الجولاني يقصي معارضيه ليناور مع الأتراك؟

زعيم جبهة النصرة أبو محمد الجولاني يرى في التحركات والحشود التركية على الحدود "تكتيكاً عسكرياً أكثر منه سياسياً"، وهذا ما يبرر رفضه خطوة تشكيل حكومة في الداخل تتولى لاحقاً مفاصل السلطة في "إدلب".

الجولاني يرى في التحركات والحشود التركية على الحدود "تكتيكاً عسكرياً أكثر منه سياسياً"

للوهلة الأولى، يضع أي مراقب لعملية "تداول" السلطة في "هيئة تحرير الشام" ضمن تبعات الانشقاق الحاصلة فيها في الآونة الأخيرة. غير أنّ التدقيق في سياق ما يحصل في الهيئة يؤشر إلى أنّ استقالة "أبي جابر الشيخ" لم تكن ضمن حساباته على الأقل، بعد أن عزز حضوره الإعلامي بإنشاء قنوات تابعة له على شبكات التواصل عشية خروج الداعيتين السعوديين عبد الله المحيسني ومصلح العلياني من الهيئة، وبدأ بالتواصل مباشرة مع عناصر الهيئة مؤخراً، رافعاً شعار المحاسبة لمن أخطأ من القادة العسكريين.
وتفيد المعطيات أن النقاش داخل المجلس الشرعي العام ومجلس شوري الهيئة استمر لأكثر من أسبوع قبل إصدار بيان استقالة الشيخ وتعيين أبو محمد الجولاني بدلًا منه، علما أنّ شرعيي الهيئة حرصوا على تقديم الموضوع بطريقة تحفظ "مكانة" الشيخ بعد أن قضى الإخراج التنظيمي بتعيينه رئيسا لمجلس الشورى.
فما المتغيّر أو المتغيرات التي أدت إلى هذا التغيير الذي يرى البعض أنه يعيد "هيئة تحرير الشام" إلى نواتها الأولى: "جبهة النصرة"؟ فضلًا عن أن تولّي الجولاني زمام الأمور بشكل علني في هذا التوقيت لا يهدئ من مخاوف الجماعة، بعد أن كان الظهور كـ"فصيل معتدل" أبرز أهدافها في الأشهر الماضية. وهذا ما يفسره قول أبي الفتح الفرغلي؛ أحد شرعيي الهيئة وعضو لجنة الإفتاء فيها، أن الجولاني تردد يوماً كاملاً قبل أن يقبل المنصب الجديد.
أولاً، من ناحية تنظيمية، يمكن القول إن "هيئة تحرير الشام" باتت مقتصرة على "جبهة فتح الشام" و"جبهة أنصار الدين" مع كتائب صغيرة لا يتجاوز عدد مقاتليها بضع مئات، وذلك بعد إنشقاق حركة "نور الدين الزنكي" وجيش "الأحرار" وكتيبة "إبن تيمية". وهنا يجب استحضار الظرف الذي أتى بـ"أبي جابر الشيخ" زعيما للهيئة مع تشكيلها، حيث كان الهدف من إختياره استمالة "جيش الأحرار"؛ الخارج من رحم حركة "أحرار الشام"، باعتبار أن "الشيخ" كان زعيمه. ومع إنشقاق "جيش الأحرار"، بات "الشيخ" عملياً فاقداً لحجم تمثيلي وازن داخل التنظيم. (يُقدّر عدد مقاتلي الزنكي وجيش الأحرار بسبعة آلاف مقاتل، بينما لا يتجاوز عدد مقاتلي "كتيبة ابن تيمية" الألف، بينما يبلغ عدد مقاتلي النصرة في الهيئة نحو 20 ألفاً أو ما يزيد بقليل).
ثانيًا، طالت التسريبات الأخيرة لقادة عسكريين في الهيئة "الشيخ" باعتباره أحد المدافعين عن الشرعيين، في حين أن هؤلاء القادة معروفون بقربهم من الجولاني. وعلى الرغم من اتخاذ قرارات مسلكية بحق العسكريين؛ إلّا أن رفض المحيسني العودة عن الاستقالة وإصداره لمواقف اعتبرها الجناح المؤيد للعسكريين مستفزاً و"شامتاً" يؤثر بالتأكيد على لعبة التوازنات الداخلية في التنظيم لناحية تعزيز تيار الجولاني مجدداً و ردّ الاعتبار له.
ثالثًا، تتقاطع التقارير في إفراد حيّز خاص لمصير إدلب كأحد أهم أسباب الخلاف داخل "هيئة تحرير الشام". إذ أنّ التسريبات في الفترة الماضية أظهرت أنّ الجولاني، وبشكل مفاجئ، يفصّل المناورة مع الجانب التركي بهدف تجنيب الهيئة هزيمة عسكرية في عقر دارها، في مقابل معارضة من أطراف أخرى بين قادة الهيئة. واللافت أن الجولاني يرى في التحركات والحشود التركية على الحدود "تكتيكاً عسكرياً أكثر منه سياسياً"، وهذا ما يبرر رفضه خطوة تشكيل حكومة في الداخل تتولى لاحقاً مفاصل السلطة في "إدلب".
هذه العوامل جميعها تقاطعت عند نتيجة واحدة؛ صارت معها عودة الجولاني إلى القيادة العلنية حاجةَ ملحة بنظره، وسط أنباء بأنه قد يلجأ بعد فترة وجيزة لطرح اسم آخر مقرب منه لقيادة الهيئة ليعود إلى منصبه في الظلّ. وقد تم تداول اسم "أبي مالك التلّي"؛ الأمير السابق للقلمون، كأحد الشخصيات المرشحة لتزعم الهيئة في المرحلة المقبلة.
وتجدر الإشارة إلى أن صراع العسكريين والشرعيين لا يزال مفتوحاً، ما قد يشكل فرصة للجولاني للتخلص من شرعيين لا يسيرون وفق هواه في المرحلة المقبلة، من دون أن يرشح عن عملية التغيير في القيادة اعتراضات واسعة بعد إقصاء "الشيخ" ومع تركيز المقاتلين اهتمامهم على تعزيز مناطق إنتشارهم في إدلب وأريافها تحسباً لعملية عسكرية ضد الهيئة.