللغة وشمولية في الحضور من مختلف الأوساط.

المنظمة "الليبرالية" أميريكان بروسبيكت، والتي أجرت مقابلة بالغة الأهمية مع مستشار ترامب الاستراتيجي، ستيف بانون، قبل استقالته من منصبه، كانت أشد وضوحاً في تفصيلها للأزمة قائلة إنّ "العنصريين البيض يقفون إلى جانب ترامب، وهو يرد لهم الجميل"، على خلفية تصريحاته التي أحجم فيها عن تحميلهم مسؤولية ما جرى.

انتقد بانون المتسببين بالاشتبكات في مدينة شارلوتسفيل من اليمين المتطرف قائلاً إنهم مجموعة من "الخاسرين .. هُم عنصر هامشي .. وتجمع من المهرجين."

"حرب عرقية مقدسة"

"الأعمال الإرهابية داخل الولايات المتحدة من اليمين المتطرف هي الأكثر شيوعاً من بين أعمال العنف الراديكالية الأخرى... متطرفو اليمين خططوا أيضاً لاستخدام أسلحة بيولوجية وإشعاعية"،  جملة كانت خلاصة دراسة حديثة صدرت عن مؤسسة أميركا الجديدة لسبر أغوار بروز التيارات اليمينية المتطرفة وخطورتها.


توافدت مجموعات منظمة من تنظيمات عنصرية للبيض تحت شعار مركزي توحيد اليمين استضافتها مجموعة محلية تعرف بإسم ميليشيا مينوت مان لفرجينيا – في إم إم، للتظاهر العلني مكشوفة الرأس، بخلاف المعتاد، بكامل أسلحتها قدرت أعدادها عند ذروة الحضور في مركز المدينة الجامعية بنحو 4000 عنصر.


كان ملفتاً لوسائل الإعلام وأجهزة الأمن على السواء بروز المسؤول عن تقديم طلب التظاهر لسلطات بلدية شارلوتسفيل نيابة عن ائتلاف "توحيد اليمين،" جيسون كيسلر، الذي ارتبط اسمه سابقاً كناشط متقدم في حركة إحتلال وول ستريت، وعنصر مؤيد لسياسات الرئيس اوباما. 


هل هو اختراق منظم من الأجهزة الأمنية للحركات الاحتجاجية المناهضة لسياسات المؤسسة الحاكمة، أم توظيف متجدد. كيسلر يجيب بنفسه بشيء من الغموض في مقابلة معه نشرت على شبكة الإنترنت قائلاً إنه "نزل عليه الوحي،) "رأيت الضوء  – في الأصل).

تنبهت المؤسسة العسكرية الأميركية لانضمام المجندين البيض إلى صفوفها بدءاً بوزير الدفاع الأسبق، كاسبر واينبيرغر، حين أمر القيادة العسكرية عام 1986 اتخاذ إجراءات صارمة تجاه تلك المجموعات، أتبعه خلفه ويليام بيري، 1995، بإصدار أمرٍ لتطهير القوات العسكرية من العنصريين ورفض دخولهم صفوف القوات المسلحة في أعقاب تفجير مجمع حكومي فيدرالي في مدينة أوكلاهوما سيتي شنه مجند أنهى خدمته العسكرية، تيموثي ماكفي.

مؤخراً، بثت  وكالة رويترز للأنباء، 21 آب/ أغسطس 2012، تقريراً تحذيري عنوانه قوات الجيش الأميركي تحارب العنصريين داخل صفوفها، موضحاً أن مجموعات منظمة من العنصريين البيض والنازيين الجدد تعمل بنشاط داخل صفوف القوات العسكرية المركزية تحت شعار راهوا (الحرب العرقية المقدسة).

المؤسسة الرسمية تجد تبريرات جاهزة لانخراط مجموعات عنصرية في الجهد العسكري نظراً " لحاجة القوات العسكرية الملحّة لرفد صفوفها بمقاتلين وهي تخوض جملة حروب متوازية، في أفغانستان والعراق".

يشار إلى أن البنتاغون، بكافة فروعها، اعتمدت إصدار ما أسمته "إعفاء أخلاقي" يسمح بموجبه لذوي السجلات والمجرمين دخول القوات المسلحة؛ إذ ارتفع معدل المنخرطين تحت ذلك البند من 16.7% عام 2003 الى 19.6% عام 2006، وفق بيانات وإحصائيات وزارة الدفاع.

المؤسسات "الليبرالية"  كانت أشد وضوحاً في تحذيراتها من تنامي ظاهرة التفوق العنصري والنازيين، إذ أشار المؤلف والصحافي المختص بالشؤون العسكرية، فْرِد كابلان، إلى حادثة شارلوتسفيل بالقول "لو كنا نقطن في بلد آخر، فإن ما جرى يمكن أن يُنظر إليه كمقدمة لانقلاب عسكري نوعاً ما."

أسبوعية ذي نيشن حذرت صناع القرار، سياسيين وعسكريين، من ظاهرة "الحرب العرقية المقدسة" بالقول "حروبنا الإمبريالية الجديدة ربما تعود إلى نحورنا .. هل ستشهد أميركا (فوضى) الشرق الأوسط؟ "

التفوق العنصري أزمة مستدامة

أضحى من المسلمات أن صعود الرئيس ترامب السياسي جاء على أكتاف الشريحة المهمشة من الفقراء البيض، الذين تبنوا رايته "أميركا أولاً" بحماس وحضور بارز. على الطرف المقابل فإن استمراره في منصبه رهن الدعم والتأييد الذي توفره له شريحة إضافية من البيض الميسورين والمثقفين أيضاً. هي ظاهرة مركبة إلى حد ما، كما يشير علماء الاجتماع، خاصة لما رصدوه من "استفادة الشريحة العليا للبيض من الامتيازات الإقتصادية بمواكبة تأييدها لنزعات تفوق العنصر الأبيض، بل تسخير المسألة العنصرية لصالح النخبة – بعيداً عن الأضواء."

مستقبل الرئيس الأميركي ترامب يرتبط بشكل مباشر بقاعدته الوفية من أصحاب نظرية التفوق العنصري، كما أسلفنا، والتي كان حضورها المسلح بارز تمريناً وانذاراً لمراكز القوى بأن "نشاطاتها" قد تتطور إلى النزول للشوارع لتوفر الحصانة المطلوبة لاستمراره في مواجهة المؤسسة.

هل هو إنذار بحرب أهلية، ربما. إزاحة ترامب، فيما لو كتب لها النجاح، لن تسهم في تهدئة مناخات الصدام والاشتباكات المتصاعدة. على الطرف المقابل، ونتيجة لتفاقم حدة الانقسامات، قد تشهد البلاد تجدد طلبات الإنفصال عن "الإتحاد المركزي" كما هو الحال في ولاية كاليفورنيا منذ زمن، وانضمام ولايات أخرى لها.

عصر ترامب، كما يجمع أخصائيو العلوم الاجتماعية، أعاد الاعتبار لمخلفات العصور الغابرة من التاريخ الأميركي وإنعاش التفرقة العنصرية، وحصر الامتيازات الإقتصادية والاجتماعية بشريحة ضيقة من البيض والعزف على نغمة التفرقة والعنصرية خدمة لمصالحها.

التقارب الزمني لمراحل الصدام التي تقوم بها المنظمات اليمينية، ضد الدولة وشرائح المجتمع الأخرى، تدل على هشاشة السلم الاجتماعي الذي لا ينقصه سوى فتيل اشتعال ينجم عن "سوء تقدير" من قبل الدولة وأجهزتها، كما شهدنا في حالة المزارع كلايف بندي في ولاية نيفادا، والتي كادت أن تتطور إلى اشتباك مفتوح بالأسلحة النارية