صفقة ترامب الموعودة: التطبيع أولاً

الاندفاعة السعودية للتطبيع مع إسرائيل، تُرجمت رسالة حملها ترامب من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، إلى نتنياهو، كما ذكرت صحيفة معاريف الإسرائيلية، يُبدي فيها استعداد السعودية لتطبيع كامل مع إسرائيل في حال اتخذت قيادتها قراراً "جريئاً" حيال الفلسطينيين.

صفقة ترامب تأتي بعد مجموعة القمم التي عقدها مع قادة خليجيين وعرب
بدأت تتضح سريعاً معالم "الصفقة" التسووية التي يعمل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على بلورتها لحماية إسرائيل، وتصفية القضية الفلسطينية. فلم يكد ترامب يُنهي زيارته إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، حتى بدأت تتوضَّح صورة هذه "الصفقة" المبنية على مبادرة السلام العربية، ولكن بـ "المقلوب"، أي بدلاً من التوصّل إلى إقامة دولة فلسطينية كشرط "للسلام والتطبيع" مع الدول العربية، يعمل ترامب على إنجاز التطبيع أولاً، ثم يصار إلى اتفاق مرحلي يجري خلاله البحث في قضايا الوضع النهائي.
صفقة ترامب بهذا المعنى التي تأتي بعد مجموعة القمم التي عقدها مع قادة خليجيين وعرب، في واشنطن، والرياض، وكذلك مع القيادة الإسرائيلية في تل أبيب، ليست سوى تبن غير مباشر لاقتراح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الداعي إلى تطبيع العلاقات بين الدول العربية، وخاصة الخليجية، مع إسرائيل، قبل البحث في أي تسوية للمسألة الفلسطينية. 
ويدل على هذه الحقيقة تصريحات وتسريبات صدرت من داخل الإدارة الأميركية، وكذلك من أوساط في السلطة الفلسطينية.
مسؤول أميركي رفيع رافق ترامب في زيارته الشرق أوسطية، كشف لصحيفة "هآرتس" أن ترامب يسعى في إطار المبادرة السياسية الجديدة التي يبلورها إلى التقريب بين إسرائيل والدول العربية. وقال:"نحن نريد أخذ منظومات العلاقات الساخنة والقوية، التي تجري عبر قنوات هادئة، وتحويلها إلى علاقات علنية". 
كما أشار المسؤول الأميركي إلى أن إدارة ترامب تسعى إلى تحديد ما أسماه "مبادئ متفق عليها" لإدارة المفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. ولم يُفصِّل المسؤول الأميركي الرفيع، ما هي المبادئ المُتفق عليها التي يفكر بها ترامب بشأن هذه العملية التفاوضية، وليس من الواضح ما إذا كان المقصود مبادئ تقنية كجدول زمني للمحادثات، أو مبادئ تتعلق بمسائل جوهرية، كإدارة المفاوضات حول حدود 67 مع تبادل للأراضي، علماً أن الرئيس الأميركي وخلال كل زيارته إلى تل أبيب، وبيت لحم، ومحادثاته التي أجراها مع كل من بنيامين نتنياهو، ومحمود عباس، لم يأت على ذكر "دولة فلسطينية"، "حل الدولتين"، "انسحاب لحدود 67"، "المستوطنات كعقبة أمام المفاوضات"، "اللاجئون"، "الاحتلال" "الحدود"، و"حق العودة". 
كما لم يأت على ذكر أي اتفاق، أو أي خطة، ولم يشر إلى أي معيار أو إطار للاتفاق بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. ونظراً لغياب هذه القضايا الجوهرية عن أجندة ترامب، فإن الإدارة الأميركية - وفق المسؤول الرفيع – "لا تتوقَّع التوصّل إلى اتفاق قريب بين إسرائيل والفلسطينيين، والذي لم يتمكَّنوا من تحقيقه منذ عدة عقود".
ما كشفه المسؤول الأميركي يعززه تصريحات مسؤول رفيع المستوى في السلطة الفلسطينية إلى صحيفة "إسرائيل اليوم" المقرَّبة من نتنياهو، حول دفع ترامب اقتراح سلام إقليمي مع إسرائيل وتطبيع علاقاتها مع دول عربيّة معتدلة، ومن ثم يمكن العمل على إقامة دولة فلسطينية .
وأوضح المسؤول الفلسطيني أن الرئيس ترامب أبلغ عباس، خلال لقائهما في بيت لحم، يوم الثلاثاء الماضي، أن الخطة السياسية التي يبلورها تعتمد على دفع خطة إقليمية شاملة، أهم أسسها دفع برنامج سلام عربي قدماً حيث يبدأ بتطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية السنية المعتدلة، وبعدها ستعمل واشنطن على التوصّل إلى اتفاق مرحلي تناقش الأطراف في إطاره طرق التوصَّل إلى اتفاق يسمح بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وإعلان الطرفان عن انتهاء الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. 
وأوضح ترامب للرئيس عباس أن العملية المتبلورة التي ستبدأ بموجبها السعودية ودول الخليج بتطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية، تحظى بدعم أولي في الرياض، ودول الخليج، والأردن، ومصر. 
وبحسب المسؤول الفلسطيني فإنَّ أبو مازن أوضح للرئيس الأميركي أن "الفلسطينيين يُعارضون بحزم العملية المتبلورة"، موضحاً أن التقارب السري بين إسرائيل والسعودية ودول الخليج، بدعم الإدارة الأميركية والدول العربية مثل مصر والأردن، لا يساعد على حل القضية الفلسطينية، بل يُبعد أي حل عادل.
الاندفاعة السعودية للتطبيع مع إسرائيل، تُرجمت رسالة حملها ترامب من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، إلى نتنياهو، كما ذكرت صحيفة معاريف الإسرائيلية، يُبدي فيها استعداد السعودية لتطبيع كامل مع إسرائيل في حال اتخذت قيادتها قراراً "جريئاً" حيال الفلسطينيين. لكن الرد الإسرائيلي على رسائل "السلام والتطبيع" العربية ليس سوى التمسَّك بالاحتلال والاستيطان، والتشديد على أن "القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل". 
وقد احتفلت إسرائيل غداة انتهاء زيارة ترامب بالذكرى الخمسين لاحتلال شرقي القدس في العام 67. 
وقال نتنياهو في احتفالات بالذكرى:"نحن نقف هنا بعزة وفخار، في القدس، التي هي لب حياتنا، زينة شعبنا، عاصمتنا الخالدة والموحّدة إلى الأبد". 
وشدد نتنياهو في الوقت نفسه على أن الولايات المتحدة إلتزمت بالحفاظ على التفوق النوعي لإسرائيل في الشرق الأوسط. 
ولم ينس نتنياهو الإشارة إلى أن "الأعداء القدامى يصبحون اليوم شركاء"، في إشارة إلى خريطة التحالفات الجديدة بين إسرائيل وأنظمة الاعتدال العربي. 
وكانت مواقف الرئيس الأميركي خلال زيارته الأخيرة إلى فلسطين المحتلة، وزيارته إلى حائط البراق الذي تُسميه إسرائيل "حائط المبكى"، مرتدياً القلنسوة اليهودية، قد شكَّلت مصدر ارتياح عارم في إسرائيل، وخاصة لدى حكومة نتنياهو اليمينية. 
وقد أشاد الوزراء الإسرائيليون بخطاب ترامب في المتحف الإسرائيلي، قائلين إنه تبنى الرواية الصهيونية للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وأنه على خلاف سلفه، باراك أوباما، لم يُملِ شروطاً على إسرائيل ولم يتحدث عن الاستيطان.
ولم تكد تمضي ساعات على انتهاء زيارة ترامب، حتى ارتفعت أصوات من اليمين الإسرائيلي تعتبر أن الرئيس الأميركي أعطى الضوء الأخضر لمواصلة البناء الاستيطاني في الضفة الغربية، ووفر حيزاً للمناورة. 
ونقلت القناة الثانية الإسرائيلية عن مسؤولين من اليمين قولهم إن ترامب لم يذكر "دولة قلسطينية"، ولم يأت على ذكر الاستيطان، وأن هذا الأمر يعتبر مصادقة على مواصلة البناء. وبحسب هؤلاء المسؤولين فإن هذا هو الوقت للعمل على توسيع المستوطنات، وإحلال "السيادة الإسرائيلية" على المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية. 
وترجمة لهذه التصريحات، أشار مسؤول إسرائيلي إلى أن "مجلس التخطيط الأعلى" التابع لسلطات الاحتلال في الضفة الغربية، سوف يجتمع في السابع من حزيران المقبل للمصادقة على مخططات بناء جديدة في المستوطنات. 
ولفت المسؤول إلى أن المجلس الوزاري السياسي – الأمني المصغَّر صادق في جلسته الأخيرة على تشكيل لجنة تعمل في السنوات الثلاث المقبلة على "شرعنة  البؤر الاستيطانية والمباني غير المرخصة في المستوطنات"خير تعبير عن مستوى الارتياح الإسرائيلي لنتيجة زيارة ترامب التي صبَّت في مصلحة إسرائيل ما نقله موقع المصدر الالكتروني الإسرائيلي عن مصدر سياسي إسرائيلي مُطلع على المحادثات مع الولايات المتحدة، وعلى زيارة ترامب، قوله إن "الفلسطينيين تراجعوا 100 عام إلى الوراء". وأثنى المصدر على الموقف الأمريكي الجديد في المسألة الفلسطينية قائلاً: "للمرة الأولى منذ سنوات لم تحصل السلطة الفلسطينية على ضمان مسبق فيما يتعلق بنتائج المفاوضات مع إسرائيل